وسط استمرار صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، والتي نتج عنها إطلاق أكثر من 180 أسير فلسطيني من الأطفال والنساء خلال الأيام الخمسة الأولى للهدنة، تعود إلى الواجهة العديد من الأسماء التي ترفض إسرائيل الإفراج عنها في أي نوع من تبادل الأسرى، والتي حكم عليها بالمؤبد من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.
من بين تلك الأسماء يبرز الأسير إبراهيم أبو مخ بصفته عضواً في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثالث أقدم أسيرٍ في العالم حالياً، كما أنه يعدّ واحداً من 26 أسيراً بقوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي رغم توقيع اتفاقية أوسلو التي نصت بنودها على الإفراج عن كافة المعتقلين الفلسطينيين. فمن هو إبراهيم أبو مخ؟ ولماذا ترفض إسرائيل إطلاق سراحه؟
النجار الذي عاش طفولة صعبة
ولد إبراهيم أبو مخ في مدينة باقة الغربية، والتي صارت إحدى المدن التابعة اليوم إلى حيفا، بعدما كانت تابعة لطولكرم قبل عام 1948، وذلك في 26 فبراير/شباط عام 1961.
عاش إبراهيم، رفقة شقيقته التي تكبره بعامٍ واحدٍ، طفولة صعبة، إذ واجه الشقيقان ألم اليتم مبكراً، فقد فارق والدهما الحياة وهما في سن الطفولة، حين كان إبراهيم في الرابعة من عمره وأخته في الخامسة.
وبسبب ذلك، قضى إبراهيم فترة طفولته ومراهقته في ملجأ بعكا، بينما أرسلت أخته إلى مركز خاص لرعاية الأيتام في بيت لحم، فلم يلتقِ إبراهيم بأخته إلا بعد 16 عاماً، وذلك قبل عامين من زواجها.
حارب إبراهيم صعوبة وتحدي الحياة لوحده، فعمل في النجارة من أجل استكمال دراسته والالتحاق بالجامعة، قبل أن يستقر في عمل النجارة بامتلاك ورشة نجارة خاصة.
حُكم عليه بالمؤبد بتهمة خطف وقتل جندي إسرائيلي
في دراسته بالجامعة، عُرف عن إبراهيم حب المطالعة وملازمة الكتاب، فانفتح على الشأن العام، وتكوّن لديه توجه يساري قاده إلى الانضمام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فكان أحد أفراد مجموعة شاركت في تنفيذ عدد من العمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي.
فمع مطلع عام 1985، خُطف الجندي الإسرائيلي موشيه تمام، ثم قتل في عملية بمدينة نتانيا بقيت غامضة لا يُعرف منفذها، حتى استطاعت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الوصول إلى طرف خيط يقودها إلى الفاعل، وتبين لها أن إبراهيم أبو مخ على رأس المدبرين والمنفذين لتلك العملية.
في 23 مارس/آذار 1986، قامت قوات الاحتلال باعتقال إبراهيم أبو مخ مع ابن عمه رشدي أبو مخ، وتعرض إبراهيم في أثناء التحقيق لأنواع من التعذيب بهدف إجباره على الاعتراف بالتهم المنسوبة إليه، ثم قضت المحكمة العسكرية في مدينة اللد بالسجن المؤبد المحدد بـ40 سنة.
بسبب السجن، قام أبو مخ بفسخ خطوبته، وقال إنه لا يستطيع أن يظلم فتاة مع ظروف حبسه، ثم توجه إلى الدراسة، فالتحق بالجامعة المفتوحة قسم العلوم السياسية وعلم الاجتماع، كما نشط في خدمة رفاقه الأسرى من خلال عمله لسنوات بالمغسلة ومرافق عمل أخرى، وأبدى استعداده لتعليم الأسرى اللغة الإنجليزية والعبرية اللتين يتقنهما، وتنقل إبراهيم بين كل من سجن الجلمة والرملة وبئر السبع وعسقلان والجلبوع ومجدو.
ثالث أقدم أسير في العالم والذي يرفض الاحتلال إطلاق سراحه
بقي إبراهيم أبو مخ منذ ذلك الوقت في السجن، حتى صار ثالث أقدم أسير في العالم، بعد كلٍ من مواطنيه نائل البرغوثي وماهر عبد الكريم يونس، وذلك بعد مكوثه لأكثر من 37 عاماً في الأسر، فقد رفضت سلطات الاحتلال الإفراج عن الأسير إبراهيم أبو مخ ومجموعة من رفاقه رغم حدوث مجموعة من صفقات التبادل والإفراجات خلال سنوات مكوثه في الأسر، والتي كان آخرها عام 2014.
حيث تنكر الاحتلال للاتفاق الذي جرى ضمن مسار المفاوضات في حينه، وأبقى على اعتقال 30 أسيراً من بينهم إبراهيم أبو مخ، وهو ما عُرف بالدفعة الرابعة من صفقة وفاء الأحرار التي أنجزت سنة 2011، وذلك وفقاً لوكالة الأنباء الفلسطينية وفا.
أصيب بسرطان الدم في الأسر
مصائب الأسير إبراهيم أبو مخ لم تأتِ فرادى، فعلاوةً على مكوثه الطويل في الأسر وقبله معاناته في طفولته من اليتم والحرمان، استقبل إبراهيم أصعب خبرٍ في حياته، وذلك عندما أخبرته طبيبة في مستشفى سوروكا العسكري بالنقب، في أوائل فبراير/شباط 2019، أنه مصاب بسرطان الدم، وأبلغته الطبيبة بضرورة عدم التعرض لأي نوع من العدوى لعدم قدرة الجسم على المقاومة بسبب ضعف الجهاز المناعي، كما نصحت طبيبة عيادة سجن النقب الصحراوي بإعطاء إبراهيم مجموعة من التطعيمات الخاصة بالرشح والأنفلونزا، وفقاً لما نقله موقع المنار.
ولكن ظروف الأسر القاسية لم تساعد في علاجه، كما أن انتشار أجهزة التشويش وأجهزة الفحص التي يمر بها أبو مخ كل مرة تعد خطيرة للغاية عليه، فقد أخبرته طبيبة المستشفى أن التلوث الإشعاعي والغذائي خطير جداً عليه.
وفي كل مرة ينقل فيها الأسير إبراهيم أبو مخ لإجراء الفحوصات، يتم نقله بعد وضع 4 كلبشات (قيود)، 2 في يديه و2 في رجليه، ومن ثم ينقل بالبوسطة (عربة من عربات السجن يقيد داخلها)، إلى ما يسمى المحطة "معبر" ليبيت ليلته فيها، ثم يقيد تحت حراسه مشددة في طريقه للمستشفى، مع الحرص على ألا يراه أحد، وعلى أن يبقى رهن القيود في أثناء الفحص، ولا تحرر منه إلا يد واحدة.