في 13 أكتوبر/تشرين الأوّل، وفي خضمّ عدوانه على قطاع غزة، بدء الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ مخططاته المتمثلة في التهجير القسري للفلسطينيين، من خلال إصدار أوامره بإخلاء منطقتي وسط وشمال غزة من المدنيين، مُطالباً سكان هذه المناطق بالهجرة إلى جنوب القطاع، موازاةً مع ذلك، ظهرت إلى العلن مخططات لتهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية، وهو المخطط الذي شهد رفضاً شديداً من كل من مصر والأردن والدول العربية، واعتبروه جريمة حرب، بينما شهد ضوءاً أخضر أمريكياً.
وشهد التاريخ الحديث ظاهرة "التهجير القسري" التي يعدها القانون الدولي ضمن جرائم ضد الإنسانية، إذ تعرضت المنطقة العربية بشكل خاص لهذا النوع من التهجير، بداية من النكبة، مروراً باحتلال العراق، ثم وصولاً إلى غزة التي شرع الاحتلال الإسرائيلي في مخططه لتهجير سكانها المدنيين.
ما التهجير القسري في القانون الدولي؟
يعرّف التهجير القسري في القانون الدولي بأنه إبعاد الأشخاص عن أراضيهم بشكل دائم أو مؤقت على غير إرادتهم، دون توفير الحماية القانونية أو غيرها من الوسائل الأخرى لهم، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وفق ما ورد في نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية.
كما أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراض أخرى.
ويكون التهجير القسري إما مباشراً، أي بترحيل السكان من مناطق سكناهم بالقوة، أو غير مباشر، عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد.
وهو يختلف عن الإبعاد أو النزوح الاضطراري أو الإرادي، باعتبار أن التهجير يكون عادة داخل حدود الإقليم، بهدف تغيير التركيبة السكانية لإقليم أو مدينة معينة.
حالات التهجير القسري في التاريخ الحديث
لا يعدّ التهجير القسري الجاري تطبيقه في غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي جديداً في مآسي القضية الفلسطينية، إذ يتعرض الفلسطينيون منذ 75 عاماً للتهجير القسري الذي يصنف أيضاً كجريمة ضد الإنسانية، وهو سياسة ممنهجة يمارسها ضدهم الاحتلال الإسرائيلي منذ نكبة عام 1948 إلى الآن.
وعرف العالم بعد الحرب العالمية الثانية حالات أخرى للتهجير القسري، حيث تم تهجير تتار القرم المسلمين عام 1944، بأمر من زعيم الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين، بدعوى الخيانة في الحرب العالمية الثانية، فنقلوا بقطارات شحن في ظروف سيئة قضت على ما لا يقل عن 300 ألف شخص منهم، وشردت البقية في بلاد المهجر بشرق آسيا وشمال روسيا.
كما هجّر ستالين شعب البلقار الذي يقطن في شمال غربي القوقاز إلى آسيا الوسطى في عام 1944، والتهمة هي ذاتها "التعاون مع النازيين" خلال الحرب العالمية الثانية.
وقبل ذلك، تعرض نحو 100 ألف من شعب الكالميك لعمليات تهجير قسرية من قِبل الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول 1943، من أرضهم الواقعة شمال الشيشان باتجاه سيبيريا.
كما تم تهجير مسلمي الروهينغا بعد عمليات إبادة وحرق تعرضوا لها من قِبَل جيش ميانمار، إذ دفع جيش ميانمار نحو مليون من مسلمي الروهينغا إلى العيش في مخيمات "أراكان"، بعد أن حُرموا من حق المواطنة بموجب قانون أقرته ميانمار عام 1982، إذ تعتبرهم الحكومة مهاجرين "بنغال" غير شرعيين، بينما تصنفهم الأمم المتحدة بأنهم "أقلية دينية مضطهدة".
وتعرّض مسلمو البوسنة للتهجير القسري من قبل الصرب والكروات بدءاً من سنة 1995.
كما أن السنة العراقيين يواجهون التهجير القسري منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
واستخدم بشار الأسد التهجير القسري لمواجهة الانتفاضة الشعبية للسوريين، خصوصاً في حلب سنة 2016.
وفي مصر أيضاً قامت السلطات في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بعمليات تهجير قسري في شبه جزيرة سيناء، وهو ما أشار إليه تقرير سابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان "ابحثوا عن وطن آخر". قالت فيه إن ما قام به الجيش المصري على مدار عامين من تهديم جماعي وإخلاء قسري لمنازل أكثر من 3 آلاف عائلة في شبه جزيرة سيناء كان انتهاكاً للقانون الدولي.