مع استهداف طيران الاحتلال الإسرائيلي المدنيين في قطاع غزة، ومع قصفه المستشفى المعمداني، وإيقاع أكثر من 500 شهيد -فيما تصل بعض التقديرات إلى أكثر من ألف- عاد إلى الواجهة مصطلح "جريمة حرب".
ولا تنحصر بشاعة استهداف المستشفى المعمداني في العدد الهائل للضحايا المدنيين الذين سقطوا، بل لكونه قصفاً لمركز طبي، تحظر كل القوانين الدولية الاقتراب منه، لا بل تنصّ جميعها على إبقائه خارج دائرة النزاع المسلح، لأنه يُعتبر جريمة حرب واضحة.
ولأن الخطأ في تسمية الأمور يزيد العالم بؤساً، كما يقول الروائي والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو، علينا تسمية الأمور بأسمائها. وما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة لا يمكن إلا أن يُصنّف ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ماذا يقول القانون الدولي عن جريمة الحرب؟
للحرب قوانين خاصة وضعتها اتفاقيات دولية مختلفة، من معاهدة فرساي عام 1919، مروراً باتفاق لندن عام 1945 واتفاقية جنيف 1949، وصولاً إلى نظام روما عام 2013؛ جميعها نصوص صنّفت الجرائم بشكلٍ واضح تماماً، ولو تباين بين واحدٍ وآخر.
يقول البروفسور اللبناني عدنان السيد حسين، وهو دكتور في العلوم السياسية والنزاعات الدولية، إن "جرائم الحرب يمكن أن يرتكبها الجيش النظامي التابع لأي دولة من خلال قصف المدنيين وضرب المنشآت المدنية أثناء الحرب وأي نزاعٍ مسلّح".
وفي حديثٍ إلى "عربي بوست"، يُشير السيد حسين إلى أن مصطلح "جريمة حرب" يتقاطع مع مفهوم "الإبادة الجماعية" و"الجرائم ضد الإنسانية"، وأن جميع هذه المصطلحات مذكورة بوضوح في اتفاقية جنيف.
بموجب المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية جنيف 1949، وفي البروتوكولين الإضافيين لعام 1977، الأمر واضح: الاستهداف المتعمد للمدنيين محظور.
فالمادة الثالثة من اتفاقية جنيف الثالثة تحظر بشكلٍ واضحٍ الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، خاصةً القتل بجميع أشكاله، ضدّ الأشخاص الذين لا يشاركون مباشرةً في النزاعات المسلحة.
كما أن المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين تنصّ على أنه "لا يجوز للمدنيين أن يكونوا هدفاً للهجوم، وأعمال العنف التي تهدف إلى نشر الرعب بين السكان المدنيين -أو التهديد بها- محظورة".
وفقاً للمادة الثالثة التي تنصّ عليها اتفاقية جنيف، ففي حالة قيام نزاعٍ مسلح، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق الأحكام التالية كحدٍّ أدنى:
1) الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر. ويعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، من دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو أي معيار مماثل آخر.
وفيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، يحظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، خاصةً القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب،
2) يتم جمع الجرحى والمرضى والاعتناء بهم. ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع.
وعلى أطراف النزاع أن تعمل فوق ذلك، عن طريق اتفاقات خاصة، على تنفيذ كل الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية أو بعضها. وليس في تطبيق الأحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع.
أما المادة الرابعة من اتفاقية جنيف، فتشير بوضوح إلى أن "الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظةٍ ما، وبأي شكلٍ كان، في حالة قيام نزاعٍ أو احتلال، تحت سلطة طرفٍ في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها".
وفقاً لكلّ ما سبق أن ذُكر، لا يُمكن أن يُصنّف العدوان الإسرائيلي على غزة بمصطلحٍ أقلّ من مصطلح "جريمة حرب". فأهالي غزة، المحاصرون من إسرائيل منذ 16 عاماً، هم عملياً تحت سلطة دولة احتلال ليسوا من رعاياها.، ما يعني أن أقلّ واجبٍ على هذه السلطة، سلطة دولة احتلال، ليس أن تحمي أهالي غزة وحسب، بل أن تحمي كذلك كل أهالي فلسطين.
جريمة حرب أم جريمة ضد الإنسانية؟
بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت الحاجة لوضع قوانين دولية واضحة فيما يتعلق بالحروب والنزاعات المسلحة. وكان أول التصنيفات قد ظهر في قوانين المحاكم العسكرية الدولية، التي أقامتها دول الحلفاء في نورمبرغ وطوكيو.
وخلال وضع هذه القوانين، ظهرت عقبة التصنيفات بين مصطلحات ثلاثة:
- جرائم حرب
- إبادة جماعية
- جرائم ضد الإنسانية
تختلف تعريفات جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية، وآليات المعاقبة على كلّ تصنيف، اختلافاً جزئياً بين اتفاقية جنيف والقوانين التي أرستها المحاكم الجنائية الدولية.
وفقاً لموقع "أطباء بلا حدود"، بقيت الأمم المتحدة 50 سنة لصياغة قائمة رسمية بالأفعال التي تُعتبر جرائم ضدّ سلام وأمن الإنسانية، وقد نمت القائمة بشكلٍ مستمر لتضمّ جرائم الإبادة الجماعية والحرب.
لم تنجح الأمم المتحدة في إقرار هذه القائمة بشكلٍ رسمي، وفي تأسيس محكمة جنائية دولية مختصة بهذه الجرائم حتى العام 1998، حين تمّ تبنّي قانون المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في روما الذي دخل حيّز التنفيذ عام 2002.
ووفقاً لقانون المحكمة الجنائية الدولية، يشكل أي فعل من الأفعال التالية ما يمكن تصنيفه بـ"جريمة ضد الإنسانية"، متى ارتُكب في إطار هجومٍ واسع النطاق أو منهجي، وتوجّه ضدّ أية مجموعة من السكان المدنيين:
- القتل العمد
- الإبادة
- إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان
- السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية
- اضطهاد أية جماعة محدّدة أو مجموع محدّد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية..إلخ
- الاختفاء القسري للأشخاص
- جريمة الفصل العنصري
- الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبّب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية
أما جرائم الحرب، فتشير المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلى أنها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جنيف 1949، وهي أي فعل من الأفعال التالية:
- القتل العمد
- تعمُّد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة
- إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها، من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك
- الإبعاد أو النقل غير المشروعين، أو الحبس غير المشروع
كذلك، فإن جرائم الحرب هي تلك الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة، في النطاق الثابت للقانون الدولي، وهي أي فعل من الأفعال التالية:
- تعمُّد توجيه هجمات ضدّ السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضدّ أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.
- تعمُّد توجيه هجمات ضدّ مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية.
- تعمُّد شنّ هجمات ضدّ موظفين مستخدمين أو منشآت وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام.
- تعمُّد شنّ هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح، أو عن إصابات بين المدنيين، أو عن إلحاق أضرار مدنية أو عن إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية.
- قيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها.
ما يعني أن إسرائيل لا تحتاج إلى استهداف المستشفى المعمداني حتى تُصنّف أفعالها جرائم حرب، فهي -وبمجرد احتلالها للأراضي الفلسطينية- ارتكبت جريمة حرب. وتطول لائحة الانتهاكات التي تنصّ عليها قوانين المحكمة الجنائية الدولية وتعتبرها جرائم حرب.
وفي هذا الإطار، يقول البروفيسور عدنان السيد حسين لـ"عربي بوست" ،إن هناك تقاطعاً بين مصطلحات "جريمة حرب"، و"جريمة ضد الإنسانية"، و"إبادة جماعية" التي يُحاكم عليها جميعها في المحكمة الجنائية الدولية.
ويُشير حسين إلى أن هناك ملفات فلسطينية منذ العام 2014، موثقة في هذه المحكمة، عن العدوان الإسرائيلي على المدنيين، وإقفال مرافئ ومطار غزة. ووفقاً له، فإن ما يحصل في غزة اليوم ليس جريمة حرب وحسب، بل محاولة إبادة جماعية وإبادة شعبٍ بالكامل.