بعد 15 عاماً من البحث، اكتشف عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر مقبرة توت عنخ آمون في عام 1922. المقبرة التي لم تُمسّ من قَبل وتقع في وادي الملوك قرب مدينة الأقصر المصرية، لا تزال تُعتبر كنزاً في علم الآثار حتى اليوم.
لكن الشهرة التي نالها كارتر جاءت بثمن؛ ففي اليوم الذي فتح فيه المقبرة، تمكن ثعبانٌ طائر من قتل الكناري الخاص به، ما اعتُبر تحذيراً من روح الملك بعدم انتهاك خصوصية مقبرته أكثر.
لم يكن توت عنخ آمون ملكاً ذا أهمية كبيرة؛ كان فتىً بعمر التاسعة فقط، ولم يحكم المملكة الحديثة لأكثر من 10 سنوات. وموته المبكر والمفاجئ أدى إلى محو وجوده عملياً من الذاكرة المصرية، وهو على الأرجح سبب عدم نهب مقبرته، مثل أي ملكٍ آخر.
لكن بعد اكتشاف مقبرته من قِبل بعثة هوارد كارتر، وبتمويلٍ من اللورد كارنارفون، صار توت عنخ آمون محط أنظار علماء الآثار من كلّ حدبٍ وصوب، الذين يتهافتون حتى اليوم على اكتشاف المزيد من الأسرار عن هذا الملك الفرعوني.
بعد موت الكناري الخاص به، أطلق كارتر العنان لفكرة "لعنة المومياء"، التي تشير إلى أن أي شخص يزعج مومياء فرعونية ستحلّ عليه لعنة. انتشرت الفكرة بشكلٍ كبير لاحقاً، حين توفي عددٌ من الأشخاص المرتبطين بعملية التنقيب، وتحولت إلى ما سُمّي بـ"لعنة توت عنخ آمون".
لعنة مقبرة توت عنخ آمون
نجا كارتر من لعنة توت عنخ آمون، لكن شريكه اللورد كارنارفون الذي كان حاضراً لحظة اكتشاف مقبرة الملك الفرعوني، توفي بعد أشهر في 5 أبريل/نيسان 1923 داخل إحدى مستشفيات القاهرة.
ذكرت صحيفة New York Times أن سبب الوفاة هو الالتهاب الرئوي، الناجم عن لسعة حشرة سامة تركت حبةً على وجهه وفقأها أثناء الحلاقة. واللافت أنه، وبعد ساعاتٍ قليلة من وفاته، ماتت كلبته (سوزي) في منزله بمقاطعة هامبشاير البريطانية.
أشار نعي اللورد كارنارفون في الصحيفة الأمريكية إلى أنه "كان هناك حديث عن لعنات وضعها المصريون القدماء، بتعويذاتٍ سرية، على كل مَن يجرؤ على إزعاج نوم الفرعون، حتى قبل أن يمرض اللورد".
وبعد يوم من وفاة كارنارفون، نقلت الصحيفة عن السير آرثر كونان دويل (عالم الروحانيات ومبتكر شخصية شيرلوك هولمز) قوله إن "روحاً خبيثة ربما تكون قد تسبّبت بمرض لورد كارنارفون المميت".
بدأت الشائعات في الانتشار أكثر وأكثر، مع الاعتقاد بأن لعنة توت عنخ آمون لم تطل اللورد كارنارفون وكلبته وحدهما، بل طالت آخرين دخلوا مقبرة توت عنخ آمون أيضاً.
فوفقاً لما ذكره موقع All That's Interesting الأمريكي، فإن أحدهم توفي وهو بعمر الـ35 نتيجة داء الفشل الكلوي، وآخر بسبب حريقٍ، وثالث شنق نفسه خوفاً من أن تلاحقه لعنة توت عنخ آمون.
وبحسب موقع Jstor، فإن الوفيات التي ارتبطت بلعنة توت عنخ آمون كانت بمعظمها ناتجة عن الالتهاب الرئوي. فبعد شهر من وفاة اللورد كارنارفون، توفي المموّل الأمريكي جورج جاي غولد، الذي كان قد زار مقبرة توت عنخ آمون قبل أشهر قليلة.
وما عزّز نظرية لعنة توت عنخ آمون أكثر أن ريتشارد بيثيل، سكرتير هوارد كارتر، توفي عام 1929. وقد أشارت تقارير مختلفة إلى أنه كان الشخص التاسع أو العاشر، الذي يموت وهو مرتبط بعملية التنقيب عن المقبرة.
قبل ذلك، أُصيب شخصٌ يُدعى فيليب لينفنغستون بو بالالتهاب الرئوي أيضاً، بعد أشهر قليلة من زيارته لمقبرة توت عنخ آمون عام 1923. تصدَّر مرضه الصحف وقتئذٍ، وجرى ربطه بـ"لعنة المومياء"، رغم أنه لم يمت وعاش 47 سنة أخرى.
وإجمالاً، وصل عدد الوفيات التي عزتها الصحف العالمية للعنة إلى أكثر من 20 شخصاً، بين زوار مقبرة توت عنخ آمون وأقارب المُنقِّبين عنها.
ورغم شهية وسائل الإعلام الغربية الشرهة لفكرة لعنة توت عنخ آمون، كان من النادر أن تُضمِّن الصحف الغربية حالات الوفاة المصرية في الحديث عن اللعنة، وأشهرها حالة علي بك كامل فهمي، الذي أفادت تقارير مختلفة بأنه زار مقبرة توت عنخ آمون.
ففي عام 1923، أطلقت زوجة علي بك النار عليه وقتلته في فندق سافوي (Savoy) بلندن، في جريمةٍ اعتُبرت الأولى من نوعها وقتئذٍ، لاسيما أن الزوجة فرنسية، وقد تمت تبرئتها لاحقاً بعد محاكمةٍ مثيرة تابعها الرأي العام المصري والفرنسي.
لعنة توت عنخ آمون أم لعنة الفطريات؟
علي بك كامل فهمي كان ثرياً، بينما العمال المصريون الذين ساهموا في التنقيب عن مقبرة توت عنخ آمون كانوا فقراء. تمّ تغييبهم عن ملاحظات ومذكرات كارتر الذي لم يذكر أسماء معظمهم، ونادراً ما كان يتم ذكرهم في الصحافة.
لذا فإنه من الصعب أن نعرف كيف أثَّر نفض الغبار، ورفع الحطام الذي يعود لآلاف السنين، على صحتهم؛ وما إذا أصابتهم لعنة توت عنخ آمون، أم خرجوا منها سالمين!
مع مرور الزمن، بدأت نظريات أخرى بالانتشار حول حقيقة وفاة المنقبين والزائرين لمقبرة توت عنخ آمون، بعيداً عن نظرية لعنة المومياء. وقد تساءل بعض العلماء ما إذا كان هناك شيء مميت في مقبرة توت عنخ آمون، مثل الفطريات.
ففي مجلة The Lancet الطبية، نشر الطبيبان شريف الطويل وطارق الطويل مقالاً عام 2003 يشير إلى أن فطر الرشاشيات -وهو فطر عفن شائع- قد يكون تسبَّب في مرض اللورد كارنارفون.
وفي التقرير، يشير الطبيبان إلى إمكانية حدوث خطأ بالتشخيص الطبي لمرض اللورد كارنارفون، بين الالتهاب الرئوي وفطر الرشاشيات، لاسيما أن الاثنين يسببان السعال وضيق التنفس ويمكن أن يشكلا خطراً على من يعانون من ضعف في الجهاز المناعي.
وقد ذكر التقرير أن اللورد كارنارفون حضر في الأصل إلى مصر بعد حادث سيارةٍ خطير عام 1903، تسبّب في تضرر رئتيه، وهو الأمر الذي يجعله عرضةً للإصابة بالفطريات بشكلٍ خاص.
وفي دراسة أُجريت عام 2013، فحص باحثون من جامعة هارفارد بقعاً بُنيّة اللون وُجِدَت على جدران مقبرة توت عنخ آمون، كانت موجودة داخلها حين فتح كارتر المقبرة للمرة الأولى.
وجد التحليل أدلة على وجود فطريات وبكتيريا في البقع، لكنها لم تكن نشطة ولم تكن لتُشكِّل تهديداً للزائرين أو المنقبين على المقبرة. ما يعني أنه لا يمكن الجزم بما إذا كانت الرشاشيات، أو أية فطريات أخرى، ساهمت بوفاة اللورد كارنارفون أو غيره.
لكن الأكيد أن علماء الآثار يرتدون في عصرنا هذا قفازات وكمامات -وأحياناً ملابس واقية قابلة للتخلص- من أجل حماية أنفسهم من الفطريات والعفن، في حال أرادوا التنقيب عن الآثار أو الدخول إلى أية مقبرة أثرية.
من جهته، ورداً على فكرة لعنة توت عنخ آمون، قال د. فرانك ماكلاناهان، الطبيب الذي عالج اللورد كارنارفون خلال مرضه في الأقصر، إن "الوفيات هي جزء صغير من العدد الكبير الذي زار المقبرة".
وفي مقابلة أُجريت معه عام 1972، قال الطبيب: "كان هناك علماء آثار يجيئون ويذهبون طوال الوقت، من كل أرجاء العالم، إلى مقبرة توت عنخ آمون. وإذا ما أخذت أي تجمُّع كبير من الناس وفحصته لاحقاً، ستجد نسبة معينة من الوفيات بينهم".