في مختلف الموروثات الثقافية ، سواء العربية أم حتى في الأفلام التركية التاريخية، نشاهد أن أغلبية الرجال كانوا يرتدون الطربوش الأحمر، كان هذا الأخير يعتبر من بين أهم الإكسسوارات الرجالية في تركيا وبلاد الشام وعدد من الدول العربية وصولاً إلى قبرص وصربيا.
لم تكن نشأة الطرابيش في السلطنة العثمانية "الطربوش التركي" كما هو معروف في معظم الدول العربية، يعود تاريخ الطربوش إلى القرن السابع عشر بالمغرب، وخاصة إلى مدينة "فاس" التي كانت حينها عاصمة المغرب الأقصى، إذ تدل بعض الرسومات التاريخية على ارتداء السلاطين المغاربة له، مثل السلطان مولاي شريف بن علي.
كان طربوش فاس يُلبس مع العمامة الملفوفة حوله في البداية، هذه طريقة كانت شائعة في ارتدائه لأنها كانت تساعد على استقرار العمامة لمدة طويلة.
الطربوش.. موروث مغربي قائم إلى اليوم
يختلف العديد من الناس حول أصول الطربوش بين تركي أو من دول البلقان، يعود الأصل إلى مدينة فاس المغربية، كان الطربوش يسمى بفاس، وحسب موقع "marocultur" المغربي كان الطربوش حكراً على الطبقة الحاكمة.
بدأ الطربوش في الانتشار في معظم المناطق المغربية، وأطلق عليه اسم فاس، بداية القرن التاسع عشر أصدر السلطان العثماني محمود الثاني فرماناً يقضي بتعميم ارتداء فاس على عموم الشعب.
حسب موقع "trtarabi" التركي تذكر القصة التركية أنه أثناء رحلة الأسطول العثماني إلى الجزائر والمغرب اشترى مجموعة من البحَّارة الطرابيش المغربية، وقد أعجب بها قائد الأسطول خسرو باشا الذي أمر بحارته بلبس الطرابيش عند زيارتهم السلطان في إسطنبول.
عند رؤيتهم يقفون صفاً واحداً مرتدين الطرابيش، أعجب السلطان بالطرابيش، وأصدر فرماناً عثمانياً بتعميم ارتداء الطربوش داخل السلطنة العثمانية.
كان السلطان الشاب متأثراً بالثقافة والزي الغربي، فيما أراد أن يخص أبناء شعبه بقبعة خاصة تختلف عن القبعة الغربية "الفرنسية حينها"، من أجل إظهار هويتهم الإسلامية بطريقة حضارية وقتها، إذ قام باستبدال العمامة بها، اعتبر فاس وقتها رمزاً للتحضر والمدنية، كما لبسه السلطان وكبار رجال الدولة والباشاوات والطلاب في المدارس، ولبسته النساء أيضاً تحت قطع طويلة من الحرير.
على مدى 100 سنة انتشر الطربوش بكل أحجامه داخل الأسواق العثمانية، فيما أصبح موضة في جميع الأراضي التابعة للسلطنة العثمانية.
الطربوش المغربي من إسطنبول إلى مصر
بعد اكتساح الطربوش أسواق السلطنة العثمانية أطلق عليه اسم "فاس"، نسبة إلى المدينة المصدرة له من المغرب إلى العديد من الدول العربية وخاصة إلى السلطنة العثمانية، اعتمد الطربوش رسمياً سنة 1808 بعد تولي محمود الثاني العرش.
في أربعينيات القرن التاسع عشر، أصبح طربوش فاس جزءاً من زي الجنود العثمانيين، باستثناء سلاح الفرسان والمدفعية، ومنذ عام 1829 وحتى عام 1925، انتشر ارتداء الطربوش من قبل جميع المسؤولين المدنيين والعسكريين في إسطنبول خلال فترة التنظيمات، كما ارتداه العلماء ورجال الدين ملفوفاً بعمامة بيضاء.
على إثر انتشاره في جميع أنحاء الإمبراطورية، أنشئت وزارة منفصلة للطرابيش، اعتنت بنشر لائحة تحدد نوع وشكل ولون فاس ومن سيرتديه، فضلاً عن تحديد مكان ارتدائه، كما أُنشئ مصنع خاص لإنتاج الطرابيش في مدينة إسطنبول.
مع مرور الوقت انتقل هذا الطربوش إلى بلاد الشام ومصر، واستبدل محمد علي، والي العثمانيين على مصر، الطربوش العمامة الذي كانت النمسا تصنعه وتصدره للدولة العثمانية وولاياتها، وأنشأ في مصر سنة 1824 مصنعاً خاصاً بهذا الأخير حتى لا يستورده المصريون من الخارج.
من الحداثة إلى رمز للجهل في تركيا
منع طربوش فاس بعد انتصار الأتراك في حروب التحرير والاستقلال التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، فبعد تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك أواخر سنة 1923، وبعد "الإصلاحات" التي أطلقها أتاتورك في تركيا، رغبةً منه في "إلحاقها بالدول المتحضرة"؛ قام البرلمان التركي في 25 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1925 بمنع ارتداء كل من الطرابيش والعمامة وكل أنواع أغطية الرأس، باستثناء ارتداء القبعات في الأماكن الحكومية، فيما سمح لعلماء الدين بارتداء العمامة.
أما بالنسبة لمصر فقد تأخر قرار المنع أكثر من ربع قرن عن تركيا، لما بعد ثورة 23 يوليو/تموز 1952 التي تغير معها شكل نظام الحكم في مصر من ملكي إلى جمهوري، ثم الاستغناء عن لبس طربوش فاس.
لا يزال الطربوش من بين أهم إكسسوارات الرجال في المغرب؛ إذ يلبس في المناسبات والأعياد الدينية مرفوقاً بالزي التقليدي، فيما يعتبره المغاربة من أنواع الرقي والتشبث بالموروث الثقافي الخاص ببلادهم.