بعد نحو 18 عاماً من بدء المفاوضات، عادت قضية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي إلى الواجهة مجدداً، منذ أن توقفت في عام 2016 من قبل الكتلة الأوروبية، التي تحدثت عن انتهاكات للدولة التركية تجاه معايير كوبنهاغن المؤهِّلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد اشترط مؤخراً للموافقة على ضم السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) إعادة إحياء مفاوضات انضمام بلاده للاتحاد الأوروبي، فما هي معايير كوبنهاغن؟ ما أبرز شروطها؟
ما معايير كوبنهاغن التي تفصل تركيا عن دخول الاتحاد الأوروبي؟
وفقاً لما ذكره موقع EUR-Lex، وهو موقع إلكتروني رسمي لقانون الاتحاد الأوروبي والوثائق العامة الأخرى الخاصة بالاتحاد، فإن شروط معاهدة الاتحاد الأوروبي التي وضعت في 7 فبراير/شباط 1992، تحدد شروطاً يجب أن تلتزم بها أي دولة ترغب في أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهي المادة 49 والمادة (6 (1)).
وقد جاءت هذه التسمية بعد اعتمادها من المجلس الأوروبي عام 1993، بعد قمة عُقدت بالعاصمة الدنماركية، ولهذا سميت باسمها.
وأضاف الموقع الرسمي، أنّ هذه المعايير (المعروفة باسم معايير كوبنهاغن) تمّ وضعها من قبل مجلس كوبنهاغن الأوروبي في عام 1993، وعززها مجلس مدريد الأوروبي عام 1995، وأن أي دولة ترغب في أن تصبح عضواً في الاتحاد يجب أن تستوفي 3 شروط، هي:
1- استقرار المؤسسات التي تضمن الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واحترام الأقليات وحمايتها.
2- اقتصاد سوق فعال، والقدرة على التعامل مع الضغوط التنافسية وقوى السوق داخل الاتحاد الأوروبي.
3- القدرة على تحمّل التزامات العضوية، بما في ذلك القدرة على التنفيذ الفعال للقواعد والمعايير والسياسات التي تشكل مجموعة قوانين الاتحاد الأوروبي (المكتسبات)، والالتزام بأهداف الاتحاد السياسي والاقتصادي والنقدي.
كيف تتم مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟
تبدأ مفاوضات الانضمام مع الدولة المرشحة بعد الاتفاق بالإجماع من قبل جميع الدول الأعضاء التي وافق عليها المجلس الأوروبي.
ومن ثمّ تجري المفاوضات في المؤتمرات الحكومية الدولية بين حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحكومات الدولة المرشحة، وتساعد المفاوضات الدول المرشحة للتحضير لعضوية الاتحاد الأوروبي.
عند اكتمال المفاوضات حول جميع مجالات السياسة، واقتناع الاتحاد الأوروبي نفسه بأنه مستعد للتوسيع من حيث القدرة الاستيعابية، يتم تضمين الشروط والأحكام – بما في ذلك البنود الوقائية المحتملة والترتيبات الانتقالية – في معاهدة الانضمام.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه المعاهدة تحتاج إلى موافقة البرلمان الأوروبي وموافقة المجلس بالإجماع قبل أن توقع عليها جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدولة المرشحة، ومن ثم تصدق عليها الأطراف المتعاقدة، بما يتماشى مع القواعد الدستورية الخاصة بكل منها.
ماذا يعني مصطلح "الدول المرشحة"؟
يمنح المجلس الأوروبي أي دولة وضع "دولة مرشحة"، على أساس رأي من المفوضية الأوروبية، يتم إعداده عقب طلب الدولة لعضوية الاتحاد الأوروبي، فيما لا يمنح هذا الوضع الدولة الحق التلقائي في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
تفحص المفوضية طلبها وفقاً لمعايير الانضمام (معايير كوبنهاغن) وتبدأ عملية الانضمام فقط بقرار إجماعي من المجلس الأوروبي لبدء المفاوضات.
اعتماداً على ظروفها، قد يُطلب من الدولة المرشحة بدء عملية إصلاح من أجل مواءمة تشريعاتها مع مجموعة قوانين ومعايير الاتحاد الأوروبي الحالية (المعروفة باسم المكتسبات) وتحسين بنيتها التحتية وإدارتها.
أثناء عملية الانضمام، تتلقى الدولة المرشحة مساعدة مالية وتقنية لمساعدتها على الاستعداد لعضوية الاتحاد الأوروبي.
أداة المساعدة قبل الانضمام هي الوسيلة التي يدعم بها الاتحاد الأوروبي الإصلاحات في منطقة التوسيع بمساعدة مالية وتقنية منذ عام 2007.
وتُعد المساعدة المالية قبل الانضمام عنصراً أساسياً في استراتيجية الاتحاد الأوروبي السابقة للانضمام، ويتم توفيرها عن طريق برنامج المساعدة قبل الانضمام (IPA).
ويضم هذا البرنامج مبلغاً مالياً متفقاً عليه مؤقتاً، بقيمة 14.162 مليار يورو، أما الدول المستفيدة منه فهي: ألبانيا، البوسنة والهرسك، كوسوفو، مقدونيا الشمالية، الجبل الأسود، صربيا، وتركيا.
فيما تستند المساعدة في إطار خطة العمل الدولية الثالثة إلى مشروع إطار البرمجة، الوثيقة الاستراتيجية للمفوضية الأوروبية لاستخدام أموال الاتحاد الأوروبي لمساعدة المستفيدين من خطة العمل الدولية الثالثة.
مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي
بعد تقسيم الدولة العثمانية الذي تبع انتهاء الحرب العالمية الأولى، انتصرت الحركة التركية الوطنية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في حرب الاستقلال التركية، وأقامت الجمهورية التركية الحديثة بوضعها القائم اليوم.
نفذ الرئيس التركي مصطفى كمال أتاتورك سلسلة من التغييرات في البلاد، بما في ذلك نشر ثقافتي العلمنة والتصنيع بهدف "إضفاء الطابع الأوروبي" أو الطابع الغربي على البلاد.
خلال الحرب العالمية الثانية، بقيت تركيا في موقف الحياد، إلى أن انضمت إلى قوات الحلفاء في فبراير/شباط عام 1945.
شاركت الدولة في "مشروع مارشال" الاقتصادي الهادف إلى إعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وأصبحت عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 1952.
تقدمت تركيا لأول مرة بطلب الحصول على مركز العضو المنتسب إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1959، ووقعت في 12 سبتمبر/أيلول عام 1963 على "اتفاقية إنشاء رابطة بين جمهورية تركيا والجماعة الاقتصادية الأوروبية"، المعروفة أيضاً باسم "اتفاقية أنقرة".
دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في العام التالي، في 12 ديسمبر/كانون الأول عام 1964.
سعت الاتفاقية إلى دمج تركيا مع الجماعة الاقتصادية الأوروبية في اتحاد جمركي، مع الاعتراف بالهدف النهائي المتمثل في العضوية الكاملة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 1970، وضع بروتوكول آخر يُسمى "البروتوكول الإضافي" جدولاً زمنياً لإلغاء التعريفات الجمركية والحصص على السلع المتبادلة بين تركيا والجماعة الاقتصادية الأوروبية.
في 14 أبريل/نيسان عام 1987، قدمت تركيا طلب الحصول على العضوية الرسمية في الجماعة الاقتصادية الأوروبية، وفي ديسمبر/كانون الثاني عام 1989، ردت المفوضية الأوروبية على الطلب التركي بتأكيد عضوية أنقرة، ولكنها شددت في نفس الوقت على تأجيل الأمر إلى وقت أنسب، بسبب العلاقة السيئة بين تركيا واليونان من أجل صراع قبرص.
الخطوة المهمة التالية في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي جاءت في اجتماع المجلس الأوروبي في كوبنهاغن في ديسمبر/كانون الأول عام 2002، عندما قرر الاتحاد الأوروبي، إعادة فتح المفاوضات مع تركيا دون تأخير، وأنّ تركيا تستوفي معايير كوبنهاغن.
وبالتالي فقد بدأت مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2005.
وفي عام 2018، صرح مجلس الشؤون العامة للاتحاد الأوروبي أنّ تركيا تتحرك بعيداً عن الاتحاد الأوروبي، مُدعياً أنّ البلاد تسير في طريق مثير للقلق فيما يتعلق بسيادة القانون والحقوق الأساسية بما في ذلك حرية التعبير.
وفي فبراير/شباط 2019، صوّتت اللجنة البرلمانية الأوروبية على تعليق المحادثات مع تركيا.
ماذا ستستفيد تركيا لو انضمت إلى الاتحاد الأوروبي؟
في حال استطاعت أنقرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن البلاد ستتلقى مساعدات لتغطية التنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى زيادة الاستثمار الأجنبي الأوروبي في تركيا، مما يزيد من نمو السوق الاقتصادية.
أما بالنسبة للسكان وهو الأهم، فإنهم سيتمكنون من التنقل بحرية في الاتحاد الأوروبي بحثاً عن عمل.
وكذلك الأمر، فإنّ الانضمام للاتحاد الأوروبي، سيخفف من التوترات التي تشهدها تركيا شرق البلاد مع بعض الأكراد الذين ينادون للانفصال، لأنهم سيحصلون على معيشة ذات مستوى أفضل.
أما بالنسبة للعلمانيين في البلاد، فإنهم يتوقعون مع انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، زيادة في القيم الأوروبية، فيما يعتقد البعض أيضاً أنّ هذا الانضمام سيسهم في نمو وانتشار الإسلام.
والأهم من هذا كله، هو أنّ عدد سكان تركيا الكبير، يعني أنّه سيكون لديها تمثيل كبير في البرلمان الأوروبي، وهو ما سيعطي تأثيراً قوياً ومباشراً على سياسات الاتحاد.
ما الذي سيستفيده الاتحاد الأوروبي من انضمام تركيا إليه؟
في المقابل، فإن تركيا ليست الفائز الوحيد، إذ إنّ الاتحاد الأوروبي سيكون مستفيداً أيضاً.
ووفقاً لما ذكرته تقرير لوكالة رويترز، تحتل تركيا موقعاً استراتيجياً على مفترق طرق أوروبا وحوض البحر الأسود والشرق الأوسط، لديها أكبر قوات مسلحة في أوروبا، وهي حليف رئيسي لحلف شمال الأطلسي، وتشارك في حفظ السلام إلى جانب القوات الأوروبية في البلقان ولبنان وأفغانستان.
وبما أنّ تركيا دولة ديمقراطية مسلمة علمانية، فإن بإمكانها أن تعمل كجسر بين أوروبا والعالم الإسلامي، في وقت يتصاعد فيه التوتر الديني.
كما أن تركيا في طريقها لأن تصبح ثاني أهم ممر للطاقة إلى أوروبا بعد روسيا، مما يقلل من اعتماد الاتحاد الأوروبي على موسكو وموردي الشرق الأوسط؛ حيث من المتوقع أن تزداد التوترات على الموارد.
في حين تتمتع تركيا بأسرع نمو اقتصادي في أوروبا وهي بالفعل سوق ضخم لصادرات الاتحاد الأوروبي، إذ ترسل تركيا نصف صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي وهي سابع أكبر سوق في الاتحاد الأوروبي.
بينما تعمل حوالي 5400 شركة من الاتحاد الأوروبي في تركيا، ويمثل الاتحاد 74% من الاستثمار الأجنبي المباشر المتزايد في البلاد.
كما أن المسلّم به أن الاتحاد الجمركي الذي تم تطبيقه بين الطرفين في عام 1995، ساهم بشكل كبير في تحول تركيا من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد صناعي ومجتمع حضري.
وفي العقدين الماضيين، زادت تجارة تركيا مع الاتحاد الأوروبي 4 أضعاف، مما جعل تركيا خامس أكبر مصدر إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2016. بينما يستفيد الاتحاد الأوروبي أيضاً من الاتحاد الجمركي، حيث تتلقى تركيا 4.5% من الصادرات من الاتحاد الأوروبي، مما يجعلها رابع أكبر مستورد من الاتحاد الأوروبي – أقل بقليل من الولايات المتحدة والصين وسويسرا ، ولكن متقدمة على الاقتصادات الأكبر مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند، وفقاً لما أكده مركز Brookings Institution للبحوث الاقتصادية والسياسية الأمريكي.
بالإضافة إلى أن تركيا يوجد بها عدد كبير من السكان من الشباب، ولديها وفرة من العمال المتعلمين تعليماً جيداً، في وقت يشهد تراجعاً ديمغرافياً في معظم دول الاتحاد الأوروبي.