خلال فترة إلحاقها بالدولة العثمانية، تداول على حكم الجزائر العديد من الشخصيات العثمانية التي كانت أصولها بعيدةً عن الجزائر، فقد كان من النادر أن يصل جزائريٌّ إلى حكم بلاده خلال تلك الفترة، فما بالك أن يحكم إحدى الإيالات العثمانية، لكن ذلك ما حصل مع على رضا باشا جزايرلي، الذي نجح من خلال حنكته الدبلوماسية وسيرته العسكرية في شغل منصب والي إيالة طرابلس في ليبيا، هناك برع في إدارته المدنية من خلال مشروعه لفرض التعليم في طرابلس، وكذا حماية الأراضي الليبية من الغزو الفرنسي.
غادر الجزائر بعد الاحتلال وانتسب إلى الجيش العثماني في باريس
وفقاً لكتاب "مرآة الجزائر"، ولد علي رضا باشا جزايرلي بمدينة الجزائر سنة 1820، كان والده عثمان بن حمدان خوجة أحد أثرياء الجزائر وأبرز مثقفيها؛ لذا عاش علي رضا باشا طفولةً في وضعٍ ميسور، حتى بلغ سنّ العاشرة من عمره، حينها سقطت الجزائر في يد الاحتلال الفرنسي، واختار علي رضا باشا رفقة والده السفر إلى فرنسا.
في فرنسا تعرّف والد حمدان خوجة على قنصل الدولة العثمانية في باريس رشيد باشا، الذي أصرّ على إلحاق الطفل علي رضا باشا بالمدرسة العسكرية العثمانية.
تلقى علي رضا باشا طيلة فترة دراسته بالمدرسة العثمانية الممتدة لتسع سنواتٍ كاملة، تربية عسكرية صارمة سواءً في المرحلة الإعدادية التي درسها في مدرسة سان سير العثمانية أو المرحلة الثانوية التي قضاها في مدرسة المدفعية في ميتز، واستطاع خلالها تعلم الفنون الخاصة بالمدفعية والعسكرية، والحفاظ على هويته الإسلامية العربية.
بعد تخرجه سنة 1840، عيّن علي رضا باشا نقيباً في صفوف المدفعية العثمانية، تم سرعان ما بدأ في الإرتقاء في سلّم الرتب والدرجات، من نقيب إلى مقدم، ثمّ قائم مقام، وعندما بلغ سنّ الثلاثين من عمره، أصبح عقيداً في الجيش العثماني.
شارك في الحرب العثمانية الروسية
وبحسب مقال بحثي بعنوان: دراسة تحليلية لكتاب "مرآة الجزائر"، كانت لعلي رضا باشا جزايرلي مشاركة فعالة في العديد من المعارك والحروب التي خاضها الجيش العثماني ضد الإمبراطورية الروسية في الفترة ما بين 1853 و 1863، ونجح خلالها في فرض اسمه بين الضباط العثمانيين الأكثر أهمية في الحرب، وذلك من خلال دوره العسكري والدبلوماسي، كما كان له دورٌ مباشرٌ في حماية والدفاع عن مضيق سينوب من جهة البحر الأسود، ضد البحرية الروسية، وهي النجاحات التي جعلت علي رضا باشا من أكفأ الضباط العثمانيين خلال تلك الفترة.
هذا الأمر جعله يتحصل على العديد من التشريفات والأوسمة والترقيات، وهو الأمر الذي فتح له الباب لتقلد مناصب رفيعة، كانت بدايتها تعيينه متصرفاً في حكم بلغراد سنة 1864، وهو المنصب الذي حصل على أثره سنة 1865 على الدرجة الثانية لنيشان مجديا، وهو أحد النياشين التي أصدرها السلطان عبد المجيد.
وبعد ولايته على بلغراد، تم تعيين علي رضا باشا جزايرلي متصرفاً على مقاطعة سواس، وهي الفترة التي رُقّي فيها علي رضا إلى منصب مشير في الجيش العثماني
حاكم طرابلس الذي فرض التعليم الإجباري على الليبيين
على الرغم من نجاحاته في المناصب المدنية التي كلف بها في بلغراد وسواس، غير أن النجاح الباهر في سيرة علي رضا باشا جزايرلي لم يكن سوى عند توليته حكم طرابلس الليبية.
ففي يونيو 1867، أصدر السلطان العثماني عبد العزيز الأوّل فرماناً بتعيين علي رضا باشا جزايرلي والياً على طرابلس التي عادت إلى الحكم العثماني سنة 1835، وذلك لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يعيد تعيينه للمرة الثانية سنة 1872.
ومباشرة بعد جلوسه على عرش طرابلس، شرع علي رضا باشا في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الإدارية والاجتماعية من أجل النهوض بطرابلس.
أعطى الوالي العثماني الجديد أولوية إلى الإصلاح الإداري والتعليمي من خلال إنشاء بلدية طرابلس، وفرض إجبارية للتعليم على كل سكان طرابلس، واعتماد طابع عمراني موحد للمدينة، وحلّ الأزمات التي تعيشها الولاية.
في هذا الصدد يشير المؤرخ الجزائري مصطفى بلخياطي في كتابه "علي رضا.. الجزائري حاكم طرابلس" أنّ "طرابلس مدينةٌ لهذا القائد والحاكم، كونه طوّر الإصلاح الإداري للمجتمعات المحلية، بإنشاء بلدية طرابلس، وتنفيذ إصلاحات إدارية وعمرانية واسعة، وإعادة تنظيم تعداد السكان، وحل أزمة مياه الشرب والنظافة والإنارة العمومية وغيرها".
ولزيادة موارد الولاية العثمانية، قام بمشروع إحياء ميناءي طبرق والبومبا من أجل الاستفادة من مشروع قناة السويس، وزيادة حجم السفن القادمة إلى السواحل الليبية وتشجيع التجارة بها.
وعلاوةً على دوره الإداري والاقتصادي، كان لعلي رضا باشا جزايرلي دور سياسي وعسكري في طرابلس، وذلك من خلال منعه احتلال محافظة فزّان من قبل الاحتلال الفرنسي الذي كان يطمح في احتلالها، كما سعى إلى عقد صلح بين قبائل الطوارق الساكنة للجنوب الليبي.
وأمام النجاح الباهر لعلي رضا باشا في حكم طرابلس، استُدعي مرةً آخرى من قبل السلطان عبد العزيز الأوّل الذي عيّنه والياً على مدينة بورصة سنة 1875.
أرّخ لتاريخ الجزائر في كتابين
لم يكن علي رضا باشا جزايرلي شخصية عسكرية وإدارية فحسب، فقد كان نجل حمدان خوجة مثل والده مؤرخاً لتاريخ الجزائر والدولة العثمانية، وذلك من خلال تأليفه لكتاب "مرآة الجزائر" وكتاب "وصف رحلة من الجزائر إلى قسنطينة عبر الجبال"، والتي خلّد من خلالهما فصلاً من فصول تاريخ الجزائر.
إذ يعد كتاب "مرآة الجزائر"، الذي نشره علي رضا باشا سنة 1876 أحد المصادر الرئيسية لتاريخ الجزائر خلال العهد العثماني، كما يعد مؤلفه الثاني مصدراً للمرحلة الأخيرة للحكم العثماني للجزائر وكذلك لبداية مرحلة الاحتلال الفرنسي، وهي عبارة عن رحلة قام بها رفقة والده حمدان خوجة إلى أحمد باي حاكم قسنطينة سنة 1832.
وقد توفي علي رضا باشا بعد مرض صدري أصيب به، وذلك سنة 1876، أي بعد فترة قصيرة من نشره لكتاب مرآة الجزائر في إسطنبول.