شهدت فترة إلحاق الجزائر بالدولة العثمانية، والذي استمرت لأزيد من 300 سنة، بروز العديد من الشخصيات العثمانية التي حكمت الجزائر، كان آخرها الداي حسين، الذي تولى عرش الجزائر من سنة 1818، وحتى سقوطها في يد الاحتلال الفرنسي سنة 1830.
وعلى الرغم من الفترة العصيبة التي تولى فيها حسين حكم الجزائر، فإنّ فترته كانت من أهم مراحل تاريخ الجزائر، فقد حاول هذا الرجل إنقاذ الجزائر من حالة الفوضى التي كانت تعيشها وتنذر بقرب سقوطها، لكنّ الاحتلال الفرنسي باغته وأنهى حكمه، ومع ذلك، بقي الباشا حسين داي واحداً من أحبّ الشخصيات العثمانية للجزائريين، الذين خلّدوا اسمه بمدينة جزائرية وفريقٍ في كرة القدم. فمن هو الداي حسين، آخر الحكام العثمانيين للجزائر؟
تاجر التبغ الذي صار حاكماً للجزائر
وُلد الداي حسين في أحد أيّام شهر فبراير/شباط سنة 1768 في قرية فورلا بمدينة أزمير التركية، لعائلة تركية متدينة، وكان والده ضابطاً في سلاح المدفعية العثمانية، أمّا أمّه فكانت يونانية الأصل.
نشأ حسين وتلقى تعليمه الديني في مسقط رأسه، كما اشتغل في شبابه في بيع التبغ، واشتُهر بلقب الخوجة بسبب ذلك. وعندما بلغ 24 سنة انتقل إلى إسطنبول، وانضم إلى الكلية الحربية أين أخذ تدريباتٍ على سلاح المدفعية أين كان أبوه يشتغل، وبعد تخرّجه التحق مباشرةً بإيالة الجزائر العثمانية، وخلال رحلته إلى الجزائر تعرّضت السفينة التي كانت تحمل حسين إلى القرصنة من طرف قراصنة نابليون، لكن حاكم الجزائر حينها، مصطفى باشا، حرّر السفينة وركابها، بعد أن دفع الفدية لتحرير بعض السجناء، حيث كان حسين واحداً من بينهم.
بوصوله إلى الجزائر، انضمّ إلى وحدات الجيش الإنكشاري، وبسرعةٍ كبيرة ترقى حسين في الرتب العسكرية في الجيش الإنكشاري، وذلك بفضل انضباطه الأخلاقي والعسكري، بحيث أبرز مهارةً فائقة في سلاح المدفعية، كما نال حظاً من تقدير سكان الجزائر.
وطوال السنوات المتعاقبة، ظلّ حسين قريباً من أصحاب القرار في إيالة الجزائر، بدءاً من الداي عمر الذي عيّنه وزيراً للحربية، وعلي خوجة الذيّ جعله مستشاراً له، ثمّ أوصى بخلافته له بعد وفاته بوباء الطاعون سنة 1818.
وتنفيذاً لوصية علي خوجة، تمّ تنصيب حسين حاكماً للجزائر في ربيع سنة 1818، وذلك بعد أن بايعه سكان مدينة الجزائر، وقادة الجيش والوزراء.
وكان تنصيب حسين داياً دون إراقة الدماء، يعدّ وضعاً استثنائياً في التاريخ العثماني بالجزائر والصراع على الحكم، فمنذ فترة الداي محمد بن عثمان الذي حكم 25 سنة وتوفي سنة 1791، والتي عُرفت بالاستقرار السياسي، شهدت باقي الفترات نزاعات وخصومات، بحيث بلغ عدد اغتيالات البايات في الشرق الجزائري مثلاً أكثر من 18 باياً، كما أسقط 4 بايات القوة، في وقتٍ تمت فيه تصفية 5 دايات في يوم واحد بالجزائر.
يصفه المؤرخ الجزائري حمدان خوجة الذي عاصره قائلاً: "… وينتمي هذا الرجل الفاضل إلى أسرة كريمة، كما يتمتع بثقافة واسعة، وقد خدم الايالة أكثر من 30 سنة، وبما أنني أعرف طبعه فإنني أستطيع القول إنه من ذلك الأصل التركي العريق، أي إنه شريف النفس كريمها، ولا أعتقد أن من يستطيع اتهامه بالطمع"، وذلك حسب ما نقلته ورقة بحثية بعنوان "الداي حسين وسقوط الأيالة الجزائرية".
محاولة الداي حسين ترتيب وضع الجزائر وإخراجها من حالة الفوضى
ومنذ الوهلة الأولى لبداية حاول الداي إعادة ترتيب البيت الداخلي للجزائر، فعمد على تطهير جهاز الديوان والدولة، واجتهد على تطوير سلاح البحرية، وتم توسيع الأبراج البحرية ووضع نظام دفاعي لحماية الجزائر من تهديد الغزو الفرنسي والبريطاني الذي كان يتهددها، وذلك وفق مذكرة جامعية بعنوان "الداي حسين وسقوط الإيالة"
وعلاوة على إرساء الصناعة البحرية والسفن الحربية والعتاد العسكري، عمل الداي على تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والأكثر من ذلك، أصدر قراراً بإطلاق سراح جميع السجناء من معتنقي الديانة المسيحية واليهودية ووضع حد للفوضى التي كانت تعيشها الجزائر.
أمّا عسكرياً، ففترة حكم الباشا حسين داي كانت نشطةً للدفاعات الحربية الجزائرية، فقد نجح حسين سنة 1823 من تدمير أرتال من السفن الحربية الإسبانية التي كانت تحاول التحرّش بالجزائر، ولم يكن نشاط البحرية الجزائرية محصوراً في الدفاع عن الجزائر، ففي سنة 1824 أرسل الباشا حسين داي ثمانية سفن حربية مجهزة بالعتاد والعدة للجهاد إلى جانب الدولة العثمانية في حروبها مع الأعداء.
كما شارك جزءٌ من الأسطول الجزائري في معركة نافارين سنة 1827، التي خسر الأسطول الجزائري فيها كل قطعه الحربية التي شاركت في المعركة، وبناء عليه أصبح وضع دفاع الجزائر هشاً.
آخر الحكام العثمانيين للجزائر، والذي لا يزال اسمه محفوظاً بين الجزائريين
في 29 أبريل/نيسان 1827، والذي كان يوافق أول أيام عيد الفطر، زار القنصل الفرنسي بيار دوفال قصر الباشا حسين داي، في إطار التقاليد السياسيّة التي كان معمولاً بها حينها، بحيث يقوم قناصل الدول الأجنبية بزيارة الداي في المناسبات المهمة.
وخلال تلك الزيارة، دار نقاشٌ بين الداي حسين والقنصل الفرنسي حول الديون المستحقة للجزائر لدى فرنسا، وكانت هذه الديون جزءاً من مساعدة الجزائر لفرنسا أثناء حصار الدول لها بسبب إعلان الثورة الفرنسية.
ردّ القنصل الفرنسي على الداي رداً غير لائق، فأمره الداي بالخروج لكن القنصل لم يخرج، الأمر الذي دفع حسين بالتلويح بمروحته التي كان يحملها، وقيل إنه ضربه بها على وجهه، فسميّت هذه الحادثة باسم حادثة المروحة.
كانت تلك الحادثة، ذريعة فرنسية من أجل إعلان عزمها إحتلال الجزائر، وفي يوم 25 مايو/أيّار 1830، خرجت الحملة الفرنسية على الجزائر رسمياً من ميناء طولون باتجاه شاطئ سيدي فرج.
حاول حسين الداي الدفاع بما أتيح له من قوة عن الجزائر، فأمام قلة الجنود النظاميين الذي كان لا يتعدى 6 آلاف جندي، لجأ إلى الاستعانة بالقوات المحلية المكونة من القبائل الجزائرية، ونجح حسين في جمع قوة تتشكل من خمسين ألف رجل.
في الـ14 يونيو/حزيران، نزلت القوات الفرنسية بسيدي فرج، ليجدوا مقاومةً شرسة من جيش الداي حسين الذي كان في انتظارهم، وبعد معركةٍ عنيفة في سيدي فرج وأخرى في سطاوالي، نجح الجيش الفرنسي في الوصول إلى مدينة الجزائر ومحاصرتها.
في صبيحة 15 يوليو/تموز سنة 1830، وقّع الداي حسين على وثيقة الاستسلام، وذلك بعد أن تعهدت له القوات الفرنسية بضمان أمن وسلامة وحرية الجزائريين، وفي مساء ذلك اليوم، وقف الداي حسين كئيباً وهو على متن سفينة جان دارك الفرنسية، ملقيًا آخر نظرة على مدينة الجزائر، وذلك بعد أن جرى نفيه إلى نابولي أولاً ثم إلى الإسكندرية التي توفي بها سنة 1838.
وبرحيله انتهى عهد الحكم العثماني للجزائر، والذي دام أكثر من 3 قرون، بينما كان على الجزائريين مواجهة فرنسا طيلة 132 سنة من أجل نيل استقلالها من جديد.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الجزائريون يحتفظون باسم الباشا حسين داي كواحدٍ من أبرز الشخصيات العثمانية المثيرة للإعجاب، فقد أطلقت السلطات الجزائرية إسم حسين داي على إحدى مدن الجزائر العاصمة، كما يحمل اسم الداي حسين أحد أعرق الأندية الجزائرية لكرة القدم، ويتعلّق الأمر بنادي نصر حسين داي.