عاش الملك بيبي الثاني نفر كا رع حياة طويلة، حكم خلالها المصريين طوال 94 عاماً وفقاً للعديد من المصادر، مما يجعله الحاكمَ الأطول عمراً في تاريخ مصر القديمة والحديثة.
بيبي الثاني نفر كا رع.. 94 عاماً في الحكم
كان بيبي الثاني نفر كا رع أحد الفراعنة المصريين من الأسرة السادسة بالدولة القديمة، إذ بدأت فترة حكمه في نحو 2278 قبل الميلاد. عندما اعتلى نفر كا رع العرش خلفاً لأخيه المتوفى كان في السادسة فقط من عمره، ولعبت والدته في البداية دور الوصي عليه، في حين كان خاله الأمير جاو صاحب اليد العليا في تصريف أمور البلاد.
وفقاً للعديد من المصادر، يعتبر الملك نفر كا رع صاحب أطول فترة حكم لعاهل في تاريخ مصر كله، فقد جلس على العرش طوال 94 عاماً، تميزت بالاضطرابات السياسية وضعف قدرة الملك على السيطرة على حكام أقاليمه، خاصةً أنه كان مستضعفاً منذ اليوم الأول الذي اعتلى فيه العرش في سن صغيرة.
مع ذلك يقدر بعض علماء الآثار أن فترة 94 عاماً قد يكون مبالغاً فيها، وأنه في الواقع حكم فترة 64 عاماً فقط، لكن طول فترة حكمه لا يزال موضع خلاف بطبيعة الأحوال.
لماذا أمر عبيده بتغطية أنفسهم بالعسل؟
ولعل من أبرز الغرائب التي نقلت عن فترة حكم الملك بيبي الثاني، أنه كان يكره الذباب كرهاً شديداً فابتكر وسيلة غريبة لإبعاد الذباب عنه. إذ أمر الملك عبيده بأن يغطوا أنفسهم بالعسل؛ كي يتجمع الذباب حولهم وينصرف عنه.
ويعتبر سلوك الملك غريباً في ذلك الوقت ليس فقط لكونه ابتكر طريقة تُخضع عبيده للتعذيب النفسي طوال اليوم، بل لأن المصريون القدماء لم يكونوا ينظرون إلى الذباب على أنه من الحشرات الكريهة.
على العكس فقد كان المصريون ينظرون بعين التقدير إلى تلك الحشرة؛ لكونها رمزاً للمثابرة وسرعة الحركة، وقد مُنح الذباب الذهبي للجنود الذين يظهرون مثل هذه الصفات في ساحات المعارك. كما تم صنع تمائم على شكل ذباب من الذهب والفضة والعظام واللازورد والعقيق والجمشت. ويذكر أنه قد تم العثور على كثير من قلادات الذباب الذهبية في مقبرة الملكة أحوتب.
وبالعودة إلى الملك نفر كا رع فلم يتمثل سلوكه غير العادي فقط في تغطية العبيد بالعسل لإبعاد الذباب، بل تمثل أيضاً بهوسه بالأقزام.
الملك والأقزام
تُظهر الرسالة المحفوظة التي كتبها الملك بيبي الثاني إلى حرخوف حاكم أسوان ورئيس إحدى البعثات التي أرسلها الملك إلى النوبة، أن الملك بيبي الثاني قد أمر بالبحث عن الأقزام وإلقاء القبض عليهم وإحضارهم إلى القصر بهدف التسلية.
وقد كانت رسالة الملك غريبة إلى حد كبير وتنم عن عدم نضج وفقاً لوصف البعض، لذلك يرجح أنه كتبها في سنوات حكمه الأولى عندما كان لا يزال طفلاً، إذ جاء في نص الرسالة: "يجب عليك إحضار القزم الحي وهو سليم وبصحة جيدة؛ لتبهج وتفرح قلب ملك مصر العليا والسفلى".
وأضاف: "عندما ينزل معك إلى السفينة، فقم بتعيين أشخاص موثوق بهم يكونون بجانبه لحراسته، واحرص على ألا يسقط في الماء. وعندما ينام ليلاً فعيّن أحداً من الحرس الموثوقين كي يبقى بجواره، تفحصه عشر مرات في الليلة، لأن جلالتي يرغب في رؤية هذا القزم أكثر من كل منتجات سيناء. إذا وصلت إلى هنا وكان القزم معك، على قيد الحياة وبصحة جيدة، فإن صاحب الجلالة سيمنحك العديد من التكريمات الممتازة لتكون فخراً لك ولأولادك من بعدك".
الملك يفقد زمام السيطرة
ورث الملك بيبي الثاني دولة متهاوية، وكان هو نفسه صغيراً في السن عندما استلمها، مما جعل الأمور تسوء أكثر، وعلى الرغم من ارتباط اسمه بكثير من الحملات العسكرية التي اعتاد إرسالها إلى الجنوب بقيادة حكام إلفنتين، الواقعة في أسوان، فإن هذه الحملات لم تستطع إنقاذ حكم الملك من الضياع.
كانت مصر في تلك الفترة بحاجة إلى ملك قوي ذي نفوذ وسلطان وقادر على كبح أطماع حكام الأقاليم الذين لم يعودوا يكنون الولاء للملك، ولم تتوافر تلك الصفات في الملك نفر كا رع، فعمت الفوضى البلاد وراح حكام الأقاليم يتصرفون على هواهم للحصول على مزيد من السلطة والمال على حساب الرعية، ولم يكن الملك قادراً على ردعهم أو وضع حد لجشعهم، وعلى الرغم من فترة حكمه الطويلة فإنها تميزت بكونها فترة تسودها الاضطرابات السياسية، ولم تستطع الأسرة السادسة التي ينتمي لها الملك أن تصمد طويلاً من بعده، فقد ترك الملك بيبي الثاني نفر كا رع لورثته دولة على حافة الانهيار.
علاقته بالقائد ساسينيت
يعتبر نفر كا رع من الملوك القلائل الذين تم تصويرهم بطريقة سلبية في النصوص الأدبية، لا سيما في قصته مع الجنرال ساسينيت.
كان ساسينيت هو القائد المسؤول عن الحملات العسكرية في عهد الملك نفر كا رع، ووفقاً للنصوص الأدبية فقد جمعت علاقة خاصة كلاً من الرجلين.
من المفروغ منه أن القائد كان مقرباً للغاية من الملك، فقد كان ذراعه اليمنى ومستشاره في الشؤون العسكرية وغيرها من أركان حكم الدولة، لكن تشير بعض النصوص إلى أن الملك كان يذهب إلى منزل القائد ليلاً وحده دون حراسة، وكانا يقضيان الوقت معاً، حتى إن ساسينيت كان يوصف بـ"من في قلب سيده" أي الملك نفر كا رع، في إشارة إلى علاقة حب جمعت الطرفين، وفقاً لما ورد في موقع ancient-origins.
وسواء أكانت تلك القصة حقيقية أم متخيلة كما يرجح بعض علماء المصريات، إلا أنها تعكس في كلتا الحالتين الموقف السلبي للمصريين القدماء من المثلية الجنسية. وقصة الملك نفر كا رع لا تعتبر الدليل الوحيد على رفض المصريين القدماء للشذوذ الجنسي، فقد كان ذلك فعلاً محرماً كذلك، كما ورد في كتاب الموتى.