تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، اقتحام باب الرحمة والمصلى الموجود بجانبه داخل المسجد الأقصى، بالتزامن مع اقتحام عشرات المستوطنين المسجد الأقصى وأدائهم صلوات وطقوساً تلمودية في ساحاته، بحماية قوات الاحتلال الخاصة.
ويعتبر باب الرحمة أحد أهم أبواب المسجد الأقصى الخمسة عشر، وقد قامت قوات الاحتلال بإغلاقه على مدار 16 عاماً قبل أن يفتتحه مصلون بالقوة في عام 2019.
فما هو تاريخ باب الرحمة، وما هي أهميته الدينية لدى الديانات السماوية؟
باب الرحمة وتاريخ بنائه
يعتبر "باب الرحمة" جزءاً من المسجد الأقصى، ويقع في السور الشرقي للمسجد، ويبلغ ارتفاعه 11.5 متر، ويوجد داخله مبنى مرتفع ينزل إليه بدرج طويل من داخل المسجد، وهو مكون من بوابتين، هما الرحمة جنوباً، والتوبة شمالاً، وبينهما عمود من الحجر.
ويرجع اسم الباب إلى مقبرة الرحمة الملاصقة له من خارج السور، والتي تضم قبري الصحابيين شداد بن أوس وعبادة بن الصامت، وعدد من علماء وشيوخ المسجد الأقصى، بينما يرجح تاريخ بناء مسجد الرحمة المجاور إلى العصر الأموي، بسبب عناصره المعمارية والفنية الأموية.
ويُقال إن الباب أغلق على يد صلاح الدين الأيوبي بعد استعادة القدس عام 1187، ويُقال أيضاً إنّ الإمام أبو حامد الغزالي قد اعتكف في زاويةٍ أعلى باب الرحمة عندما سكن بيت المقدس.
كما قام العثمانيون بإغلاق الباب بالحجر بسبب مخاوف الناس آنذاك من أن الفرنجة سيعودون ويحتلون القدس من خلال هذه البوابة في المنطقة الشرقية من المدينة.
ووفقاً لما ذكره موقع "العربي الجديد" فقد أطلق على الباب العديد من الأسماء سابقاً، بينها البوابة الأبدية، والبوابة الدهرية، وباب توما، وباب الحكم، وباب القضاء، كما يطلق عليه أيضاً اسم الباب الذهبي.
وأسفل باب الرحمة ومقبرته يقع الوادي الشّهير الذي يفصل البلدة القديمة ومسجدها الأقصى عن جبل الزيتون، جبل الطور، وهو وادي جهنم، أو وادي قدرون.
أهمية الباب لدى الديانات السماوية الإسلامية والمسيحية واليهودية
وللباب أهمية تاريخية لدى الديانات السماوية الثلاث، إذ تروج حكومة الاحتلال إلى أنّ الباب وقاعته بُنيا على يد النبي سليمان، ولذلك دائماً ما تحاول قوات الاحتلال الاستيلاء على المسجد من أجل تحويله إلى كنيس يهودي.
وتقول شبكة BBC البريطانية إنّ اليهود يعتقدون بأن المسيح المنتظر سيدخل منه قادماً من جبل الزيتون، بينما هناك روايات تتحدث عن صلاة اليهود في العصور الوسطى عند البوابة؛ طلباً للرحمة عندما لم يسمح لهم الصليبيون بالدخول إلى المدينة، حيث يقع الحائط الغربي، ولهذا سمي بباب الرحمة.
في حين يعتقد المسيحيون بأن باب الرحمة هو الباب الذي دخل المسيح منه عندما جاء للقدس من أجل الاحتفال بعيد "أحد الشعانين"، ولذلك يطلقون عليه اسم "الباب الذهبي".
بالإضافة إلى ذلك فإنّ المسيحيين يؤمنون بأنّ المسيح سيعاود الدخول من الباب عند نزوله إلى الأرض مجدداً، ولهذا عندما استولى الصليبيون على المسجد الأقصى دخلوا من هذا الباب.
أما بالنسبة للإسلام، فإنّ العلماء المسلمين يربطون باب الرحمة بسورة الحديد في قوله تعالى: "فضُرِبَ بينهم بسورٍ له بابٌ باب باطنُه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب".
ويشيرون إلى أنّه دائماً ما يتوافد المسلمون إلى باب الرحمة باعتباره أقيم على "باب الجنة" بشكل مجازي.
أبرز الأحداث التي شهدها باب الرحمة وقاعته منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس
وفقاً لما ذكرته منصة "متراس" الرقمية، فإنّ بُعيد حرب 1948، شغلت مكاتب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) قاعة مبنى باب الرحمة، من أجل توزيع المؤن على اللاجئين.
في حين كانت قاعة باب الرحمة بعد حرب 1967 قاعة للصلاة، قبل استخدامها من قبل كليةُ الدعوة وأصول الدين (حالياً هي جزء من جامعة القدس) مكتبة لطلابها.
في حين شهد الباب أوج ازدهاره في الفترة الممتدة ما بين عام 1990 و2003، لاستخدامه من قبل "لجنة التراث الإسلامي" كباب للوصول إلى مقرها القريب منه.
وفي 2003 أصدرت قوات الاحتلال الإسرائيلي قراراً عسكرياً بإغلاق الباب ومنع استخدام قاعته، واعتبار "لجنة التراث الإسلامي" منظمة محظورة.
ومنذ ذلك الحين لم تطأ أقدام المصلين المسجد الأقصى الباب حتى عام 2019 عندما قاموا بفتحه بالقوة.
وخلال فترة إغلاقه، تعرضت منطقة باب الرحمة للعديد من اقتحامات المستوطنين الذين يؤمنون أنّ بوابة الهيكل الثاني الرئيسية كانت في الجهة الشرقية، وأنّ صلاتهم يجب أن تكون هناك، ولذلك يعتبر باب الرحمة جزءاً رئيسياً من مسار الاقتحام لتأدية صلاتهم بعد أمتار قليلة من جنوب الباب.