في ليلة 19 ديسمبر/كانون الأوّل 1989، وبعد وصول العلاقات بين البلدين إلى نقطة اللاعودة، قامت الولايات المتحدة بغزو بنما، من أجل اعتقال الرئيس البنمي الجنرال مانويل نورييغا في عمليةٍ أطلق عليها اسم "القضية العادلة" أو Just Cause.
وفي خطاب إلى الأمريكيين، قال الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الأب إنه أمر القوات العسكرية في بنما بـ "حماية أرواح المواطنين الأمريكيين" وتقديم نورييغا "إلى العدالة".
وفقاً لـ bbc، جاء هذا الإعلان بعد أيام من قتل جندي بنمي جندياً أمريكياً. في ذلك الوقت، كان نورييغا يواجه أيضاً لائحة اتهام أمريكية بتهمة تهريب المخدرات، بالإضافة إلى مزاعم بأنه زور انتخابات عام 1989.
عملية Just Cause، كما أطلقت عليها الولايات المتحدة، شهدت غزو أكثر من 20 ألف جندي أمريكي للبلاد والسيطرة على منشآت عسكرية رئيسية.
خلال العملية قتل 514 جندياً ومدنياً بنمياً، بينما قتل ثلاثة وعشرون عسكرياً أمريكياً، حوّل ذلك الغزو مدينة بنما إلى ساحة معركة، وانتهت العملية باعتقال نورييغا، ونقله للأراضي الأمريكية حيث حُوكم بتهمة تجارة المخدرات، وحُكم عليه بالسجن 40 عاماً قضى منها 17 سنة خلف القضبان.
نورييغا.. الرئيس البنمي الذي كان عميلاً لأمريكا قبل أن يعلن الحرب عليها
وُلد مانويل نورييغا يوم 11 فبراير/شباط 1934 في بنما سيتي لعائلة كولومبية فقيرة، مع ذلك كان لدى نورييغا طموحات أكبر، فالتحق بالكلية العسكرية في بيرو لدراسة العلوم العسكرية، ثم سافر إلى الولايات المتحدة عام 1967، وقضى عدة أشهر في كلية تابعة للجيش الأمريكي بمنطقة قناة بنما، حيث تلقى دورات حول عمليات المشاة، ومكافحة التجسس، والاستخبارات.
في عام 1970، تم تجنيد نورييغا، الذي كان حينها شخصية صاعدة في الجيش البنمي، من قبل وكالة المخابرات المركزية (CIA) للمساعدة في مساعي الولايات المتحدة في الحدّ من انتشار الشيوعية في أمريكا الوسطى، وذلك حسب history.
خلال السبعينيات انخرط نورييغا في تهريب المخدرات، وهو الأمر الذي جعل العلاقة بين الجنرال البنمي والمخابرات الأمريكية تسوء، ففي عام 1977 تمت إزالته من كشوف رواتب وكالة المخابرات المركزية.
بعد وصول الحكومة الماركسية الساندينية إلى السلطة في عام 1979، عاد نورييغا إلى حظيرة وكالة المخابرات المركزية، وساعدها خلال قضية إيران كونترا. ومع ذلك، بحلول عام 1985، بدأت العلاقة الودية بين وكالة المخابرات المركزية ونورييغا في الانهيار.
في فبراير/شباط 1988، وجهت إليه وكالة الاستخبارات الأمريكية تهمة المتاجرة بالمخدرات، حينها حاول معارضوه في بنما عزله عن الحكم، لكنهم لم ينجحوا.
في مايو/أيّار 1989، أُجريت الانتخابات في بنما، لكن نورييغا أعلن عن إلغائها بعد أن أفرزت نتائجها فوز معارضيه، وألقت حكومة نورييغا باللوم على "الأعمال المعرقلة" للأجانب مشيرة إلى بذلك إلى الأمريكيين.
مع انتهاء الحرب الباردة، كان للولايات المتحدة حرية التصرف دون خوف من الرد السوفييتي، ووضعت خططاً جدية للإطاحة بالجنرال البنمي.
في الثالث أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، حاول جنرال بنمي تنفيذ انقلابٍ على نورييغا بمساعدة أمريكية، لكنه فشل. في هذه المرحلة، قررت الولايات المتحدة أنها بحاجة إلى عزل مانويل نورييغا بالقوة.
كان لدى الولايات المتحدة بالفعل الآلاف من القوات المتمركزة في البلاد. ومع ذلك، أدى تصاعد التوترات في بنما بسرعة إلى الحاجة إلى اتخاذ إجراءات.
في 15 ديسمبر/كانون الأوّل، أعلن نورييغا الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية، وفي اليوم التالي تعرض العديد من الجنود الأمريكيين لهجوم من قبل القوات البنمية. في اليوم التالي أعطى الرئيس بوش موافقته على إطلاق عملية Just Cause.
عملية Just Cause التي أطاحت برئيس بنما
خلال ساعات ما قبل فجر يوم الـ20 ديسمبر/كانون الأول 1989، تم إرسال حوالي 13 ألف جندي أمريكي إلى بنما للانضمام إلى عدد مماثل من القوات الأمريكية الموجودة بالفعل في البلاد، وذلك حسب مجلة the collector الأمريكية.
أعلن جورج بوش أن هدف العملية هو حماية المواطنين الأمريكيين في البلاد، والقبض على مانويل نورييغا، الذي وجهت إليه محكمة فيدرالية تهمة تجارة المخدرات.
وبالفعل هاجمت مجموعات القوات الخاصة الأمريكية أهدافاً متعددة في وقت واحد بينما قام أكثر من 1000 من حراس الجيش الأمريكي بالمظلات فوق منشآت رئيسية. بعد ساعات فقط، كاد نورييغا أن يلقى القبض عليه من قبل حاجز أمريكي لكنه تمكن من جعل سائقه يستدير ويتجه في الاتجاه المعاكس.
لجأ نورييغا إلى البعثة الدبلوماسية للفاتيكان، عندها بقيت القوات الأمريكية في الخارج خلال فترة عيد الميلاد وعزفت موسيقى الروك التي تصم الآذان لإجباره على المغادرة في حرب نفسية.
رغم ذلك، أمضى الرئيس البنمي 11 يوماً في السفارة، قبل أن يعلن استسلامه في 3 يناير/كانون الثاني 1990، وعندها قام مسؤولو إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية بنقله إلى ميامي لمحاكمته، حيث أدين في النهاية بتهمة الاتجار بالمخدرات والابتزاز وغسيل الأموال.
أمضى نورييغا بقية حياته في السجن أولاً في الولايات المتحدة، ثم في فرنسا وأخيراً رهن الإقامة الجبرية في بنما. توفي عام 2017، عن عمر يناهز 83 عاماً، نتيجة مضاعفات عملية لإزالة ورم في المخ، وذلك وفقاً لـ military.