عند ذكر الأهرامات يذهب تفكيرنا مباشرةً إلى الأهرامات المصرية الشهيرة، بينما هناك أهرامات أخرى لا تقل أهمية عن الأهرامات المصرية، ونجد أهرامات النوبة في مملكة كوش القديمة السودان على رأس القائمة.
أكثر من 250 هرماً بُنيت من طرف "الفراعنة السود" في الفترة بين عامي 700 قبل الميلاد و300 ميلادياً في أرجاء بلاد النوبة، جعلت هذه الأهرامات السودان أكثر دولة تحتوي على عددٍ من الأهرامات.
وفقاً لموقع All That's Interesting الأمريكي، تقع الكثير من أهرامات النوبة في مناطق بعيدة في الصحراء السودانية، بعيداً عن الفنادق والمطاعم والمرافق الحديثة الأخرى، وهذا الأمر الذي حدّ من عدد الزائرين الذين يخوضون الرحلة لرؤيتها. في الوقت نفسه، تقع أهرامات الجيزة خارج العاصمة المصرية الصاخبة مباشرةً، جاذبةً ملايين السياح سنوياً. بالإضافة إلى ذلك، أدَّت الحروب الأهلية، التي ابتُليَ بها السودان في السنوات الأخيرة، إلى إبعاد العديد من السياح عن اكتشاف سحرها.
لكن بالرغم من غموضها، تمثل هذه الأبنية المثيرة للإعجاب في السودان تذكرة بمدى القوة التي كانت عليها مملكة كوش في الحقيقة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو أنه بالرغم من تاريخ وسرّ أهرامات النوبة، لماذا إذاً ليست مشهورة بقدر نظرائها في مصر؟
بُني أوّل هرم فيها سنة 700 قبل الميلاد.. تاريخ موجز لأهرامات النوبة
كانت النوبة تمتد جنوباً من أسوان بمصر إلى الخرطوم الحديثة بالسودان. وقد أدت إلى ظهور واحدة من أقدم الحضارات في إفريقيا، وهي مملكة كوش، التي غزا ملوكها – الملقبون بـ"الفراعنة السود" – مصر عام 747 قبل الميلاد، وحكموا المنطقة الشاسعة لما يقرب من قرن من الزمان.
فوفقاً لموقع شبكة الجزيرة الإنجليزية، عند حوالي العام 750 قبل الميلاد، أي بعد سقوط الأسرة المصرية الرابعة والعشرين، سيطرت مملكة كوش على المنطقة، وحكم الملك الكوشي ألارا من مدينة نبتة بطول نهر النيل في المنطقة المعروفة اليوم باسم السودان.
ومثل المصريين القدامى، شرع حكام النوبة المتأثرين بالفراعنة في تصميم وبناء أهراماتهم الخاصة كمواقعٍ للدفن، والتي كان يستغرق بناؤها أكثر من عام.
وبالفعل بُني الهرم الأول عند حوالي عام 700 قبل الميلاد في مدينة الكرو لتكون مقبرةً لخليفة ألارا، كاشتا، وابنه، بيّا.
ومع تنامي سلطة ومكانة الأسرة النوبية، أصبحت الكرو موقعاً أصغر من أن يستوعب مزيداً من الأهرامات. ونتيجة لذلك، بنى ملوك النوبة مقبرة ملكية جديدة بمدينة نوري، قرب عاصمتهم نبتة.
احتوت هذه المقبرة على مكان دفن 21 ملكاً و52 ملكة وأمراء بما في ذلك Anlami وAspelta. تم وضعهم في توابيت ضخمة من الجرانيت، وبعض الأغطية وحدها تزن 4 أطنان.
ويعد هرم ملك نبتة وفرعون الأسرة الـ25 طهاركا أقدم وأكبر هرم في نوري.
ثُمَّ في حوالي عام 590 قبل الميلاد، انتقلت العاصمة الملكية النوبية إلى مدينة مروي، التي كانت واقعة قرب موقع رئيسي لصهر الحديد والعديد من طرق التجارة الرئيسية.
وفي موقع مروي، دفن أكثر من 40 ملكاً وملكة، وهو الموقع الأكثر شمولاً للهرم النوبي.
وبحلول عام 330 ميلادي، كانت مملكة أكسوم، الواقعة في إثيوبيا حالياً، قد غزت مروي. ومثَّل ذلك إيذاناً بنهاية مملكة كوش العظيمة، ونهاية بناء أهرامات النوبة.
تم اكتشافها في القرن الـ19 وتعرّضت إلى السرقة والتخريب
شكّل القرن الـ19 العصر الذهبي للاستكشافات الأثرية في مناطق النيل، بما في ذلك اكتشاف أهرامات النوبة، مع ذلك كانت تلك الأهرامات أثناء مرحلة الاستكشاف الأكاديمي الأوّلية تحت رحمة ناهبي القبور الذين سرقوا أي أشياء ثمينة أمكنهم وضع أيديهم عليها. حتى أنَّهم سرقوا رفاة الملوك بالداخل.
ووفقاً لموقع Amusing Planet، دمَّر مستكشف وصائد كنوزٍ إيطالي يُدعى جوزيبي فيرليني في ثلاثينيات القرن الـ19 قمم 40 من الأهرامات في محاولة للعثور على الكنوز المُخبّئة بالداخل.
وبحلول الوقت الذي بدأ فيه علماء الآثار من مختلف أنحاء العالم دراسة الأهرامات، لم يكن قد تبقى الكثير لرؤيته. مع ذلك، اكتشفوا بالفعل أنَّ أهرامات النوبة تختلف عن نظيراتها في مصر في جانبين رئيسيين.
فقد كان للأهرامات النوبية قاعدة أصغر بكثير وجوانب أكثر انحداراً، مقارنةً بأهرامات الجيزة. ففي حين يبلغ ارتفاع الهرم الأكبر في الجيزة أكثر من 450 قدماً (137 متراً تقريباً)، تتراوح ارتفاعات أهرامات النوبة من 20 إلى 100 قدم (من 6 إلى 30.5 متر تقريباً).
وعلى عكس أهرامات الجيزة، لم تكن أهرامات النوبة تحتوي على مراكز للدفن في داخلها، فقد كانت حجرات الدفن في أهرامات النوبة تقع عموماً تحت الأهرام.
في مصر، عادةً ما كانت الأنفاق والسلالم تقود إلى الحجرات التي يُحتَفَظ فيها بالتوابيت الملكية. أمَّا في مملكة كوش النوبية، فقد كانت المداخل إلى حجرات الدفن مخفيّة خارج الأهرامات، وكانت الدرجات شديدة الانحدار تقود إلى المقابر تحت الأرض. وكانت الأهرامات نفسها مليئة فقط بالتراب والركام.
ووفقاً لمنصة Arts & Culture التابعة لجوجل، عثر علماء الآثار بالفعل على قطع أثرية مثل أسرجة خيل وفخار وبضائع من أماكن بعيدة مثل روما والهند والصين، والتي وفَّرت نظرة ثمينة على طرق التجارة الدولية القديمة. وعثروا أيضاً على أوانٍ كانوبية داخل بعض غرف الدفن، وهو ما يشير إلى أنَّ ملوك كوش حُنِّطوا بنفس طريقة فراعنة مصر.
لكن بالرغم من أنَّ أهرامات النوبة كانت مثيرة للإعجاب بصرياً بقدر أهرامات مصر، ولها تاريخ مدهش بنفس القدر، لا تزال لم تحظَ بقدر ولو قريب من حيث السياحة أو التمويل مقارنةً بها، وللأسف، قد لا يتغيَّر ذلك قريباً.
التحديات المعاصرة التي تهدد أهرامات النوبة بالاختفاء
على مر السنين، تسببت الرياح والرمال في تآكل الأهرامات النوبية، ولا تزال هذه العناصر الطبيعية تشكل تهديداً إلى اليوم، إلى جانب ارتفاع منسوب مياه الفيضانات من نهر النيل حتى أنَّ منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) أعربت عن "قلقها العميق" بشأن الفيضان وتأثيراته على الأهرامات. ومع ذلك، فإن أكبر ضرر لحق بأهرامات السودان سببه الإنسان.
فقدت العديد من أهرامات مروي الملكية النوبية قممها المدببة، وتعرضت لأضرار بالغة. فكما سبق ذكره، قام صائد الكنوز الإيطالي، جوزيبي فيرليني، بإزالة القمم وتسبب في دمار كبير للعديد من الأهرامات أثناء نهبها في عام 1834، وذلك في رحلته للبحث عن الكنز النوبي.
كما تمّ نهب أحد أكبر الأهرامات النوبية، وهو أهرامات الملكة أمانيشاخيتو Amanishakheto، الذي كان يحتوي على مجموعة كنوز الملكة أمانيشاخيتو من خواتم وأساور وعقود وتماثيل وطوابع ملكية وجعران، صُنع الكثير منها من الذهب الخالص والفضة والبرونز، ومزين بالخرز والأحجار الكريمة والكريستال، ولا تزال غالبية القطع المسروقة معروضة في متحف الدولة للفن المصري بألمانيا في ميونخ والمتحف المصري ومجموعة البرديات في برلين.
كما أثّر نقص السياح الراغبين في اكتشاف هذه الأهرامات على مستقبل أهرامات السودان، فقد أثرت الحرب الأهلية التي اجتاحت السودان من عام 1955 حتى 1972، ومجدداً من عام 1983 حتى عام 2005، ومن 2013 حتى 2020، على السياحة في البلد. فقد حذَّرت الكثير من البلدان المقيمين لديها من زيارة المنطقة، وحتى في وقتنا الحالي، تدرج وزارة الخارجية الأمريكية السودان تحت أعلى مستوى من إرشادات السفر: "لا تسافروا".
وبدون السياحة والتمويل، من الصعب أن تحافظ الحكومة السودانية على الأهرامات.
لكن بصرف النظر عن التهديدات التي تواجه الأهرامات، تعهَّد السكان المحليون بالدفاع عنها.فمثلما قالت سيدة سودانية لمجلة National Geographic: "كان هؤلاء ملوك وملكات مشهورين للغاية. إنَّهم يُمثِّلون تذكرة بأنَّنا كنا في السابق بلد عظيم، ويمكن أن نصبح عظماء مجدداً".