لا تزال الأهرامات أحد أبرز الأسرار التي حيرت علماء الآثار والمؤرخين، إذ تدور حول هذه الصروح العظيمة العديد من الأسئلة: من بناها، وكيف؟ متى بُني أول هرم وكم استغرقت هذه العملية؟
تاريخ بناء الأهرامات
استقر المصريون القدماء في وادي النيل عام 3500 قبل الميلاد، مع ذلك يرجح العلماء أن أول هرم بُني في المنطقة كان بعد 2700 قبل الميلاد، أي بعد قرابة 800 عام من الاستيطان في وادي النيل، وهذا رقم يثير دهشة العلماء، لأنه بالنسبة لباقي الحضارات استغرق الأمر أكثر من 800 عام للانتقال من الحياة البسيطة إلى مرحلة التنظيم والبناء، لذلك كان المصريون سباقين في هذه الناحية، إذ استطاعوا خلال فترة زمنية بسيطة بعد استقرارهم في وادي النيل، الانتقال إلى مرحلة استطاعوا فيها بناء صروح مذهلة ومثيرة للإعجاب مثل الأهرامات.
ويعتقد المؤرخون أن أهرامات الجيزة الشهيرة بنيت بين عامي 2600 قبل الميلاد و2500 قبل الميلاد، خلال عهد الأسرة الرابعة.
وعلى سبيل المقاربة، من الضروري أن نعلم أن الأسرة الأولى استمرت بين عامي 3100 قبل الميلاد و2900 قبل الميلاد، ووضعت أقدم هيروغليفية استُحدثت من هذا العصر. شهدت الفترة ما بين عامي 2300 قبل الميلاد و2000 قبل الميلاد، توقفاً في بناء الأهرامات لكن شعبيتها تجددت مرة أخرى، وبنيت آخر أهرامات تخص الأسر المصرية الحاكمة قبيل 1700 قبل الميلاد.
ومن الجدير بالذكر أن كل هرم من هذه الأهرامات شُيِّد ليكون مقبرة لأحد الفراعنة، لكن الأثرياء كانوا أحياناً يشيدون الأهرامات لأنفسهم.
كم استغرق بناء الأهرامات؟
وفقاً لما ورد في موقع thecollector، فإن الإجابة البسيطة لهذا السؤال هي: لا ندري. مع ذلك تشير التقديرات إلى أن عملية بناء صرح كهذا قد تستغرق ما بين 15 و30 عاماً.
ويتوقف عدد السنوات الذي يتطلبه بناء هرم ما على عدة عوامل، مثل حجم الهرم والمواد التي صنع منها، فعلى سبيل المثال تتنوع أحجام الأهرامات بين 1.2 مليون قدم مكعبة و92 مليون قدم مكعبة، كذلك نظراً إلى أن المكون الأساسي المستخدم كان كتل الحجر الجيري الضخمة، فمن المفهوم أن بعض الأهرامات استغرقت وقتاً أطول من غيرها.
من المثير للاهتمام أن المصريين لم يستخدموا آلات تعتمد على العجلات استخداماً كبيراً، مما يقلل من صحة النظريات التي تقول إن الحجارة نُقلت بانتظام إلى الأهرامات عبر سلسلة من الأسطوانات.
وتشير بعض القراءات الهيروغليفية إلى أن مجموعات كبيرة من الأشخاص سحبوا زلاجات لنقل الأحجار، وأن المياه سُكبت أسفل هذه الزلاجات لتقليل الاحتكاك.
وعلى الرغم من أن مدة 30 عاماً قد تبدو طويلة، فإن هذا يعطي لمحة حول الوتيرة التي بنيت بها الأهرامات، فقد كان البناة يضعون كتلة واحدة كل ثلاث دقائق، ليعطينا هذا إجمالي كتل صخرية وصلت في بناء الهرم الأكبر إلى 2.3 مليون كتلة.
لكن كيف بنيت الأهرامات بهذه السرعة؟
بالنظر إلى أن الأهرامات المصرية قد صمدت لأكثر من 4000 عام، فإن الأطر الزمنية المقدرة من 15 إلى 30 عاماً تبدو قصيرة نسبياً. لم يكن لدى المصريين إمكانية الوصول إلى تقنيات البناء أو الآلات الحديثة الموجودة في يومنا هذا.
يعتقد علماء المصريات أن فرقاً كبيرة بشكل لا يصدق من العمال المهرة شاركت في بناء الهرم، تشير بعض التقارير إلى وجود 20.000 رجل، والبعض الآخر 30.000، في حين أن البعض الآخر قد خمّن حتى 100.000 عامل استخدموا سلسلة من الزلاجات المعقدة، والبكرات، والرافعات والمنحدرات.
ولا يزال البحث مستمراً حول كيفية صنع مثل هذه الهياكل المذهلة في زمن قياسي كهذا.
من الذي بنى الأهرامات؟
أعطت التفسيرات الحديثة الشهيرة انطباعاً للعالم بأن الأهرامات بنيت عن طريق أشخاص كانوا مستعبدين تماماً. لكن هذا الاعتقاد موضع خلاف بين عديد من الباحثين الحاليين. إذ إن عمال الزراعة شيدوا أعمالاً رائعة مثل الكاتدرائيات في أوروبا، بعد نهاية موسم الحصاد والزراعة، ويمكن أن تكون هناك ظروف مماثلة سادت أثناء بناء الأهرامات. فقد كانت فيضانات النيل المعتادة تعطل استخدام الأراضي الزراعية، وكان هناك حلٌّ متمثلٌ في توفير العمل عبر بناء هذه المقابر الضخمة، وفقاً لما ورد في موقع World Atlas الكندي. ولذلك فإن الاكتشافات الأثرية لظروف مواقع الدفن الخاصة بهؤلاء العمال، استنتجت أنهم كانوا في الغالب فئة من العمال المهرة، ولم يكونوا عبيداً عكس ما تروج له كثير من النظريات.
الهرم المدرج (هرم الفرعون زوسر)
بُني أول هذه الأهرامات، الهرم المدرج، في نحو عام 2670 قبل الميلاد، من أجل الفرعون زوسر.
يقع الهرم فوق مواقع دفن مسطحة، وصممه الوزير المهندس الشهير إمحوتب. يبلغ ارتفاع الهرم نحو 200 قدم (62 متراً تقريباً)، ولعله كان أطول الأبنية المذهلة التي بناها الإنسان في ذلك الوقت. تماماً مثل المقابر اللاحقة، كان الغرض من هذا البناء توفير مرحلة انتقال مناسبة إلى ما بعد الحياة الدنيا للفرعون المتوفى.
فضلاً عن أن الهرم نفسه كان المحور الرئيسي لهذا التصميم، ثمة أرضيات جنائزية متقنة تحيط بالبناء.
أهرامات الجيزة
في عام 2550 قبل الميلاد، كانت المملكة المصرية القديمة في حالة ازدهار. ومن أجل إحياء ذكرى نجاحها، شيد الفرعون خوفو هرماً طوله 481 قدماً (148 متراً)، يُعرف الآن بالهرم الأكبر. احتوى الهرم الأكبر على ثلاث غرف، كانت تحمي التابوت الحجري الخاص بالملك ومقتنياته الثمينة. ولاحقاً، شيَّد كلا الفرعونين خفرع ومنقرع هرماً لكل واحد منهما، واستُكمل بناء الهرمين في عام 2504 قبل الميلاد. وبالقرب من الأهرامات الثلاثة، شُيد أبو الهول ليكون حارساً خارج هرم خفرع، وقد نُحت كلياً من نتوء من الحجر الجيري.
هرم خنجر
بنيت عديدٌ من الأهرامات الكبيرة من أجل الفراعنة، لكن هرم الفرعون خنجر يعتبر آخر هذه الأهرامات، ويقع في سقارة، وهو موقع ملائم؛ لكونه الموقع نفسه الذي شهد بناء أول الأهرامات. يبلغ ارتفاع هذا الهرم نحو 122 قدماً (37 متراً تقريباً)، وكان الهرم الوحيد الذي استُكمل بناؤه في عهد الأسرة الثالثة عشرة. تسببت أعمال التنقيب التي نُفذت في ثلاثينيات القرن الماضي، في تدمير الموقع. في الماضي البعيد، كان هذا على الأرجح آخر الأهرامات، بسبب التكلفة الهائلة والتنظيم الكبير المطلوب لبناء هذه الآثار، وبعد ألف عام كانت الأسباب الدينية وراء تشييدها غير وثيقة الصلة بما يكفي بالنسبة للسكان الذين يتغيرون باستمرار. ومع ذلك، بُني هرم بعنخي في عام 721 قبل الميلاد، بينما بُني هرم طهارقة في عام 664 قبل الميلاد، خلال عهدٍ شهد إحياء هذه الآثار، لكنه لم يمكث وقتاً طويلاً.