على سفح جبال طوروس تقع مدينة كهرمان مرعش، أو مرعش "البطلة" كما أطلقت عليها الحكومة التركية عام 1973؛ اعترافاً ببطولاتها في مواجهة الاحتلال الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى. تتموضع مرعش في المنطقة ما بين قيليقية والأناضول، مما يجعلها في نطاق ما يسمى "فالق الأناضول"، أي إنها واحدة من المدن المعرضة لخطر الزلازل المدمرة… إليكم كل ما ترغبون في معرفته عن تاريخ هذه المدينة:
تاريخ مدينة كهرمان مرعش
في أوائل العصر الحديدي، أي في أواخر القرن الحادي عشر قبل الميلاد، كانت مرعش عاصمة دولة جورجوم، وهي دولة ازدهرت في الأناضول ما بين القرنين العاشر والسابع قبل الميلاد. وفي ذاك الحين كان يطلق على المدينة اسم كوركوميان، وعندما تم ضمها لتصبح مقاطعة آشورية، تغير اسم المدينة ليصبح "مرقس".
وفي عهد الإمبراطورية البيزنطية، أصبحت المدينة مقرًا للأبرشية، حتى إن أحد أبارشة المدينة كان من بين المشاركين في المجلس الأول في نيقية، وهو المجلس الذي عقده الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول عام 325 ليكون بمثابة اتحاد للأساقفة لتوحيد العالم المسيحي.
في القرن الحادي عشر، أصبحت المدينة معقلًا مهمًا للأرمن المنفيين بعد سقوط الممالك الأرمنية، وأصبحت المدينة عاصمة لإمارة الجنرال الأرمني فيلاريتوس الذي لم تدم إمارته طويلاً، فبعد موته استولى جنرال أرمني آخر يُدعى تاتول على المدينة وزج بجيش المدينة المنهك في الحملة الصليبية الأولى.
توالى الحكام المختلفون على مدينة مرعش فتارة حكمها السلاجقة، وتارة استعادها الصليبيون، إلى أن استولى عليها عام 1292 السلطان المملوكي الأشرف خليل ابن الملك المنصور سيف الدين قلاوون، لكن استطاع ملك أرمينيا هيثوم الثاني، السيطرة على المدينة بعد سبعة أعوام، وبقيت تحت حكم الأرمن إلى أن استولى عليها المماليك ثانية عام 1304.
كهرمان مرعش، أو مرعش "البطلة"
في عام 1515 أصبحت مرعش جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وخلال فترة الحكم العثماني كانت أحد المراكز الإدارية في ولاية حلب.
وبعد الحرب العالمية الأولى، سيطرت القوات البريطانية على مرعش عام 1919، وبعد التوقيع على هدنة مودروس بين العثمانيين والحلفاء، أصبحت مرعش تابعة للفرنسيين.
ولعل أبرز حدث تاريخي وقع بتلك المدينة في العصر الحديث، كان معركة مرعش التي دارت رحاها في 13 فبراير/شباط 1920، بين القوات التركية والقوات الفرنسية، وكانت تلك المعركة من أولى المعارك في حرب الاستقلال التركية، التي كانت عبارة عن سلسلة من الحملات العسكرية التي شنتها الحركة الوطنية التركية والتي قادت في نهاية المطاف إلى تشكيل تركيا الحديثة.
دام الاشتباك في معركة مرعش ثلاثة أسابيع، أُجبرت بعده القوات الفرنسية على الانسحاب، ومن هنا حصلت مرعش على اسمها الجديد "كهرمان مرعش" والذي يعني "مرعش البطلة" أو "مرعش الشجاعة"؛ تكريماً لدور المدينة في التخلص من الاحتلال الفرنسي، وقد تغير اسم مرعش إلى كهرمان مرعش رسمياً عام 1973.
موطن نسطور وليو الثالث
على مر الزمن كانت مدينة مرعش موطناً للعديد من الشخصيات البارزة مثل الإمبراطور البيزنطي ليو الثالث الإيساوري المعروف أيضاً باسم "السوري"، وتميز عهده بأنه استطاع وضع حد للفوضى العارمة التي عصفت بالإمبراطورية البيزنطية قبل توليه العرش عام 717.
كذلك كانت مدينة مرعش موطناً لرجل الدين وعالم اللاهوت الشهير نسطور، الذي تولى رئاسة أساقفة القسطنطينية ثم أدين بسبب آرائه اللاهوتية وتم عزله من منصبه، وفقاً لما ورد في موقع britannica. فقد كان نسطور يحاول إيجاد حل وسط بين أولئك الذين اعتبروا أن المسيح ابن الله وأولئك الذين رفضوا هذه الفكرة باعتبار أن الله لا يمكن أن يكون له ولد.
كانت مرعش كذلك مسقط رأس السلطانة غولبهار خاتون زوجة السلطان بايزيد الثاني ووالدة السلطان سليم الأول.
الزلازل في منطقة كهرمان مرعش
ذكر المؤرخ الأرمني ماتيفوس أوهايتسي الذي عاش في القرن الثاني عشر، أن زلزالاً مدمراً ضرب المنطقة التي تعرف اليوم باسم كهرمان مرعش، وأن هذا الزلزال قتل قرابة 10000 شخص، لكن يعتقد مؤرخون آخرون أن هذا الرقم مبالغ به.
وفي عام 2023، وقع زلزال مدمر آخر بقوة 7.6 درجة على مقياس ريختر، حيث كانت بؤرته مدينة كهرمان مرعش وامتد ليشمل مدناً تركية وسورية أخرى، مخلفاً مئات القتلى وآلاف الجرحى والعديد من المباني التي تدمرت بالكامل.
ومن سوء حظ سكان كهرمان مرعش، أن مدينتهم تقع في نطاق يدعى "فالق الأناضول" وهو مصطلح يشير إلى منطقة شرق البحر المتوسط التي تشكل نقطة التلاقي بين صفيحة قارة إفريقيا وصفيحة أوراسيا أو قارة أوروبا، ومن المعلوم أن نقاط تلاقي الألواح الصخرية أو الصفائح التكتونية في باطن الأرض هي الأكثر عرضة لوقوع الزلازل، إذ تحدث الهزات الزلزالية بسبب اصطدام هذه الصفائح بعضها ببعض.