أعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية تضرر عدة مواقع أثرية في سوريا إثر الزلزال القوي الذي ضرب المنطقة صباح الإثنين 6 فبراير/شباط 2023، من بينها باب أنطاكية الشهير في مدينة حلب والذي انهارت أجزاء منه.
باب أنطاكية.. أقدم وأهم باب لمدينة حلب
قبل التوسع المعماري الكبير، كانت مُعظم المنازل في مدينة حلب عاصمة الشمال السوري، بالقرب من قلعتها الشهيرة، وداخل سور ضخم وفريد من نوعه يحيط بالمدينة القديمة.
السور كان مضرب مثل بحصانته وقوته، ولكونه كان سداً منيعاً أمام هجمات الأعداء على مر التاريخ.
ولهذا السور 9 أبواب، كان يستخدمها سكان المدينة للخروج والدخول ولنقل البضائع خارج المدينة، وهذه الأبواب هي: (باب أنطاكية، باب الأحمر، باب الجنان، باب الحديد، باب الفرج، باب المقام، باب النصر، باب النيرب، باب قنسرين).
باب أنطاكية كان أقدم باب من هذه الأبواب، وأهمها، فمنه دخل الرحالة والتجار والفاتحون والمحتلون وغيرهم، ورغم ذلك لا يزال هذا الباب شامخاً حتى اليوم في مكانه ومحتفظاً بأهميته الحالية المتمثلة بكونه مدخلاً إلى أهم أسواق التجارة المسقوفة في المدينة وهي أسواق (أنطاكية، السقطية، البهرمية، الجلوم، الزهراوي، العطارين، الزرب) والتي تعرف جميعها باسم "سوق المدينة" وصولاً إلى الجامع الأموي الكبير القريب من قلعة حلب.
ويقع باب أنطاكية في منتصف الجهة الغربية لسور المدينة القديمة في حلب وقد سُميّ بهذا الاسم لأنّه يؤدي إلى مدينة الساحل السوري وتحديداً مدينة "أنطاكية" عاصمة سوريا منذ أيام الدولة السلوقية في القرن الرابع قبل الميلاد.
أهمية باب أنطاكية في تاريخ حلب القديمة
الباحث والمستشرق الفرنسي "جان سوفاجية" أكد أن في أساسات الأبنية القائمة وراء المباني الأيوبية آثاراً تعود إلى فترة الدولة الحمدانية وهو ما يؤكد قدم الباب.
بينما بالنسبة لكل من "ابن شداد" في القرن الثالث عشر و"ابن العجمي" في منتصف القرن الخامس عشر فإنّ باب أنطاكية كان الباب الرئيسي لمدينة حلب وكان يدخل من خلاله إلى المدينة بعد المرور بشارع القصبة، وفقاً لما ذكره موقع Esyria.
ويضيف الموقع أنّ الباب كان يعمل كمدخل رئيسي خلال فترة فترة الحكم البيزنطي وخاصّة بعد الفتح الإسلامي وحتى حصار المدينة من قبل "المغول" في العام 1260، وأيضاً خلال الفترتين المملوكية والعثمانية، في حين كان باباً ثانوياً في الفترة الأيوبية.
بُني بشكل جانبي لمنع اقتحامه من قبل الأعداء
ووفقاً لما ذكره موقع دار الوثائق التاريخية الرقمية فإنّ باب أنطاكية يتألف من برجين بارزين متوازيين، أقيم الباب بشكل جانبي على البرج الأيمن لتصعيب مهمة اقتحامه من قبل الأعداء.
أما الباب فهو مصنوع من الخشب ومغطى بأربطة حديدية ومسامير كبيرة، بينما في سقف الباب كرة معدنية تُدعى "كلة" قطرها حوالي 20 سم، ومعلقة بسلسلة تسمى "كلة معروف" نسبة إلى "معروف بن جمر" وهو مُقاتل وحارس كان يحرس البوابة خلال محاولات الغزو الإفرنجي لحلب، وكان مشهوراً بقتاله الفدائي بالكرة الحديدية المعلقة بالسلسلة، وهو مدفون حالياً في "المدرسة الشاذبختية" قرب الباب.
بالإضافة إلى أنّ الباب يحتوي أيضاً إلى جانبه مطحنة قديمة تحتوي على حجر لطحن السمسم.
في حين توجد على باب أنطاكية أربع كتابات، الأولى تعود إلى العام 1022 على زمن فاتك بن عبد الله الرومي الملقب باسم "عزيز الدولة" وتتألف من خمسة أسطر من الخط الكوفي خلف الجدار الواصل بين البرجين.
والثانية تعود إلى عصر المماليك في عام 1390 وتتألف من 6 أسطر بخط نسخي مملوكي فوق نجفة الباب.
والثالثة أيضاً تعود إلى العصر المملوكي في عام 1402 ومؤلفة من 4 أسطر بالخط النسخي المملوكي وهي واقعة تحت الكتابة الثانية مباشرة.
أما الرابعة فهي عبارة عن سطر واحد طوله تقريباً 24 متراً ونصف، وهي أيضاً عائدة إلى العهد المملوكي وتقع على المدخل في البرج الأيمن فوق القوس.
وبعد دخول الباب ستجد على بعد بضعة أمتار ستجد مسجداً يطلق عليه اسم "جامع التروس" أو كما يطلق عليه أيضاً اسم "جامع الشعيبة".
وهذا الجامع هو أول مسجد بناه العرب المسلمون بعد فتح المدينة في عام 637 على يد "أبو عبيدة بن الجراح" و"خالد بن الوليد".
محاولات تخريب باب أنطاكية من قبل الفرس والبيزنطيين والمغول
تعرض باب أنطاكية للتخريب عدة مرات على مر التاريخ، سواء بسبب الحروب أو الزلازل، وفي كل مرة كان يُعاد ترميمه وتعديله.
تخريب باب أنطاكيا الأول كان على يد الفرس في عهد الإمبراطور "جوستينيان" في عام 540.
أما التخريب الثاني فكان على يد الإمبراطور البيزنطي نقفور فوقاس الثاني، في عام 962 قبل أن يعيد "سيف الدولة الحمداني" ترميمه.
فيما تعرض الباب إلى التخريب مرتين على يد المغول، الأولى في عام 1620 على يد هولاكو، والثانية في عام 1400 على يد تيمورلنك.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تعرض باب أنطاكيا أيضاً إلى الدمار بسبب الزلازل التي ضربت مدينة حلب أبرزها زلزالا 1138 و1822.