فسادٌ أدّى إلى حروب أهلية.. 7 أسباب وراء سقوط الإمبراطورية الرومانية

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/09 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/09 الساعة 15:25 بتوقيت غرينتش
لم تسقط الإمبراطورية الرومانية في يوم، كما لم تُبنَ في يوم/ Shutterstock

لطالما شكّل سقوط الإمبراطورية الرومانية في العام 476 مثار جدلٍ تاريخي واسع بين المؤرخين، الذين ناقشوا لفتراتٍ طويلة أسباب هذا السقوط الكارثي، بعدما حكمت على مدى أكثر من ألف عام بهيمنةٍ تامة.

لم تسقط روما في يوم، كما لم تُبنَ في يوم أيضاً؛ فقد تأسّست الإمبراطورية الرومانية تدريجياً وازدهرت تباعاً بشكلٍ لا يُصدّق، بحيث أصبحت واحدة من أكبر الإمبراطوريات في تاريخ البشرية وامتدت من بريطانيا إلى مصر. 

أصبحت روما كبيرة لدرجة أن الحكومة واجهت صعوبة في حماية أراضيها الشاسعة، خصوصاً أن العديد من القبائل كانت تتحرك باتجاه أراضيها، بسبب ضعف القيادة الرومانية وعدم الاستقرار السياسي.

وفي النهاية، انتقل مركز القوة من المدينة، وانقسمت الإمبراطورية بشكلٍ نهائي ودائم إلى دولتين منفصلتين عام 395. فصارت هناك دولة في الشرق، وأخرى في الغرب، قبل سقوط الإمبراطورية بالكامل لاحقاً. 

أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية

لم تسقط روما بسبب قضية واحدة، بل بسبب عشرات القضايا والمشكلات التي واجهتها على مدى عقودٍ -إن لم تكن قروناً- من دون أن تجد لها حلولاً، قادتها إلى سقوطٍ مُذهل ومُذلّ لواحدة من أعظم الحضارات في التاريخ. 

1- الغزو البربري، لا سيما "قبائل الهون" 

يُمكن القول إن موجات الغزو والهجرة الزاحفة، التي لم تكن تنتهي، كانت أحد أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية. وكانت القبائل البربرية هي التي تقود هذه الغزوات من الحدود الشمالية لروما. 

في الأيام الأولى للإمبراطورية، كانت الفيالق الرومانية قادرة على التصدي للقبائل البربرية بسهولة نوعاً ما، لكن الأمور بدأت تتخذ مسلكاً مختلفاً مع اقتراب نهاية القرن الثاني الميلادي.

فبعد قرونٍ من قتال الرومان، صارت هذه القبائل خصماً لدوداً، بعدما كانت ضعيفة في السابق من حيث المعدات التي تستخدمها في القتال، وسيئة من حيث التنظيم العسكري. فقد تطورت التكتيكات التي استخدمتها القبائل البربرية مع مرور الوقت، وبعد فترة صارت تشكل تهديداً وجودياً للإمبراطورية الرومانية. 

ومن بين كل الجماعات التي غزت الإمبراطورية الرومانية، لم يكن هناك من هم أكثر مهابةً وإثارة للخوف من قبائل الهون، التي تسبّبت أساليبها القتالية ووحشيتها في فرار الآلاف إلى الغرب، خصوصاً مع وصول قائدهم الأشهر أتيلا الهوني إلى الحُكم.

كانت قبائل الهون تتألف من المُحاربين البدو الرُحَّل، القادمين على الأرجح من آسيا الوسطى. اشتهروا بغزو أوروبا وترهيبها ما بين القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد، وتسريع سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، إضافةً إلى محاولة إسقاط الشرقية أيضاً.

اجتاح الهون السهوب الأوراسية، وشنوا غزوات ضد أراضي القبائل الجرمانية التي تعيش خارج حدود الإمبراطورية الرومانية، واستعبدوهم واضطهدوهم ودفعوهم نحو أراضي الإمبراطورية الرومانية بحثاً عن الملاذ والملجأ.

لم يكن هناك من هم أكثر مهابةً وإثارة للخوف من قبائل الهون/ وكيبيديا
لم يكن هناك من هم أكثر مهابةً وإثارة للخوف من قبائل الهون/ وكيبيديا

2- الجيوش العاجزة والخائنة

بحلول القرن الثالث، صارت الفيالق الرومانية مجرد ذكرى من ماضٍ بعيد، بعدما كانت تتألف من رومانيين متفانين في سبيل إمبراطوريتهم. 

ومع توسع الجيش لمواكبة الحروب المستمرة التي يشنها الأعداء، صار يواجه صعوبة في جذب المواطنين الرومان من أجل الانضمام إلى فيالقه وحماية أراضي الإمبراطورية الرومانية.

لم يترك هذا الاتجاه خياراً آخر أمام الجنرالات والأباطرة الرومانيين إلا تجنيد مجموعات من المرتزقة، الذين كانوا يتدرّبون في كثيرٍ من الأحيان ضمن صفوف القبائل البربرية. سُمّيت جماعات المرتزقة هذه "فيوديراتي"، ولم تكن لديها أي ولاء تجاه روما، بل كانت تدين بالولاء للمال فقط، أو للجنرال الذي يقودهم.

أدى هذا إلى انشقاق روما وشنّ غارات ضدّ البلدات الرومانية الساحلية أو الريفية، في حال لم تحصل هذه المجموعات المرتزقة على أجرها. 

ونظراً إلى أن المال كان العامل الذي يقودها لتقديم خدماتها، لم تكن جماعات الفيوديراتي تمانع في المشاركة بالحروب الأهلية المدمرة، أملاً في أن يحصل جنرالاتها على لقب إمبراطور.

3- القيادة الضعيفة

صحيح أن الإمبراطورية الرومانية عاصرت عدداً من الأباطرة الحكماء الأكفاء، مثل ديوكلتيانوس وقسطنطين في السنوات المتأخرة من عصورها، لكن يُمكن القول إن هؤلاء كانوا حالةً استثنائية أمام سيل الأباطرة غير الأكفاء.

فقد عرفت الإمبراطورية الرومانية في القرنين الرابع والخامس بعضاً من أسوأ القيادات التي مرّت على تاريخها؛ فاسدون، وغير حاسمين، ولا أكفاء. كما شهدت السنوات العشرون الأخيرة من زمن الإمبراطورية الغربية اغتيال 9 أباطرة مختلفين، أو نفيهم، أو موتهم لأسباب طبيعية.

كان الإمبراطور ماجوريان، وهو الإمبراطور الوحيد الذي كان كفؤاً من بين الآخرين، قريباً من استعادة الأراضي المفقودة للإمبراطورية الرومانية، عندما تعرض لخيانة من جنرال متعطش للسلطة يسمى فلافيوس ريسيمر. 

أما آخر إمبراطور روماني، والذي أطاحه الملك القوطي أودواكر في العام 476، فهو الإمبراطور الروماني رومولوس أوغستولوس، الذي كان في السادسة عشرة من عمره حين توليه السلطة.

امتدت الإمبراطورية الرومانية من بريطانيا إلى مصر/ Shutterstock
امتدت الإمبراطورية الرومانية من بريطانيا إلى مصر/ Shutterstock

4- التغير المناخي والمجاعة

في القرن الخامس، صار المناخ في الإمبراطورية الرومانية بارداً على نحوٍ غير معهود، بعد أن ظلَّ دافئاً ومعتدلاً في منطقة الشرق الأوسط وغرب أوروبا لقرون. وقد أسفر عن هذا التغير المناخي المفاجئ قصورٌ في المحاصيل، مما أدى إلى نقص الغذاء حول الإمبراطورية الرومانية الغربية تحديداً.

كذلك أثر هذا الأمر على القبائل البربرية في الشمال، وفقاً لموقع World Atlas، وهو ما تسبب في دفعهم نحو الجنوب من أجل العثور على أراضٍ تتمتع بطقسٍ أكثر استقراراً وقابلية للعيش. 

ولما كانت الإمبراطورية غير قادرةٍ على الاعتناء بمواطنيها، جنباً إلى جنب مع الوافدين الجدد، تضوّر عددٌ كبير من الرومانيين جوعاً أو تحوّلوا إلى قطاع طرقٍ للعثور على لقمة العيش. فعمّت الفوضى في الأيام الأخيرة من عمر الإمبراطورية.

5- الحروب الأهلية

منذ عهد أغسطس قيصر، لم تعرف الإمبراطورية الرومانية قط كيف تنفذ انتقالاً وظيفياً للسلطة من الإمبراطور البائد إلى الإمبراطور الذي يليه. أدى هذا في كثيرٍ من الأحيان إلى نشوب حروب أهلية.

وكان عددٌ لا يُحصى من الجنرالات والساسة والأرستقراطيين الأثرياء يدّعون جميعاً أنهم الأحق بأن يكونوا مكان الإمبراطور. 

ولما كانوا مدعومين من الفيالق العسكرية وجماعات المرتزقة، التي كانت تدين بالولاء إليهم، انخرط هؤلاء في حروبٍ دموية مكلفة من أجل السلطة، ليجد الفائز أنه لم يربح شيئاً سوى اغتياله، ثم تبدأ حلقة الموت والدمار مرة أخرى. كلّ ذلك أدّى إلى دمار الجيش الروماني وإضعافه أمام القوى الخارجية 

وعندما اغتيل الإمبراطور ألكسندر سيفيروس على يد جنوده عام 235، أطلق هذا الحادث سلسلة من الأحداث التي أدّت إلى انهيار الإمبراطورية الرومانية بعد 200 عام. ولولا البراعة والعبقرية السياسية والعسكرية للإمبراطور أوريليان، لانهارت روما في وقتٍ أبكر. 

والجدير ذكره أنه بعدما وحّد أوريليان الإمبراطورية الرومانية مرةً أخرى، اغتاله جنوده الساخطون، فأتبع اغتياله حرب أهلية أخرى.

الحروب الأهلية أنهكت الإمبراطورية الرومانية/ Shutterstock
الحروب الأهلية أنهكت الإمبراطورية الرومانية/ Shutterstock

6- الفساد السياسي 

لم تخلُ الإمبراطورية الرومانية من الفساد، الذي بلغ ذروته في القرن الثالث ميلادياً والسنوات التي تلت، حين صار المسؤولون الحكوميون أكثر اكتراثاً برفاهيتهم الشخصية من رفاه الإمبراطورية. 

أدى ذلك تباعاً إلى صعوبة تحصيل الضرائب وتفعيل القوانين، وسرعان ما فقدت العديد من السلطات الرومانية ثقتها ببعضها، خوفاً من أن تطعن إحداها الأخرى من الظهر. ولعلّ غدر الحرس البريتوري أبلغ مثال على ذلك. 

فهذه المؤسّسة التي أُنشئت في الأساس لتكون صفوة حراس الإمبراطور، صارت واحداً من الأسباب الرئيسية لوفاة أعلى رأس في السلطة الرومانية. وعلى مدى تاريخ الإمبراطورية الرومانية، اغتيل عشرات الأباطرة الرومان على يد أفراد الحرس البريتوري. 

ظهر الحرس البريتوري في روما منذ العهد الجمهوري، حين أوكلت إليه مهام تشكيل فرقٍ صغيرة لمرافقة وحراسة كبار الشخصيات، وأعضاء مجلس الشيوخ، وقادة الجيش، وحكام المقاطعات. 

وإلى حين زوال الجمهورية، وقيام الإمبراطورية سنة 27 قبل الميلاد، حظيَ الحرس البريتوري بدورٍ ثانوي في روما. لكن مع صعود أغسطس قيصر، الذي شغل منصب أول إمبراطور، تغيّر وضع الحرس وحصل خلال فترةٍ وجيزة على مهامٍ أعلى شأناً، وتحوّل عناصره للحراس الشخصيين للإمبراطور.

وخلال القرون الثلاثة التالية، تعاظم دور الحرس البريتوري؛ فإضافةً إلى مهمة حراسة الإمبراطور، شغل أفراده مهام الشرطة السرية وحاكوا المؤامرات في البلاد، كما نهبوا الممتلكات وتكفلوا بتنفيذ أحكام الإعدام. وقد امتدّ تأثير الحرس البريتوري ليشمل أهم سلطة بالبلاد، فصار يعمد إلى قتل الأباطرة لتنصيب آخرين بدلاً منهم، بما يخدم مصالحه.

7- العوز الاقتصادي

لم تكن الحروب المستمرة التي خاضتها روما ضدّ جيرانها من دون ثمن. فقد وجدت الإمبراطورية الرومانية صعوبة في دفع تكاليف تجهيزات جيشها، الأمر الذي أدى إلى رفع الضرائب بصورة مستمرة.

ولأن الشعب لم يكن قادراً على دفعها، فقد أدّى ذلك إلى قتل أي مظهرٍ من مظاهر "الطبقة المتوسطة"، وأجبر أصحاب الأراضي الأغنياء على استحضار حيلٍ بسيطةٍ لإخفاء ثرواتهم. 

كذلك، فقد تسبب الاعتماد المفرط على عمل الرقيق في تعجيز الإمبراطورية خلال سنواتها الأخيرة.

ومع توقف توسعات روما، وتركيزها على الدفاع عن أراضيها، تضاءل تدفق الرقيق وغنائم الحروب الذي كان مستمراً قبل ذلك. وأدى هذا إلى تحول الشباب للعمل اليدوي الشاق، بدلاً من سعيهم إلى الانضمام للفيالق الرومانية والترقية في صفوفها. 

الخلاصة

يمكن أن يقدم سقوط الإمبراطورية الرومانية دروساً للبشرية حول الانهيار السياسي والاقتصادي والتردي المجتمعي، لكن الدرس الأهم تمثل في أن هذا السقوط جاء من الداخل وليس من الخارج فقط.

وإلى جانب الغزوات الخارجية، فقد أسهم القادة غير الأكفاء، والفساد الحكومي، والاقتصاد المنهك، والتفسخ المجتمعي في سقوط روما. 

وبالنظر إلى مدى عمق واستمرار هذه المشكلات، يبدو من المذهل أن الإمبراطورية الرومانية لم تسقط قبل وقتٍ طويل من تاريخ سقوطها الفعلي. ويُحسب لقادتها أنهم استطاعوا ضبط الأمور حتى القرن الخامس، رغم تضعضعهم الداخلي وانقساماتهم.

تحميل المزيد