يصادف الـ1 من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية 1954، والتي أدت إلى تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي الذي يعد واحداً من أطول الاحتلالات وأكثرها بشاعة خلال التاريخ الحديث، إذ قدم الجزائريون خلال 132 عاماً من الاحتلال (1830-1962) أرواحهم رخيصة في سبيل تحرير بلدهم الذي بات يُطلق عليه "بلد المليون شهيد".
احتلال فرنسا للجزائر وعلاقته بحادثة المروحة
قبل الخوض في تفاصيل اندلاع الثورة الجزائرية وأسبابها، دعونا أولاً نعُد إلى البداية، إذ بدأت معاناة الشعب الجزائري في عام 1827، عندما وقعت معركة نافارين جنوب غرب اليونان، التي دارت بين الأسطول العثماني ومعه الجزائري والمصري، وبين الأساطيل البريطانية والفرنسية والروسية من جهة أخرى.
انهزم العثمانيون، وكانت هذه بداية النهاية والانهيار البحري للأسطول العثماني، وسقوط الجزائر بعدها بأعوام تحت الاستعمار الفرنسي، ونقطة محورية في انفصال اليونان عن الحكم العثماني.
انتهزت فرنسا في هذا الوقت ضعف الدولة العثمانية والجزائر، خصوصاً أن أسطول الجزائر البحري قد انهار، وأصبحت المياه الإقليمية الجزائرية مفتوحة أمام القوات الفرنسية، التي كانت تخطط لاحتلالها قبل أعوام، وكان لذلك أسباب وعوامل مختلفة، كموقع الجزائر على البحر المتوسط، والاستفادة من خيرات هذا البلد ومن الكوادر البشرية فيه، واستعادة هيبتها كقوة استعمارية.
اتخاذ حادثة المروحة ذريعة لاحتلال الجزائر!
كانت حادثة المروحة الذريعة والسبب غير المباشر لإعلان فرنسا الحرب على الجزائر، ومن ثَمّ احتلالها في العام 1830 مدة زادت على 130 عاماً.
بدأت القصة في 29 أبريل/نيسان 1827 الذي كان هذا اليوم يوافق أول أيام عيد الفطر عندما زار القنصل الفرنسي بيار دوفال قصر الباشا العثماني الداي حسين الذي تولى حكم الجزائر في سنة 1818.
وكان من التقاليد السياسيّة حينها قيام قناصل الدول الأجنبية بزيارة الباشا في المناسبات المهمة.
وخلال الجلسة دار حديث بين الداي حسين والقنصل الفرنسي حول الديون المستحقة للجزائر لدى فرنسا، وكانت هذه الديون جزءاً من مساعدة الجزائر لفرنسا أثناء حصار الدول لها بسبب إعلان الثورة الفرنسية.
القنصل الفرنسي ردّ على الداي حسين رداً غير لائق، فأمره الباشا بالخروج، لكن القنصل لم يخرج، فلوَّح له الباشا العثماني بالمروحة التي كانت في يده، وقيل إنه ضربه بها على وجهه، فسمّيت هذه الحادثة باسم حادثة المروحة.
كتب القنصل لبلاده بما جرى، وضخّم الحدث فاتخذت فرنسا هذا السبب ذريعة لاحتلال الجزائر.
في 12 يونيو/حزيران 1827 بعث شارل العاشر الأسطول الفرنسي للجزائر، بحجة استرجاع مكانة وشرف فرنسا.
وجاء قبطانها إلى الباشا الداي حسين وعرض عليه خيارات للاعتذار للقنصل.
الباشا العثماني لم يقبل كل الخيارات، فحاصر الفرنسيون الجزائر لمدة 6 أشهر، بدأوها بشن هجمات على ميناء طولون، بمشاركة 37 ألف جندي، ومع حلول 14 يونيو/حزيران 1830، تمكَّنت الحملة الفرنسية من الوصول لمنطقة سيدي فرج، وأحكمت قبضتها على البلاد، وفي 5 يوليو/تموز من العام ذاته، سلم الداي حسين مدينته للقوات الفرنسية ليبدأ الاحتلال الفرنسي للبلاد، الذي بدأ مباشرة بمحاولاته لتجهيل الشعب الجزائري والتلاعب بثقافته، بل حاول تغيير دينه، لينتهي الأمر باحتلال كامل الجزائر.
أما الأسباب الحقيقية للاحتلال فكانت الديون التي أثقلت كاهل الحكومة الفرنسية بسبب اندلاع الثورة الفرنسية 1789 وعزلها من قبل حلفائها العسكريين وشركائها التجاريين لا سيما النمسا، وروسيا، والإمارات الجرمانية الكاثوليكية.
ويُعتقد أن الديون الفرنسية قبل احتلال فرنسا للجزائر بلغت نحو 28 مليون فرنك ذهبي فرنسي، أي نحو 262 مليون يورو حالياً، وهو مبلغ خيالي لدولة في القرن التاسع عشر.
أسباب اندلاع الثورة الجزائرية
منذ اليوم من دخوله الجزائر، اتخذ الاحتلال الفرنسي سياسة واضحة وهي محو ثقافة البلاد وتحويلها إلى ثقافة تبعية لها، وتفريس لغتها وطمس جميع معالمها العربية.
وللوصول إلى تلك الأهداف، اتخذ الجنرال الفرنسي توماس روبير بيجو مباشرة من ارتكاب الجرائم والإبادة الجماعية سياسة له، لتغيير ديموغرافية البلاد والقضاء على أي فكرة للمقاومة.
ونقل مؤلف كتاب "جرائم فرنسا في الجزائر" على لسان أحد الضباط الفرنسيين قوله: "لقد كانت حملتنا تدميراً منظماً أكثر منها عملاً عسكرياً، نمضي أوقاتنا في حرق القرى والأكواخ، كم من نساء وأطفال تجمعوا في جبال الأطلس العالية المكسوة بالثلوج فماتوا هناك من البرد والجوع".
أما ثاني الخطوات وأخطرها التي اتخذها الاحتلال فكانت محاربة اللغة العربية، وفرنسة البلاد من خلال إجبار الطلاب في كافة المراحل على استخدام الفرنسية بدلاً من العربية كلغة واحدة فقط، إضافة لشطب أسماء الشوارع والمعالم العربية واستبدالها بأسماء فرنسية.
وثالثاً، حاول الفرنسيون تنصير الشعب الجزائري، من خلال تحويل المساجد إلى كنائس أو ثكنات عسكرية أو إسطبلات للخيول، إضافة إلى تشجيع البعثات التبشيرية في البلاد بعد مصادرة الأوقاف الإسلامية.
أما الخطوة الرابعة فكانت جعل الجزائريين يعيشون في فقر مدقع، من خلال مصادرة أراضيهم ومنحها لفرنسيين أو متفرنسين أوروبيين.
وعلى الرغم من سياسة فرنسا الشرسة، فإن الجزائريين قاوموا الاحتلال منذ عامه الأول، وخاض ثورات كثيرة ضد المحتل بقيادة علمائه وشخصياته البارزة، وكانت أولاها ثورة عبد القادر بن محيي الدين عام 1832، والذي قاومهم طيلة 15 عاماً قبل أن يقع في الأسر في 1874.
لتتبعه العديد من الثورات والمقاومات مثل مقاومة أحمد باي في منطقة قسنطينة عام 1837، وثورة محمد بومعزة عام 1854، ومقاومة الخليفة أحمد بن سالم في الأغواط، وثورة الزعاطشة عام 1848، إضافة إلى الكثير من الحركات الصغيرة على مدار عشرات السنوات التالية والتي كانت تسبب الإزعاج للفرنسيين.
بالإضافة إلى ذلك نشأت العديد من الحركات التحريرية على امتداد الجغرافيا الجزائرية، أبرزها كانت "حركة نجم شمال إفريقيا"، التي تأسست سنة 1926 في باريس بقيادة مصالي الحاج، قبل أن تتحول سنة 1937 إلى "حزب الشعب الجزائري"، ثم إلى "حركة انتصار الحريات الديمقراطية" سنة 1946.
مجازر 8 مايو
في يوم 8 مايو/أيار 1945، وهو اليوم ذاته الذي وصلت فيه أنباء استسلام ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، اندلعت انتفاضة عفويّة في مدينة سطيف الجزائرية وبعض القرى المجاورة.
أثارت هذه المظاهرات رد فعل عنيفاً من قبل سلطات المستعمر الفرنسيّ ودفعته إلى ارتكاب مجازر بحق الجزائريين فيما عُرف باسم "مجازر 8 مايو" أو كما يطلق عليها أيضاً اسم "مذبحة سطيف".
بدأت القصة في مدينة سطيف وهي من أهم مدن الشرق الجزائري، عندما تم التخطيط للاحتفال بسقوط قوات المحور في الحرب العالمية الثانية، ومن ضمن هذا الاحتفال تم التخطيط لرفع أعلام دول الحلفاء وأبرزها: (الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفييتي، والصين، وفرنسا، وبولندا، وكندا وغيرها).
كانت هذه الاحتفالية فرصة سانحة لمؤيدي حزب الشعب الجزائري الوطني الذي أسسه مصالي الحاج في العام 1937، من أجل رفع العلم الجزائري في الاحتفال؛ للفت الأنظار إلى مطالبهم بشأن استقلال الجزائر عن فرنسا.
لكن السلطات الفرنسية- وفقاً لما ذكره موقع History of Yesterday التاريخي– حظرت تماماً أي عرض قومي للجزائريين في الاحتفالات، لكنّ شاباً يبلغ من العمر 26 عاماً فقط يدعى "بوزيد سعال"، أبى إلا أن يرفع العلم الجزائري، فقام شرطي يدعى "أوليفيري" بإطلاق النار عليه وإردائه قتيلاً، وهي اللحظة التي باتت بمثابة إعلان رسمي باندلاع الانتفاضة الجزائريّة بوجه الفرنسيين.
أثارت حادثة مقتل بوزيد سعال سخط الجزائريين في سطيف وباقي المدن الجزائرية، بدأ الناس بالخروج في المظاهرات واتسعت رقعتها فتحولت إلى انتفاضة شعبيّة كاملة، كما انقلب حشد غاضب على البعثة الفرنسية وقتلوا قائدها.
وصلت أخبار الانتفاضة الشعبية إلى العاصمة باريس، فتم إرسال الجنرال ريموند دوفال مصحوباً بقوة عسكرية كبيرة لقمعها.
على مدار عدّة أيام نفذ الاستعمار الفرنسي وميليشياته عمليات قتل جماعية بحق الجزائريين، في عدة مناطق، أبرزها: سطيف والمسيلة وقالمة وخراطة وسوق أهراس، ولم تستثنِ الأطفال ولا النساء ولا كبار السن، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الجزائريّة.
وأضافت الوكالة أن القوات الفرنسية أعدمت كثيراً من المدنيين عن طريق إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة، بينما نُقل آخرون في شاحنات ليتم دفعهم إلى الوديان، أو إخراجهم من المدن وإعدامهم قبل حرق جثثهم، ومن ثم دفنهم في مقابر جماعية، وأن الفرنسيين استخدموا أيضاً أفران الجير؛ للتخلص من جثث الضحايا.
وتقدّر الوكالة مقتل نحو 45 ألف جزائري خلال تلك المذبحة، في حين تقول مصادر غير رسمية إن الأعداد تتجاوز ذلك الرقم.
في حين قالت وكالة أنباء روسيا اليوم إن قوات الجيش الفرنسي بدأت عملياتها ضد المتظاهرين الجزائريين في سطيف في 14 مايو/أيار، فأرسل الطراد (Duguay-Trouin) حممه على المدينة، إضافة إلى المدفعية الثقيلة، دخلت عقب ذلك ساحة المجزرة الطائرات الحربية التي حولت سطيف إلى ركام مرسلة عليها 41 طناً من القنابل، وبالنهاية دخل المشاة إلى المنطقة لتنظيفها من الأحياء.
كانت هذه المذبحة الشنيعة كفيلة بإيقاف الانتفاضة الشعبية، لكنها كانت بمثابة شرارة قابلة للاشتعال في أي لحظة، وكانت اللحظة المناسبة في عام 1954 عندما انتشرت أخبار في الجزائر عن تعرض الفرنسيين لهزيمة ساحقة في ديان بيان فو، على يد الفيتناميين وبأنها بدأت تنسحب من مستعمراتها في جنوب شرقي آسيا، ما أعاد للجزائريين تطلعاتهم القديمة إلى الاستقلال.
إبادة ثلثي سكان الأغواط الجزائرية بالكيماوي
كانت مدينة الأغواط مهمةً جداً للقوات الفرنسية، كونها بوابةً للصحراء من جهة، ومن جهة أخرى معقلاً للثورات الشعبية التي أرهقت كاهل الفرنسيين.
في شهر مايو/أيار 1844، أرسلت فرنسا أول بعثة استطلاعية إلى مدينة الأغواط، حين أرسلت حامية من 1700 جندي لأخذ جولة فيها.
بعد تلك الجولة، كتب الحاكم الفرنسي العام للجزائر الجنرال بيجو إلى المارشال سولت، وزير الحربية في حكومة نابليون الثالث، رسالة يؤكد فيها على ضرورة احتلال مدينة الأغواط.
كانت رسالة الجنرال بيجو مقدمةً للحملة الفرنسية على مدينة الأغواط، ففي مارس/آذار 1852م، توجهت بعثة عسكرية ثانية إلى المدينة، وهناك وجدت الثائر الجزائري الشريف محمد بن عبد الله قد اتخذ رفقة الثائر الناصر بن شهرة مدينة الأغواط عاصمةً لمقاومتهما.
في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1852، قررت فرنسا شنّ هجومٍ كاسحٍ على المدينة، من أجل احتلالها والقضاء على الشريف محمد بن عبد الله وناصر بن شهرة.
بعد يوم من ذلك، حوصرت المدينة بثلاثة جيوش فرنسية، من الغرب كتائب تحت قيادة قائد الحملة الجنرال بليسي، ومن الشمال جيش من كتائب الزواف بقيادة الجنرال يوسف، ومن الشرق جيش بقيادة الرائد بان.
قابل ثوار مدينة الأغواط، الحصار الفرنسي بمقاومة شرسة كبّدوا فيها الجيش الفرنسي خلالها خسائر فادحة، منها مقتل الجنرال بوسكرين على يد المقاومين الجزائريين.
ردّ الجيش الفرنسي كان قاسياً، فشرع في 3 ديسمبر/كانون الأول في قصف مدفعي كثيف على مدينة الأغواط، استعمل في القصف قذائف معبأة بالكلوروفورم، وهي مادة كيميائية سامة، إذ يؤدي استنشاقها إلى حدوث اختناقٍ شديدٍ يؤدي إلى موت الضحية.
بعد القصف المكثف، تحوّلت المعركة إلى معركة شوارع، استعمل فيها الجيش الفرنسي كل قوته.
سقط في هذه المجزرة نحو 2500 قتيل جزائري من مجموع 3600 ساكن، أي إنّ القوات الفرنسية قتلت ثلثي سكان المدينة خلال هذه المجزرة.
وعرفت هذه الفاجعة في الذاكرة الشعبية بالجزائر بـ"عام الخلية"، أو عام "الشكاير"، وذلك كناية عن المجزرة المروعة التي شهدتها مدينة الأغواط سنة 1852.
الخلافات الداخلية بين قادة المقاومة
وبعد عدّة سنوات، وفي خضم محاولة حركات المقاومة جمع شتات نفسها، بدأت بوادر الخلافات تظهر داخل حركة "انتصار الحريات الديمقراطية" في عام 1953، وتحديداً بين رئيس الحركة مصالي الحاج وأعضاء اللجنة المركزية للحركة، وقد تسبب هذا الانقسام في إحداث أزمة كبيرة وعرقلة الحركة والمناضلين في المنظمة الخاصة.
ومن ثم تدخل السياسي الجزائري محمد بوضياف مع بعض قياديي اللجنة المركزية لحل الخلاف، من خلال إنشاء لجنة أعطي لها اسم "اللجنة الثورية للوحدة"، والهدف منها كان توحيد صفوف الحركة المنقسمة والدفع بها إلى القيام بالثورة، ولكن هذه المساعي باءت بالفشل.
إنشاء مجموعة 22 التاريخية شكّل نقطة تحوّل في تاريخ الجزائر
بعد فشل توحيد صفوف الحركة المنقسمة، عمل بعض السياسيين والقياديين في يوليو/تموز 1954، على لمّ شمل المناضلين من أجل خلق تنظيم جديد، هدفه إعادة توحيد الصفوف للانطلاق في العمل المسلح ضد الاحتلال الفرنسي وإطلاق الثورة.
شكَّل هذا الاجتماع نقطة تحوُّل في مسار تحرير الجزائر وسميت تلك المجموعة "مجموعة 22 التاريخية"، بعدما شكلت نواة وطنية لثورة شعب بأكمله.
الاجتماع الذي تم في منزل إلياس دريش بحيّ المدينة، ضم كلاً من محمد بوضياف، ديدوش مراد، مصطفى بن بولعيد، محمد العربي بن مهيدي، رابح بيطاط، زيغود يوسف، عبد الله بن طوبال، عبد الحفيظ بوصوف، سويداني بوجمعة، بن عبد الملك رمضان، باجي مختار، عمار بن عودة، حباشي عبد السلام، عبد القادر لعمودي، بلحاج بوشعيب، عثمان بلوزداد، بوعلي السعيد، بوعجاج الزوبير، مرزوقي محمد، ملاح سليمان، مشاطي محمد، إلياس دريش.
اختار وقتها الجميع مصطفى بن بولعيد رئيساً لاجتماع مجموعة 22 التاريخية، ثم قدّم بوالضياف تفسيره لفشل جهود اللجنة الثورية للوحدة والعمل، وأنه لم يعد هناك خيار إلا العمل المسلح.
كما قدّم بوالضياف تقريراً عن الإنجازات التي حققها أعضاء المنظمة الخاصة من عام 1940 حتى 1954.
وأخيراً انتهى الاجتماع بالمصادقة على لائحة ضمت هذه النقاط:
- الحياد وعدم الدخول في الصراع بين "المِصاليِّين والمركزيين".
- العمل على توحيد جناحي الحزب.
- تدعيم موقف اللجنة الثورية للوحدة والعمل على أهدافها الثلاثة "الثورة، الوحدة والعمل".
- تفجير الثورة في تاريخ تحدده لجنة مصغرة.
تناقَش الحاضرون في مجموعة 22 التاريخية الإمكانات البشرية والمادية والعسكرية، وعيّن بوالضياف لجنة متكونة من مصطفى بولعيد وبمحمد العربي بن مهيدي ووديودش مراد ورابح بيطاط، فقرروا ما يلي:
- تعيين منسق للثورة تحت قيادة جماعية وبدون زعامة فردية.
- تحديد ساعة الصفر.
بيان فاتح نوفمبر 1954
استكمل المناضلون اجتماعاتهم السرية، إلى أن التقت اللجنة المصغرة بمشاركة كريم بلقاسم في شهر أكتوبر/تشرين الأول 1954 في منزل بوقشرة الكائن ببلدية رايس حميدو في العاصمة، ليحمل بعدها اسم "منزل اجتماع الستة".
قسمت اللجنة الجزائر إلى 6 مناطق، وحددت ساعة الصفر منتصف ليل الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، موعداً لانطلاق الثورة في جميع المناطق.
أطلقت المجموعة وقتها بيان رقم واحد، أو "بيان فاتح نوفمبر/تشرين الثاني"، الذي اعتبر دستور الثورة الجزائرية ومرجعها محدداً المطالب، بعدما كتبه الصحفي محمد العيشاوي في بيت المناضلين رابح إيدير وأعمر بن رمضاني في قرية إيغيل إيمولا.
أما أبرز ما جاء في بيان أول نوفمبر/تشرين الثاني: "أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية، أنتم الذين ستصدرون حكمكم بشأننا ـ نعني الشعب بصفة عامة، والمناضلين بصفة خاصةـ نُعلمُكم أن غرضنا من نشر هذا الإعلان هو أن نوضح لكم الأسباب العميقة التي دفعتنا إلى العمل".
وأضاف البيان: "نوضح أننا مستقلون عن الطرفين اللذين يتنازعان السلطة، إن حركتنا قد وضعت المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات التافهة والمغلوطة لقضية الأشخاص والسمعة، ولذلك فهي موجهة فقط ضد الاستعمار الذي هو العدو الوحيد الأعمى، الذي رفض أمام وسائل الكفاح السلمية أن يمنح أدنى حرية".
في حين ذكر البيان الخطوط العريضة الأهداف المرجوة وهي:
الهدف الرئيسي: الاستقلال الوطني
وذلك بواسطة:
- إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية.
- احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.
الأهداف الداخلية
التطهير السياسي بإعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي والقضاء على جميع مخلفات الفساد وروح الإصلاح التي كانت عاملاً مهماً في تخلفنا الحالي.
تجميع وتنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائري لتصفية:
- النظام الاستعماري.
- الأهداف الخارجية
- تدويل القضية الجزائرية.
أبرز محطات الثورة الجزائرية بعد انطلاقها
اندلعت حرب التحرير الجزائرية في أول نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1954، بمشاركة حوالي 1200 مجاهد جزائري، كان بحوزتهم ما يقارب 400 قطعة سلاح، وبعض القنابل اليدوية فقط.
أول رصاصة أطلقت كانت من جبال الأوراس شرقي الجزائر في الموعد المحدد، وتواترت العمليات المسلحة في مناطق مختلفة من البلاد.
حاول الفرنسيون إخماد الثورة الجزائرية بكل الطرق، من خلال سجن كثير من الجزائريين، أو من خلال إمداد قواتهم هناك بكثير من الأسلحة والإمدادات، أو حتى من خلال مساعدة ميليشيا "اليد الحمراء" التي شكلها المستوطنون الفرنسيون لخطف وتعذيب الجزائريين، لكن كل هذه الإجراءات من قوات الاحتلال لم تستطع إخماد الثورة المشتعلة.
اختطاف طائرة زعماء الثورة الجزائرية 1956
مع دخول ثورة التحرير الجزائرية عامها الثاني في 1956، لم يكن لدى الفرنسيين أي حل سوى التخلص من قادة الثورة؛ لإفشالها.
وجاءت الرياح كما تشتهي السفن الفرنسية، عندما علِموا أن 5 من قادة جبهة التحرير الوطني مدعوون للمشاركة في قمة "مستقبل المغرب العربي" التي ينظمها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة؛ من أجل التنسيق للنضال المشترك ضد الاستعمار.
رأت أجهزة المخابرات الفرنسية بعد اطلاعها على هذه الرحلة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، أنها أمام فرصة قد لا تعوض لاحتجاز الرؤساء الخمسة لجبهة التحرير الوطني، فأعطت أوامرها لتنفيذ عملية القرصنة تحت حماية سَريّة من الطائرات المقاتلة الفرنسية، وفقاً لما ذكره المركز الوطني الجزائري للأبحاث التاريخية.
مؤتمر الصومام
يعتبر مؤتمر الصومام الذي أقيم في قرية إيفري بولاية بجاية الجزائرية في 20 أغسطس/أب 1956، أول المؤتمرات التي تبنتها مجموعة الـ22 التاريخيّة خلال اندلاع الثورة الجزائرية ضد الفرنسيين.
وكانت أبرز نتائجه توحيد النظام العسكري والسياسي، مع وضع خريطة جديدة للجزائر وفقاً لظروف الحرب، واستبدال تسمية المنطقة بالولاية، والعمل على إضعاف الجيش الفرنسي والإخلال بالوضع في فرنسا إلى أقصى الحدود اقتصادياً واجتماعياً.
وكان من المفترض أن يعقد مؤتمر ثانٌ لمناقشة نتائجه بعد عام كامل، لكنّ استشهاد بعض مؤسسيه حال دون إقامته مجدداً.
وأضاف بن بلة في لقاء له ببرنامج "شاهد على العصر" على قناة "الجزيرة": أن ذلك المؤتمر الذي تبنته مجموعة الـ22 التاريخية، كانت نتائجه كارثية بالنسبة لنا".
وأوضح أنه "عند الاتفاق على الذهاب إلى مدريد كان في مصر بضيافة الرئيس جمال عبد الناصر يناقش مسألة دعمهم بالسلاح، بينما آيت أحمد كان في الولايات المتحدة".
وتابع: "وأنا في طريقي إلى مدريد سمعت أنّ الملك الحسن الثاني أتى إلى هناك وحضر اجتماعاً مع القادة الواصلين قبلي، وأخذهم بطائرته الخاصة، باتجاه تطوان في الريف الكبير بالمغرب، وعندما وصلت لم أجد أحداً، فتواصلت معهم فقالوا إن الحسن الثاني أخذهم إلى المغرب من أجل الذهاب مع والده الملك محمد الخامس لحضور قمة تونس".
في حين أشار بن بلة إلى أنه كان من المفترض أن يرافقهم الملك المغربي محمد الخامس على الطائرة نفسها، لكنه أخبرهم بأنَّ عائلته ستذهب معه فاقتضى البروتوكول أن يسافروا وحدهم في طائرة خاصة.
في الـ22 من أكتوبر/تشرين الأول، استقل القادة الـ5 رفقة 10 صحفيين طائرة خاصة من نوع "دوغلاس دي سي-3″ تابعة لـ"طيران أطلس" التي اندمجت فيما بعد مع شركة طيران المغرب لتشكيل الخطوط الملكية المغربية.
ومن بين الصحفيين المسافرين كان توم برادي الذي يعمل في صحيفة New York Times الأمريكية، وإيف دو شامب الذي يعمل في صحيفة نوفيل أسرفاتور L'Obs الفرنسية، وفقاً لما ذكره موقع News in 24.
في حين لم يكن طاقم قيادة الطائرة "DC3" التابعة لشركة أطلس المغربية، يعلم بهويَّة الركاب الذين كانوا على متنها، إلا أنهم تلقوا تعليمات صارمة من السلطات المغربية بأن يكون مسار تحليقها فوق المياه الدولية وأن لا يدخل الأجواء الجزائرية، ولذلك تقرر أن تتجه الطائرة من المغرب باتجاه إسبانيا ومن ثم نحو تونس.
وبالفعل أقلعت الطائرة التي استأجرها ملك المغرب خصوصاً لقادة الثورة، من مطار الرباط سلا الدولي، ووصلت بسلام إلى مطار بالما دي مايوركا في إسبانيا؛ من أجل التزود بالوقود.
ومن ثم عاودت إقلاعها مجدداً نحو العاصمة التونسية، ولكن بعد ساعة من الإقلاع، أصدرت مراقبة الحركة الجوية العسكرية الفرنسية بالجزائر أمراً رسمياً للطائرة التي كانت تحلّق فوق المياه الدولية، بالهبوط في الجزائر.
وبأوامر من السلطات المغربية حاول طاقم الطائرة تجاهل أوامر المراقبين الجويين، والالتفاف من أجل العودة نحو الأراضي المغربية، ليفاجأوا بطائرة عسكرية فرنسية من نوع " Dassault MD 315 Flamant" انطلقت نحوهم من قاعدة بوفاريك الجوية العسكرية التي حاولت مضايقتهم في الجو.
وعلى الرغم من محاولة الطائرة المغربية الملكية الفرار منها، فإنها استسلمت في نهاية الأمر وحطت فوق مطار هواري بومدين الدولي في الدار البيضاء بالجزائر عند الساعة الـ9:20 مساءً.
بمجرد هبوط الطائرة على أرض مطار هواري بومدين، كان بانتظار القادة الجزائريين عدد كبير من ضباط المخابرات الفرنسية، الذين صعدوا إلى الطائرة واعتقلوهم وفقاً لـ"بن بلة" الذي أكّد أنهم لم يعرفوا أن طائرتهم اختُطفت حتى هبطوا على أرض المطار، لدرجة أنهم لم يسمعوا أو يروا الطائرات الحربية الفرنسية التي أجبرت طائرتهم على الهبوط.
ووفقاً لموقع أصوات مغاربية فقد تمّ اقتياد القادة الـ5 بالأغلال إلى القاعة الشرفية في المطار، وسط هتاف القوات الخاصة الفرنسية "انتصرنا انتصرنا"، أما بن بلة فقد حاول المقاومة، لكن رفاقه نصحوه بالكف عن ذلك؛ نظراً إلى أعداد الجنود الفرنسيين التي تحيط بهم، في حين صاح آيت أحمد في وجه ممثل الحاكم العام للجزائر "روبرت لاكوست": "أطلقوا علينا النار وأريحونا".
ويقول بن بلة: "بعد انتشار خبر اختطافنا اندلعت انتفاضات شعبية في الدول المغاربية الثلاث، حيث خرج الناس في تونس والمغرب إلى الشارع يهجمون على الفرنسيين بالسكاكين والفؤوس وقتلوا منهم الكثير"، مضيفاً أن "الملك محمد الخامس غضب غضباً شديداً للأمر، وهدد فرنسا بالحرب رداً على اختطافنا".
في النهاية حوّل قادة عملية الاختطاف الزعماء الخمسة إلى مقر جهاز الاستخبارات في منطقة بلدية القبة بالعاصمة الجزائرية، وسط إجراءات أمنية عسكرية مشدّدة للتحقيق، قبل تحويلهم إلى السجن بفرنسا، إذ تم سجنهم هناك في عدة سجون، منها: Fresnes وTurquin وAix، قبل أن يتم إطلاق سراحهم بعد إقرار وقف إطلاق النار في مارس/آذار 1962.
استمرار الثورة حتى تحرير الجزائر
وعلى الرغم من العديد المواقف المحبطة مثل اغتيال أبرز قيادات ومفجري الثورة، وهو رمضان بن عبد المالك، وأسر أحمد زبانة في معركة "غار بوجليدة"، وباجي مختار وبلقاسم قرين، فإنّ الجزائريين لم يستسلموا واستمروا في ثورة التحرير.
واستطاعوا رغم قلة الإمكانات مقارنة بقوة الفرنسيين الكبيرة، تنفيذ بعض العمليات المصنفة ضمن حرب الشوارع، كما مارسوا الحرب النفسية ضد الفرنسيين، واستطاعوا إحداث التغيير بعد أن حصلوا على دعم الشارع الجزائري للثوار الجزائريين، وكان تأثيره أقوى من السلاح.
استطاعت جبهة التحرير بصفتها الجهة الوحيدة المعبرة عن تطلعات الجزائريين في الاستقلال، جذب فئات مختلفة من الشعب من الوجهاء المحليين، والعلماء، والجبهات الإسلامية التي شاركت في الحرب ضد المستعمر، فانطلقت الإضرابات العمالية في الجزائر، حيث بدأت بإضراب عام في مصنع (سومل)، لمدة 24 يوماً، وقد نجح هذا الإضراب، لتتوالى فيما بعد الإضرابات الناجحة التي زادت من الضغوط على الحكومة الفرنسية، إضافة لحصول الثوار على تأييد الجزائريين في فرنسا، ومثقفي فرنسا أنفسهم.
ثم في عام 1959 أصبح شارل ديغول رئيساً لفرنسا، وتحدث بعد توليه عن حق تقرير المصير للجزائريين، وهو ما اعتبره المستوطنون الفرنسيون خيانة لهم، فقاموا بتمرد في الجزائر، مدعوم من بعض وحدات الجيش، إلا أن التمرد فشل، ومثّل ذلك نقطة تحول في الموقف الرسمي الفرنسي.
استمرت الثورة على مدار نحو 8 سنوات حتى العام 1962، شهدت في أواخرها محادثات إيفيان التي استمرت مدة عام مع وقف إطلاق النار بين الطرفين.
وفي الثالث من يوليو/تموز عام 1962، تم توقيع مرسوم استقلال الجزائر، غير أن جبهة التحرير أقرت الخامس من يوليو/تموز يوماً للاستقلال، وغادر جميع الفرنسيين من الجزائر بعد احتلال دام أكثر من 132 عاماً استشهد خلاله 1.5 مليون جزائري، لينتهي بذلك الاحتلال الفرنسي للجزائر، وليتم تعيين أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال.
ماذا حل بأعضاء مجموعة 22 التاريخية؟
1- بن عبد الملك رمضان: سقط شهيداً عام 1954.
2- زيغود يوسف: سقط شهيداً عام 1955.
3- باجي مختار: سقط شهيداً عام 1955.
4- ديدوش مراد: سقط شهيداً عام 1955، وكان عمره 28 عاماً فقط.
5- سويداني بوجمعة: استشهد عام 1956 في كمين فرنسي.
6- مصطفى بن بولعيد: اغتالته فرنسا بمذياع ملغم، عام 1956.
7- محمد العربي بن مهيدي: أعدمته فرنسا بعد تعذيبه عام 1957.
8- ملاح سليمان: استشهد عام 1957 بعدما قتله خائن بالرصاص.
9- بوعلي السعيد: سقط شهيداً عام 1959.
10- عبد الحفيظ بوصوف: توفي 1990 في باريس بعدما أسس جهاز مخابرات قوياً للثورة، وساهم في تجنيد فرنسيين وأجانب.
11- محمد بوضياف: اغتيل عام 1992 من قبل أحد حراسه في ظروف ما زالت غامضة حتى اليوم.
12- رابح بيطاط: توفي عام 2000 بعد عمله الطويل في السياسة.
13- إلياس دريش: توفي عام 2001 بعد اعتزاله السياسة إثر الاستقلال.
14- حباشي عبد السلام: توفي عام 2008.
15- مرزوقي محمد: توفي بعد مرض عضال في عام 2008.
16- لخضر بن طوبال: توفي عام 2010 إثر صراع مع المرض.
17- بلحاج بوشعيب: توفي العام 2012 عن عمر 94 سنة.
18- بوعجاج الزوبير: توفي عام 2014 عن عمر 89.
19- مشاطي محمد: توفي عام 2014 عن عمر 93 سنة.
20- عمار بن عودة: توفي عام 2018 عن عمر 93 سنة.
21- عبد القادر لعمودي: توفي عام 2020 عن عمر 95 سنة.
22- عثمان بلوزداد: توفي عام 2022، ليطوي بوفاته آخر صفحة من صفحات نضال مجموعة 22 التاريخية.