يُعتبر الآزتيك من الهنود الحمر، أو الشعوب الأصلية في الأمريكتين، وقد ازدهرت حضارة الآزتيك خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر في المكسيك، وتمركزت بالتحديد في مدينة "تينوختيتلان" القديمة، أو ما يُعرف اليوم بـ"مكسيكو سيتي".
دُمّرت إمبراطورية الآزتيك بعد الغزو الإسباني عام 1519، عندما سيطرت عليهم قوات الجندي المغامر إرنان كورتيس، ولكن حضارتهم كان لها تأثير مهم على تطور الثقافة المكسيكية. فالكثير من المكسيكيين المعاصرين ينحدرون من سلالة شعب الآزتيك.
عُرف الآزتيك بتضحياتهم البشرية، وتُشير السجلات الفنية والأثرية والنصية، العائدة لهذه الحقبة التاريخية إلى أن التضحيات البشرية كانت تحدث بصورةٍ منتظمة في العاصمة تينوختيتلان، وتحديداً داخل "تيمبلو مايور"، أحد أكبر المعابد في المدينة، حيث عُثر على رفاتٍ مكدّسة لبقايا جماجم الأضاحي البشرية.
مورست التضحية البشرية بشكلٍ روتيني إرضاءً للآلهة، وقد دُفنت أطلال معابد حضارة الآزتيك أسفل شوارع وساحات المدينة.
لكن علماء الآثار، وأثناء التنقيب في أواخر تسعينيات القرن الماضي، اكتشفوا رفات شاب يبلغ من العمر 20 عاماً مقطوع الرأس، ويجلس في وضعية القرفصاء عند قاعدة الدرج الرئيسي لمعبدٍ دائري يخصّ الإله إيكاتل، إله الريح عند شعب الآزتيك.
ما جعل هذا الاكتشاف مهماً هو العثور على هيكلٍ عظمي، يعود لأحد ضحايا ممارسة التضحية البشرية، وبيده صفارات صغيرة مزيّنة بجمجمة وجهٍ مخيف. سرعان ما أدرك علماء الآثار أن صورة الجمجمة تُمثل "أكولمزتلي"، إله العالم السفلي عند الآزتيك.
ومنذ ذلك الحين، بات العالم مفتوناً بتلك الآلة الغامضة المُكتشفة، والتي تُعرف باسم "صفارة الموت الآزتيكية".
ما هي صفارة الموت الآزتيكية؟
إذا كتبت على محرّك البحث "غوغل" عبارة "صفارة الموت الآزتيكية"، ستجد مقالات تزعم أن الصرخات الصادرة عن تلك الصفارة استخدمها الآزتيك لترويع الأعداء، أثناء المعركة، أو أنها محاكاة لصرخات التضحيات البشرية المؤلمة.
لكن الحقيقة وفقاً لموقع How Stuff Works، هي أننا لا نعرف سوى القليل جداً عن كيفية استخدام شعب الآزتيك لهذه الصفارة، أو حتى كيف بدا صوتها في الواقع عندما يعزف عليها كاهن أو موسيقي من الآزتيك.
ما يُمكن استنتاجه، من الأطلال المكتشفة في مدينة مكسيكو، هو أن صفارة الموت الآزتيكية كانت بلا شك ذات أهمية في الطقوس الدينية والاحتفالية، وربما استُخدمت لإرشاد أرواح الموتى عبر الحياة الآخرة.
آلة تتحدى التصنيف
أرند أدج بوث، وهو عالم آثار موسيقية يفحص الآلات الموسيقية القديمة ويحاول اكتشاف الثقافة الموسيقية لتلك الفترة، كان مفتوناً بالآلات الموسيقية لحضارات أمريكا الوسطى خلال العصر ما قبل الكولومبي، حيث ازدهرت ثلاث حضارات: الأولمك، والمايا، والآزتيك.
فحص بوث صوراً مقطعية لصفارة الموت الآزتيكية، حتى يفهم هيكلها الداخلي والصوتيات المستندة إليها، واستطاع صناعة نسخ طبق الأصل منها.
اكتشف بوث أنها كانت نوعاً من الصفارات ذات نابض، اخترعها شعب المايا لأول مرة في الفترة الممتدة بين عامَي 700 و800. وعندما يُنفخ الهواء عبر أنبوب، يتداخل مع النابض أو الزنبرك -وهو سلك ملوي بشكل حلزوني داخل أنبوب داخلي مستدير- ينتج عنه تشوهات في الصوت الصادر.
يقول بوث: "لا تتناسب صفارات النابض مع التصنيفات الغربية لآلات النفخ الهوائية -الأبواق أو المزامير- ما يعني أنها فريدة من نوعها في جميع أنحاء العالم، وكان إنتاجها مقتصراً على الولايات المتحدة في العصر ما قبل الكولومبي".
كيف تتوافق صفارة الموت مع معتقدات الآزتيك؟
وفقاً لبوث، ليس من قبيل المصادفة أن هيكل الضحية البشرية الجالس القرفصاء -عند قدمَي إله الريح "إيكاتل"- كان يحمل زوجاً من صفارات الموت. ثمة علاقة قوية في أساطير حضارة الآزتيك بين إله الريح وإله العالم السفلي "أكولمزتلي".
يأتي الدليل الأبرز من مخطوطة توضيحية رائعة تُسمى Codex Borgia، وتعود إلى العصر ما قبل الكولومبي. تصوَّر تلك المخطوطة آلهة حضارة الآزتيك، بالإضافة إلى تاريخ هذا الشعب ودراساتهم عن النجوم وعلم النباتات وأشياء أخرى.
وفقاً لبوث، تُظهر صفحة واحدة من مخطوطة Codex Borgia الإلهين "إيكاتل وأكولمزتلي" يقفان ظهرهما لبعض، بحيث يحرسان مدخل العالم السفلي ويُمثّلان الموت والحياة.
يعتقد شعب الآزتيك أنه عندما يموت شخص ما، يجب عليه السير في رحلة خطيرة للغاية باتجاه العالم السفلي. خلال تلك الرحلة، يتعيَّن على الأحياء تنفيذ طقوسٍ معينة من أجل منح القوة للميت، حتى يستطيع الوصول بأمان إلى العالم السفلي.
في إحدى مراحل الرحلة إلى العالم السفلي، على سبيل المثال، يحتاج الشخص الميت إلى عبور حقل كبير وسط عاصفة ثلجية ورياح عاتية. صوّرت مخطوطة Codex Borgia تلك الرياح العاتية بشفراتٍ مصنوعة من حجر السبج، وهي أحجار سوداء حادة استخدمها الآزتيك في طقوس تقديم القرابين البشرية.
يقول عالم الآثار الموسيقية إن الباحثين عثروا في موقع المعبد، المكتشف في مدينة مكسيكو، على "وعاءٍ خزفي يحتوي على شفرات مصنوعة من حجر السبج، بجوار جثة الشاب الذي قُدّم قرباناً لإله الريح".
ويضيف بوث: "تبدأ كل هذه العناصر في التوافق معاً مثل الأحجية. ثمة احتمال أن هذه الآلات كان يُعزف عليها داخل المعبد، باعتبارها جزءاً من طقس ديني متعلّق بالموت والتضحية البشرية، من أجل محاكاة أصوات رياح الليل العاتية الباردة التي سيسمعها الموتى في العالم السفلي".
هل استُخدمت صفارة الموت في المعارك؟
عندما اشتبك الغزاة الإسبان، بقيادة إرنان كورتيس، مع جيش الآزتيك في عام 1521، قيل إن محاربي الآزتيك استخدموا الطبول وآلات موسيقية أخرى للتواصل مع بعضهم البعض خلال المعارك، أو ربما لإثارة أعصاب أعدائهم.
كتب الراهب الإسباني، توماس دي توركويمادا، أن جنرالاً من الآزتيك "علّق طبلة على كتفيه وعزف عليها في بداية المعركة، بينما واصل آخرون النفخ في أبواقٍ كبيرة الحجم".
لكن ماذا عن ادّعاء الموسيقي كزافييه يكسايوتل وآخرين بأن الآزتيك كانوا يرعبون أعداءهم، بإطلاق صرخاتٍ مدوية من مئات صفارات الموت في وقتٍ واحد؟
يقول بوث: "لا يوجد دليل يثبت ذلك، لكن لا يوجد دليل يُثبت عكس ذلك أيضاً، لذلك يبقى احتمالاً وارداً. لم تعثر عمليات التنقيب حتى هذه اللحظة على واحد من محاربي الآزتيك ملفوف حول رقبته مثل هذه الآلة المعروفة بـ"صفّارة الموت". وأضاف: "ومع ذلك، نعتقد أنها كانت أكثر من مجرد أداة طقسية خاصة بالشعائر الدينية".
ثمة سبب آخر يدعو للتشكيك في صحة نظرية استخدام شعب الآزتيك لصفارات الموت في ساحة المعركة، ألا وهو أن الصفارات المكتشفة يبلغ طولها أقل من 5 سنتيمترات. ومقارنةً بالنسخ المقلّدة التي عزف عليها الموسيقي كزافييه يكسايوتل وآخرون، فإنها أصغر بكثير، وتعجز الصفارات الصغيرة عن إنتاج دوي صرخات مروعة.