يا له من شرفٍ عظيم أن يموت الملك أو القائد في معركة، ولكن- لسوء حظهم- لم يحظَ جميع ملوك العالم بشرف تلقيهم ضربة سيف، أو رمح سهمٍ، من عدوّهم خلال معركة ملحمية.
في الماضي، كان لا بدّ للـ ملوك أو القائد العسكري أن يلقى نهايةً عنيفة، سواء كانت فوق أرض معركة أو عبر استهدافه شخصياً من خلال الاغتيال. غير أن هناك أيضاً مجموعة من الأساليب الغريبة وغير الاعتيادية التي أدّت إلى وفاة كبار الشخصيات التاريخية.
ولأنه لا يمكن التعامل مع المعلومات التاريخية على أنها حقيقة مطلقة دائماً، لذا فقد تكون بعض طرق الوفاة هذه تعرضت للتضخيم والمبالغة، لكنها تبقى رغم ذلك مثيرة للاهتمام. وبناءً عليه، هذه قائمة بـ"ملوك وحكام ماتوا بطرق غريبة"، وبعض هذه الطرق غريب جداً!
الملك بيروس.. بلاط سطح البيت
عُرف عن الملك بيروس، الذي حكم مملكة إيبروس الإغريقية القديمة، شجاعته ومهارته القيادية. لكن مقتله جاء على يد امرأة عجوز، خلال معركة أغروس في العام 272 قبل الميلاد، فكانت نهاية غير مجيدة على الإطلاق.
وقعت المعركة في الشوارع الضيقة لمدينة أرغوس؛ وبينما كان الملك بيروس يقاتل جندياً أرغوسياً، ضربه "شيء" في رأسه وأسقطه من فوق حصانه.
ذكر المؤرخ والفيلسوف اليوناني بلوتارخ أن والدة الجندي كانت تنظر إلى الأسفل من بيتها. وعندما شاهدت ابنها في عراكٍ مع بيروس، شعرت بالضيق والتوتر لرؤية الخطر الذي يحيط به، "فرفعت بلاطاً وألقته على بيروس".
ليس معروفاً ما إذا كان قد قُتل مباشرة بعد تلقيه البلاط على رأسه، أو أنه فقد توازنه بسبب الضربة، فتوفي. لكن في الحالتين، استغلّ العدو الفرصة ونحره في عنقه، ليدخل قائمة الـ"ملوك الذين ماتوا بطرقٍ غريبة".
ملك إنجلترا.. تناول الكثير من السمك
بينما كان في فرنسا عام 1135 من أجل زيارة عائلته والاستمتاع بالصيد، قرّر هنري الأول، ملك إنجلترا أن ينغمس في وجبةٍ شهية من سمك اللامبري؛ وهو سلالة قديمة من السمك لا تمتلك فكاً، بل فماً دائرياً ممتلئاً بالأسنان.
وفي تلك الفترة، نصحه الأطباء بأن يتجنب تناولها لأنها- وفقاً للمؤرخ هنري أوف هانتينغدون- "لم تناسبه دائماً". لكن هنري الأول كان عاشقاً لهذا النوع من السمك، فقرّر تجاهل نصيحة طبيبه.
ووفقاً لكتاب The chronicle of Henry of Huntingdon، التهم هنري الأول وجبة الأسماك المحرمة تلك بعد عودته من الصيد في النورماندي. وبعد وقتٍ قصير، تسببت هذه الأسماك في "اضطراب شديد ومفاجئ، وبسببه دخل في سبات مميت".
لم يكن هنري الأول، الملك الوحيد من بين ملوك العالم الذي ظلّ يأكل حتى مات. فقد توفي أدولف فريدريك، ملك السويد، في عام 1771 بعد تناوله كمية كبيرة من المأكولات البحرية، أتبعها بعددٍ من كعك سملا- واحدة تلو الأخرى.
يُقال إنه تناول في المجمل ما يُقارب الـ14 كعكة حلوة، بعد وجبة المأكولات البحرية الكبيرة، قبل أن يعاني من مشكلاتٍ في المعدة ويموت.
دوق كلارنس.. أُغرق في النبيذ
كانت النبالة تمنح عادةً شرف الإعدام سراً، بدلاً من تعرض النبلاء- الذين تُنفذ بحقهم عقوبة الوفاة- إلى الإذلال علناً، مما يعني أن سبب الوفاة يكون أحياناً غير معروف.
وكان هذا هو الحال مع جورج بلانتيجينيه، دوق كلارنس، الذي أُعدم بسبب خيانته على يد أخيه إدوارد الرابع (ملك إنجلترا عام 1478) خلال حرب الوردتين. انتشرت الشائعات بعد مدة وجيزة من وفاته، لتقول إنه بدلاً من قطع رأسه أو شنقه، أُغرق الدوق في برميل نبيذ.
صحيحٌ أنها ربما كانت مجرد ثرثرة زائفة، فإن وفاته غير الاعتيادية سُجلت في عديد من سجلات التاريخ.
على سبيل المثال، يذكر كتاب تاريخ فابيان (Fabyan's Chronicle, 1516) أن دوق كلارنس أُغرق في "برميل نبيذ من نوع مالمسي". وقد حظيت وفاته المفترضة عن طريق النبيذ بشعبيةٍ أكبر، عندما أدرج الكاتب المسرحي ويليام شكسبير قصته في مسرحية "ريتشارد الثالث عام 1597.
في هذه المسرحية التي كتبها شكسبير، طُعن دوق كلارنس، ثم أعلن واحدٌ من قاتليه قائلاً: "سوف أُغرقك في برميل نبيذ مالمسي".
المستعصم بالله.. قُتل رفساً أو تجويعاً
تعرضت بغداد لهجومٍ شرس من المغول عام 1258، قُتل خلاله الخليفة المستعصم بالله- آخر الخلفاء العباسيين- على يد هولاكو خان، حفيد جنكيز خان.
ثمة روايات مختلفة حول طريقة إعدامه، لكن ما اتُفق عليه أن دماءه لم تُرَق. تقول الروايات الأشهر إنه وُضع في دثار ودُهس حتى الموت عن طريق الخيول، أو أنه حُبس في غرفة كنوزه ليتضور جوعاً حتى الموت.
في كتاب رحلات ماركو بولو (The Travels of Marco Polo)، كُتب أن هولاكو أبلغ الخليفة أن "يأكل من كنوزه بقدر ما يريد، ما دام يعشقها، ولن يكون لديه شيء آخر ليأكله". فيما تُشير المؤرخة نسيمة نجاز أن الدهس يُعد الآن سبب الوفاة الأرجح.
وتعلق: برغم أنها وفاة نبيلة تقنياً، لأن دماءه لم ترَق، فربما "لم يكن الأمر متعلقاً بتكريمه بسبب دمائه الملكية، بل يتعلق بالمعتقدات الدينية والخرافات المغولية".
يعتقد المغول أن الروح تسكن دماء الشخص، ولذا فإن أي قتلٍ دمويٍ سوف يحرر روح القتيل من أجل أن تسعى للانتقام. فضلاً عن أن كسر عظام الشخص كان يُعتقد أنه يضمن إنهاء سلالته.
الإمبراطور فالنتينيان الأول.. صرخ حتى الموت
في المرة المقبلة التي تترك غضبك يهزمك، تذكر فالنتينيان الأول الذي مات بسكتة دماغية بعد صراخه بسبب الغضب.
كان فالنتينيان إمبراطوراً رومانياً بين عامي 364 و375 ميلادياً، وقضى غالبية أوقات ولايته يدافع عن حدود الإمبراطورية الرومانية في أوروبا. قابل مجموعة من رسل قبائل "كوادي الجرمانية"، الذين كانت الإمبراطورية الرومانية تقاتلهم، من أجل التفاوض على هدنة.
في إحدى الجلسات، احتجّ المبعوثون قائلين إن الرومان كانوا مخطئين ببناء حصون في أراضيهم، وإنهم لا يضمنون توقف جميع القادة عن القتال.
كتب الجندي الروماني والمؤرخ أميانوس مارسيليانوس أن فالنتينيان دخل حينها في نوبة غضب هائلة، صرخ كثيراً على إثرها. وبمجرد أن هدأ، صار فجأة "لا يتكلم ويختنق، وصُبغ وجهه باللون الأحمر كالنار". دقائق وتوفي، فتسبب غضبه في إصابته بسكتةٍ دماغية قاتلة.
الإمبراطور تشين شي هوانغ.. شرب الزئبق
واحدة من أشهر حالات الوفاة نتيجة التسمم بـ"إكسير الخلود"، هي حالة تشين شي هوانغ الذي وحّد الصين للمرة الأولى عام 221 قبل الميلاد، ليحصل بذلك على لقب أول إمبراطور للصين، ثم يبدأ في عملية بناء سور الصين العظيم.
إلى جانب هذه الإنجازات، كان تشين شي هوانغ مهووساً بالخلود، وهناك العديد من الحكايات المتعلقة بهذا الهوس.
في عام 2017، تم اكتشاف مجموعة من المخطوطات المحتوية على أوامر الإمبراطور، للبحث عن إكسير الخلود في جميع أنحاء البلاد، والردود الرسمية من الحكومات المحلية.
في النهاية، قام أحد الكيميائيين بصنع حبوب الزئبق للإمبراطور، وقدّمها له على أنها إكسير الخلود، المصنوع وفقاً للطريقة الطاوية: وكانت عبارة عن نبيذٍ ممزوجٍ بالعسل والزئبق.
فمات الإمبراطور عام 210 قبل الميلاد مسموماً من الإكسير، الذي كان من المفترض أن يمنحه الحياة، عن عمر يناهز 48 عاماً.
لم يردع موت تشين شي هوانغ عن السعي إلى الخلود بنفس الوسائل، وسجل التاريخ المزيد من الضحايا بعد ذلك، كان من بينهم الإمبراطور آي من جين، الذي حكم خلال عام 360 بعد الميلاد، وتناول إكسير الخلود الذي تسبب في وفاته عن عمر يناهز 24 عاماً.
الدوق جينغ.. غرق في البراز
حكم جينغ ولاية جين في الصين القديمة بين عامي 599 و581 قبل الميلاد، وتوفي بعد تنازله عن الحكم بسبب مرضه.
وبحسب النصوص الصينية القديمة "وقائع تسوه" (Zuo Zhuan)، استشار جينغ شامان بعد أن رأى في أحد كوابيسه كياناً شيطانياً. فأخبره الشامان أنه لن يعيش ليتذوق من القمح الجديد.
كافح جينغ؛ وعندما أصبح القمح الجديد جاهزاً للأكل، قتل الشامان لأن تنبؤه كان غير صحيح. لكن، وقبل أن يمضغ القمح اللذيذ بثوانٍ- أو بعدها بثوانٍ- (تختلف المصادر على تلك الحقيقة) شعر جينغ أنه بحاجةٍ إلى الذهاب إلى الحمام.
لم يُعرف حتى اليوم سبب ذلك، لكن جينغ سقط وانتهى به الحال بالغرق في حفرة ممتلئة بالبول والبراز. ليس هذا فقط، فقد واجه الخدم، الذين التقطوا جسده من المرحاض، مصيراً مشابهاً أيضاً حين دُفنوا مع جينغ وهم على قيد الحياة.