بحلول سنة 1934، بدأ الزعيم النازي أدولف هتلر في بسط سيطرته على كل صلاحيات السلطة في ألمانيا النازية، ومثل أيّ ديكتاتور جديد في السلطة سعى هتلر إلى إنهاء أي خطر قد يهدد حكمه، حتى ولو كان في دائرة الاحتمال.
شكّل جيش العاصفة المعروف اختصاراً بـS A، والذي ظهر سنة واحدة بعد تأسيس الحزب النازي الألماني سنة 1920، وكانت مهمته حماية وتنظيم مظاهرات الحزب النازي وقمع وترهيب خصومه في المعارضة، أحد التهديدات المحتملة لحكم هتلر، وذلك بسبب تعاظم دور جيش العاصفة ومطالبات قائده الجنرال إرنست روم بثورة اجتماعية في ألمانيا.
كان على هتلر انتظار اللحظة المناسبة لسحق رفاقه في جيش العاصفة، ومن ورائهم أيّ تهديدٍ لحكمه، فكانت ليلة السكاكين الطويلة اللحظة الحاسمة في مسار تثبيت هتلر أركان حكمه.
كتيبة العاصفة.. الجيش الذي أوصل هتلر إلى السلطة
مع نهاية الحرب العالمية الأولى أصبح العديد من الجنود الألمان أعضاءً في الفيلق الحر، الذي كان يستخدم لفض الاجتماعات الشيوعية ومنع انتفاضة شيوعية.
وفي عام 1920، احتاج حزب العمال الألماني الذي تم تشكيله حديثاً إلى ميليشيا خاصة به، تقوم بحماية أعضاء الحزب من الشيوعيين والمعارضين، انضم بعض من أعضاء الفيلق الحر إلى الحزب، وتولوا القيام بهذه المسؤولية، وكان النقيب السابق بالجيش الألماني إرنست روم أحد هؤلاء الأشخاص، وهو نقيب سابق في الجيش البافاري.
في البداية أطلق على الميليشيا الخاصة بحزب العمال الألماني اسم Ordnertruppe، ثمّ أعيد تشكيلها لتصبح قسم الرياضة والجمباز.
في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1921، عقد الحزب النازي اجتماعاً كبيراً له بميونيخ، ونجح قسم الرياضة والجمباز في الحزب في منع أعداد كبيرة من المتظاهرين ضد هتلر والحزب النازي من تعطيل الاجتماع، بعد هذا الحدث أصبحوا معروفين بـ"كتيبة العاصفة- Sturmabteilung"، واشتهروا اختصاراً بـSA.
ارتدى جنود كتيبة العاصفة زياً رسمياً، فكانت قمصانهم بُنية تحمل شارة الصليب المعقوف على الذراع اليسرى، غالباً ما كان يطلق عليهم لقب أصحاب القمصان البنية.
بعد الانقلاب الفاشل الذي خطّط له هتلر، في نوفمبر/تشرين الثاني 1923، ودخوله السجن، تم حظر كتيبة SA في الفترة ما بين شهر أبريل/نيسان 1924 إلى فبراير/شباط 1925، بحسب موقع history.
لمكافحة الحظر غيّرت كتيبة العاصفة اسمها إلى "الحظر الأمامي"، وأصبح الجنرال إرنست روم قائداً لها، عملت كتيبة العاصفة على حماية المظاهرات وتصفية المعارضين للحزب النازي، كما أثّرت بشكل كبير في الانتخابات، عبر تخويف الناخبين في الانتخابات الوطنية والمحلية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1926، تولى القيادة الجنرال فون سالومون. أراد هذا الأخير زيادة قوة كتيبة العاصفة من خلال تأمين مقاعد للجيش داخل البرلمان الألماني الرايخستاغ.
رفض هتلر السماح لـSA بلعب أي دور سياسي في الحكومة، واستقال فون سالومون، في أغسطس/آب 1930، بحسب history on the net.
في عام 1931 طلب هتلر من صديقه إرنست روم العودة لقيادة كتيبة العاصفة، وافق إرنست روم، وعند عودته سرعان ما زاد عدد المنخرطين في هذا الجيش بعد وصول النازيين إلى السلطة في عام 1933، صار عدد جنود كتيبة العاصفة أكثر من مليوني جندي، أي ما يعادل عشرين مرة حجم جيش ألمانيا الرسمي، والذي لا يتجاوز 100 ألف جندي بسبب قيود اتفاقية فرساي، لذا بدأت كتيبة العاصفة تثير قلق المسؤولين الكبار في البلاد.
بدأ روم في اتخاذ خطوات نحو دمج كتيبة العاصفة مع الجيش الألماني، كان ينوي أن يصبح قائد القوات العسكرية في ألمانيا، لكن الأخطر من ذلك هو دعوة إرنست روم إلى ثورة اجتماعية اشتراكية بألمانيا، وهو ما زاد من مخاوف أعضاء الحزب النازي بحسب الموسوعة البريطانية.
ليلة السكاكين الطويلة.. حين قطع سكين هتلر رقاب رفاقه
عارض كبار الجنرالات الألمان مساعي إرنست روم لدمج كتيبة العاصفة بالجيش الألماني، وبدأوا في مساعٍ جدية لتوقيفه، كانت معارضة هؤلاء الجنرالات مبنية حول خلفية كتيبة العاصفة التي كان ينظر لها على أنّها مجموعة من المرتزقة، التي من شأنها أن تهدد النظام العام داخل الجيش، بحسب ما ورد في تقرير لموقع history place.
كان على هيملر وهايدريش وهم قادة الوحدة الوقائية إس إس المسلحة، المكلفة بالحماية الشخصية لهتلر، بحاجة إلى الحصول على موافقة هتلر الشخصية من أجل وضع حدٍّ لمخطط إرنست روم، بدمج كتيبة العاصفة إلى الجيش الألماني، ولأجل ذلك نشروا شائعاتٍ حول سعي إرنست روم لتنظيم انقلاب للإطاحة بهتلر.
وجد هتلر في البداية صعوبةً في إعطاء الضوء الأخضر الفعلي ضد رفيقه القديم في السلاح وكتيبة العاصفة التي خدمته جيداً، فقد كانت علاقة هتلر مع روم ليست عادية، إذ يعتقد أنّه كان أكثر الأشخاص المقربين إليه في تلك الفترة.
قبل أن يقرر التخلص من رفيقه القديم، خصوصاً بعد أن تضاعفت الشائعات حول محاولة إرنست روم القيام بعملية انقلابية، تحت مسمى "ليلة السكاكين الطويلة"، والتي نوى فيها روم أن تكون آخر ليلة في حياة هتلر ونظامه.
وفي 30 يونيو/حزيران 1934، أصدر هتلر أوامره لقوات إس إس بتنفيذ عملية باسم "ليلة السكاكين الطويلة"، وهو الاسم نفسه الذي كان يُشاع أنّ إرنست روم ينوي إطلاقه على عملية الانقلاب المزعومة.
تمت تصفية عدد كبير من قادة كتيبة العاصفة أو SA، رمياً بالرصاص، بعد أن تمّ سحبهم من غرف نومهم، من بينهم إرنست روم، ومن خلال هذه العملية كان هتلر يهدف إلى القضاء على أي شخص قد يشكل تهديداً لسلطته في المستقبل، فشملت العملية معارضين لسياسته من غير كتيبة العاصفة، أمثال المستشار السابق كورت فون شلايخر، والوزير البافاري السابق غوستاف ريتر فون كار، كما امتدت الاغتيالات المتتالية لتنال من عدد من الأعضاء السابقين بالحزب النازي، كغريغور شتراسر، والذي اتهمه أدولف هتلر في وقت سابق بالخيانة قبل إقصائه من الحزب، بحسب the holocaust explained.
يُقدر عدد القتلى الرسمي في تلك الليلة بـ85 شخصاً، لكن بعض المصادر قدرت عدد القتلى بأكثر من 400 شخص.
وبعد سنة واحدة من ليلة السكاكين الطويلة توفي الرئيس الألماني فون هيندينبيرغ، وأصبحت سيطرة هتلر على ألمانيا مطلقة بحسب history.
أمّا كتيبة العاصفة فاستمرت بأداء أقل لسنوات، وسرعان ما اندمجت في جهاز الجاسباتو الخاص بالشرطة الألمانية.