مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التعبئة الجزئية في البلاد واستدعاء 300 ألف من قوات الاحتياط، يتساءل البعض عما يعنيه مصطلح التعبئة العسكرية، وما الأسباب التي تدفع الدول إلى الإعلان عنها، وقد يتسع أفق التفكير أيضاً للسؤال عن التعبئة العسكرية عبر التاريخ والدولة التي أعلنت هذا المصطلح لأول مرة.
ماذا يعني مصطلح التعبئة العسكرية؟
وفقاً لما ذكره موقع Military العسكري الأمريكي، فإن التعبئة العسكرية هي عملية تجميع قوات الاحتياط للخدمة الفعلية في أوقات الحرب أو الطوارئ الوطنية.
بشكل عام، يُحدَّد نوع ودرجة الطوارئ مستوى التعبئة، بغض النظر عن المستوى، فيما تظل إجراءات الاسترداد ومراحل التعبئة كما هي.
كما يمكن أن يتم الإعلان عن التعبئة العسكرية عندما تحل في البلاد اضطرابات مدنية لا تهدد الأمن القومي أو بسبب كوارث طبيعية كما حصل في كوريا الشمالية عندما أعلن الرئيس كيم جونغ أون، التعبئة العسكرية لمواجهة فيروس كورونا.
من الأمثلة على حالات الطوارئ المحلية التي قد تتطلب تعبئة عسكرية، الزلازل أو الحرائق أو الفيضانات أو الكوارث الطبيعية الأخرى.
أنواع التعبئة العسكرية
للتعبئة العسكرية نوعان هما: التعبئة الجزئية، والتعبئة الكاملة:
1- تحدث التعبئة الجزئية عندما يحشد الرئيس قواته استجابة للتهديدات الخارجية للأمن القومي لمدة لا تزيد على 24 شهراً.
2- تحدث التعبئة الكاملة عندما يحشد الجيش جميع وحدات الاحتياط استجابةً لإعلان الحرب أو الطوارئ الوطنية، ويمكن أن تستمر التعبئة لمدة الطوارئ، إضافة إلى ستة أشهر؛ لتلبية متطلبات الحرب أو غيرها من حالات الطوارئ الوطنية التي تنطوي على تهديد خارجي للأمن القومي.
ويُمنح أعضاء الوحدات الاحتياطية أقصى وقت ممكن بين تاريخ التنبيه والتاريخ المطلوب للإبلاغ عن الخدمة الفعلية.
قد يتم تنبيه بعض الوحدات لكنها لن تبدأ فعلياً الخدمة الفعلية لعدة أسابيع.
مراحل التعبئة العسكرية لجنود الاحتياط
1. التحضير: يتم إحضار جنود الاحتياط وتدريبهم والاستعداد للتعبئة في وحدتهم الرئيسية، تحدث هذه المرحلة خلال أوقات السلم العادية.
2. التنبيه: تتلقى وحدة الاحتياط إشعاراً بأوامر الخدمة الفعلية، لتستعد الوحدة للانتقال من حالة "الجيش الاحتياطي" إلى حالة "الجيش النشط".
3. التعبئة في الوحدة الرئيسية: تتجمع الوحدة الاحتياطية في الوحدة الرئيسية وتبدأ الخدمة الفعلية.
4. الانتقال إلى محطات التعبئة: تغادر وحدة الاحتياط محطتها الأصلية وتسافر إلى موقع التعبئة؛ إما في الدولة وإما خارجها.
5. تحسين الجاهزية للعمليات: تقوم الوحدة الاحتياطية بالتحضير النهائي قبل البدء الفعلي في موقع التعبئة.
6. الانتشار: ومن ثم تأتي خطوة الانتشار، وهي الخطوة التالية للجنود بعد مراحل التعبئة، ليبدأوا الانتشار في المواقع.
متى ظهر مصطلح التعبئة العسكرية لأول مرة؟
تعود التعبئة العسكرية بمفهومها العريض إلى عهود المصريين القدماء واليونانيين والرومان والأسس التي كانوا يتبنونها في الإعداد للحرب، لكن النقلة النوعية جاءت منتصف القرن الـ19 عندما نشأ مصطلح التعبئة العسكرية للجيوش لأول مرة، إذ لم يكن تجنيد المتطوعين لملء الرتب كافياً فتحولت الحكومات إلى التجنيد الإجباري، وأنشأت قوات ضخمة، وسخرت اقتصاداتها الوطنية لشن الحروب.
وقد استُخدم مصطلح "تعبئة عسكرية" لأول مرّة في خمسينيات القرن الـ19 بالجيش البروسي الذي استخدمه لجلب القوات الاحتياطية وضمها للجيش.
ويقدر أن قوات الجيش البروسي قد حشدت نحو 6-7% من مجموع سكان المملكة خلال الحروب التي خاضتها في تلك الفترة ضد الدنمارك، النمسا، وفرنسا.
أبرز إعلانات التعبئة عبر التاريخ
عبر التاريخ، تم إعلان التعبئة العسكرية مرات عدة، أبرزها كان خلال الحرب الأهلية الأمريكية، وأيضاً خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
الحرب الأهلية الأمريكية
تميزت الحرب الأهلية الأمريكية بظهور التجنيد والجيوش الجماهيرية بالولايات المتحدة، ففي الوقت الذي بدأ فيه التطوع يقل شيئاً فشيئاً، تمّ إعلان التعبئة العسكرية لتدارك الموقف.
ووفقاً لما ذكره موقع Ewikiar Top، فقد قامت الولايات الكونفدرالية الأمريكية بحشد نحو 11% من سكانها الأحرار خلال الحرب الأهلية الأمريكية (1861–1865).
وفي عام 1903 تمّ تنسيق موضوع التعبئة العسكرية من خلال هيئة أركان عامة تضمنت مهمتها التخطيط للتعبئة، وفقاً لما ذكره مركز الجيش الأمريكي للتاريخ العسكري Army Center of Military History.
التعبئة العسكرية خلال الحرب العالمية الأولى
تبلور مفهوم التعبئة العسكرية خلال الحرب العالمية الأولى التي كانت مخيبة لآمال الدول المتحاربة، بعد أن تحولت إلى حرب طويلة الأمد جرّت الويلات على اقتصاد الدول المتحاربة.
وقد ساعدت التعبئة العسكرية في رفع إمكانات القوى المتحاربة، فرفعت القوات المسلحة الألمانية أعداد قواتها من 800 ألف مقاتل إلى نحو 8 ملايين.
فيما رفعت القوات البريطانية التي كانت بدون تجنيد إجباري، عدد قواتها من 400 ألف إلى نحو مليون، بينما الفرنسية أصبح تعداد قواتها بعد التعبئة نحو 5 ملايين بعد أن كانت نحو مليون، أما الأمريكية فمن 165 ألفاً إلى 4 ملايين.
التعبئة العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومع ظهور أسلحة الدمار الشامل التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد اليابان، زادت التعقيدات في خطط التعبئة العسكرية للدول المتحاربة، إذ إن الطاقة النووية كانت بُعبعاً يخيف الدول، التي رأت أنه لن يتاح لها أي فرصة لحشد قواتها أو الشروع بالتعبئة.
ولهذا السبب بدأت الدول، بشكل مبكر في التعبئة العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية، لتكون متأهبة بشكل دائم للدفاع عن الدول.
فرفعت التعبئة العسكرية أعداد القوات الألمانية 8 أضعاف قبل بدء الحرب، والبريطانية إلى 12 ضعفاً، والأمريكية إلى 28 ضعفاً.
وكذلك نفذت كندا تعبئة جزئية في 25 أغسطس/آب 1939، بشكل تحسبي، وفي 1 سبتمبر/أيلول 1939، أصدرت القوات الكندية إعلان تعبئة كاملة لقوة بحجم فيلق من فرقتين تم حشدهما على الرغم من أن كندا لم تعلن الحرب حتى 10 سبتمبر/أيلول 1939.
التعبئة العسكرية الروسية والأوكرانية
في الـ21 من سبتمبر/أيلول 2022، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستدعاء الآلاف من القوات الإضافية للقتال في أوكرانيا، ويأتي ذلك بعد تعرّض القوات الروسية لانتكاسات في ساحات القتال الأوكرانية.
وأوضح بوتين أنه وقَّع مرسوماً بشأن التعبئة العسكرية الجزئية للدفاع عن الأراضي الروسية التي يريد الغرب "تدميرها"، بحسب تعبيره.
ويسري أمر الاستدعاء على 300 ألف من جنود الاحتياط العسكري. ويمثّل هؤلاء جزءاً من نحو 25 مليوناً هم إجمالي جنود الاحتياط الروس، وهؤلاء أشخاص أدّوا الخدمة العسكرية الإجبارية في البلاد.
وتعدّ هذه التعبئة في روسيا هي الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.
في حين يأتي إعلان التعبئة العسكرية الروسية، بعد أشهر من إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مرسوماً في 24 فبراير 2022 بشأن التعبئة العامة للسكان في أعقاب الغزو الروسي.
فتم استدعاء المجندين والاحتياطيين خلال 90 يوماً؛ "لضمان الدفاع عن الدولة والحفاظ على الاستعداد القتالي والتعبئة"، حسبما ورد بموقع الرئاسة الأوكرانية على الإنترنت.
كما تم منع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً من مغادرة البلاد.