خلال القرن الحادي عشر الميلادي، كانت تُخوم صحراء المغرب الأوسط الشمالية، شبه مهجورة من السكان، قبل أن تصلها قوافل الهجرة الهلالية تباعاً، وتستوطن بالمنطقة.
وفي القرنين الـ14 والـ15 الميلاديين، برزت إمارة الأميرة الهلالية مباركة بنت الخص، وأصبحت أهمّ الإمارات الصغيرة التي تشكلت في صحراء المغرب الأوسط من قِبل القبائل الهلالية.
بنو هلال يستوطنون صحاري بلاد المغرب الإسلامي
شهد القرن الـ11 الميلادي، موجة هجرة جماعية للقبائل الهلالية العربية نحو الغرب الإسلامي انطلاقاً من مصر، واستقرت بعض تلك القبائل في المناطق الصحراوية على طول بلاد المغرب.
اختارت قبيلة بني عامر الهلالية الاستقرار في تخوم صحراء المغرب الأوسط، وهناك أسست بني عامر إمارة هلالية بلغ نفوذها معظم صحراء المغرب الأوسط.
كان لـ"الخص"، أمير قبيلة بني عامر خلال القرن الـ14، والتي اتخذت من منطقة غور بريزينة بالمغرب الأوسط مقراً لها، ابنةٌ جميلةٌ وذكية اسمها "مُباركة"، واشتهرت باسم "بنت الخص".
تجدر الإشارة إلى أنّه تاريخياً، وُجدت شخصيتان حملتا اسم "بنت الخص"، الأولى هي "هند بنت الخص" الإيادية، والتي عاشت في العصر الجاهلي، واشتهرت بفصاحتها وذكائها، حسب ما ذكره الشاعر اللبناني بشير يموت في كتاب "شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام"، أمّا الثانية فهي مباركة "بنت الخص" الهلالية.
عارضها قومها في البداية لكونها امرأة
شاركت الأميرة مُباركة والدها أمور الحكم والمشورة في الإمارة، ولما توفي ترك لها حكم الإمارة، فسارعت إلى تحويل نمط عيش قومها من البدو إلى الحضر عبر تشييد قلعة حصينة بمنطقة غور بريزينة.
رغم ذلك، تلقَّت الأميرة مباركة بنت الخص رفضاً من رجال إمارتها، لكونها امرأة، لكن حكمتها وعدلها، جعلهم يقبلون بيعتها، حسب ما ورد في كتاب "أسطورة بنت الخص" للكاتب الفرنسي روني باسيت.
ولم تمض سوى فترة قصيرة من حكمها حتى صارت حدود إمارة بنت الخص تمتد من منطقة أربوات شمالاً إلى مدينة المنيعة جنوباً، وشرقاً إلى منطقة العمور وغرباً إلى حدود الوادي الغربي مع حدود إقليم توات، وهي مناطق تقع جميعاً في الصحراء الشمالية للمغرب الأوسط.
أنقذت إمارتها من جيش السلطان الأكحل المريني
في الوقت الذي كانت "مباركة بنت الخص" تؤسّس لإمارتها في صحراء المغرب الأوسط، كان أبو الحسن المريني الملقب بـ"السلطان الأكحل"، والذي كان يعتبر من أقوى سلاطين بني مرين حكام المغرب الأقصى، يتجهز للخروج في حملة عسكرية ضد القبائل والإمارات الصغيرة المنتشرة في صحراء المغرب الأوسط، وذلك من أجل جمع الضرائب وتجديد البيعة.
كانت إمارة بنت الخص في غور منطقة بريزينة حالياً إحدى المحطات الذي توقف عندها جيش السلطان الأكحل المريني، حسب الكاتب الفرنسي روني باسيت.
رفضت الأميرة مباركة بنت الخص تقديم البيعة للسلطان المريني، فقام بمحاصرة قلعتها. استطاعت إمارة بنت الخص الصمود في وجه حصار جيش السلطان الأكحل لمدة عامين، قبل أن تنفذ المؤونة.
استخدمت الأميرة مباركة دهاءها لإنهاء حصار الجيش المريني، فيذكر ريني باسيت، أنّ بنت الخص قامت بإعطاء ما تبقى لها من مخزون القمح إلى قطيع من الماشية، ومن ثم قامت بتوجيه القطيع خارج القلعة باتجاه الجيش المحاصر، كما قامت بنشر الملابس بعد غسلها بما تبقى من مياه على جدران القلعة.
ذبح جيش السلطان الأكحل المريني أحد خرفان القطيع، ليجد في أحشائه الكثير من القمح، في تلك اللحظة ارتبك جيش السلطان المريني، وقرّر فك الحصار والانسحاب، بعد أن خُيّل له أنّ للأميرة بنت الخص، مؤونة تكفي لسنوات طويلة ما دامت تُطعم الماشية القمح، حسب ما ورد في كتاب "مباركة بنت الخص.. أسطورة الصحراء الجزائرية"، للكاتب الفرنسي ناتالي جيلهاردو.
ويبدو أنّ هذه الرواية تمّ توارثها شفهياً في الجزائر، وليس لها سند تاريخي آخر غير رواية المؤرخين الفرنسيين.
قررت الأميرة مباركة بنت الخص بعد ذلك الحصار، الرحيل مع سكان إمارتها إلى منطقة المنيعة بالشرق، وهناك شيدت بنت الخص قلعة منيعة سُميّت باسمها.
وعلاوة على قصورها التي تستقطب السياح في كل من مدينة المنيعة وبريزينة، تركت الأميرة مباركة بنت الخص تراثاً شعبياً غنيّاً يروى على ألسنة الأجداد والأحفاد على مر الزمن.
وينقل الكاتب الفرنسي روني باسيت بعض الحكم المنسوبة للأميرة مباركة بنت الخص باللهجة الجزائرية، ومنها:
قالت ثلاثة يصفّروا الوجه وثلاثة يحمّروا الوجه؛ قال لها أما هما الثلاثة اللي يصفروا الوجه؟ قالت له: مشية الحفا (المشي حافياً)، ورقود القفا (النوم في الوديان)، والمرأة التالفة (المرأة الجاهلة).
قال لها أما هما الثلاثة اللي يحمّروا الوجه؟ قالت له: اللي (الذي) يعرف النسب، واللي يعرف بنات النسب، واللي يقنع بالنصيب (القدر) اللي يكسب.