مرجعهم الديني ليس “مقتدى الصدر”، وأصلهم من لبنان.. هكذا نشأ التيار الصدري

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/01 الساعة 15:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/20 الساعة 19:24 بتوقيت غرينتش
مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري / shutterstock

كانت بداية التيار الصدري في منتصف التسعينات، عندما تمكن "محمد صادق الصدر" من بناء قاعدة جماهيرية كبيرة، بين أبناء الطبقة الفقيرة من الشيعة في العراق، وبروز نشاطه الواسع في محاولة إحياء الهوية الدينية الشيعية.
فكان أول من أقام صلاة الجمعة للشيعة في العراق بعد توقفها لسنوات، وكان إمامها بنفسه بمسجد الكوفة في النجف، وتعميم إقامتها بالمدن الأخرى، وبذلك خالف معظم المراجع الشيعية التي كانت تُروج أن لا صلاة للجمعة في ظل حكم ليس إسلامياً، حتى ظهور "الإمام المهدي المنتظر"، بحسب أدبيات الشيعة الإثني عشرية.

عاد نشاط التيار الصدري مرة أخرى بعد عام 2003، وأصبح له أثر كبير على الحياة السياسية والاجتماعية في العراق، تحت قيادة "مقتدى الصدر"، الابن الأصغر لمحمد صادق الصدر، وعلى الرغم من أن "مقتدى الصدر" يعتبر القائد الفعلي للتيار الصدري في العراق، لكن مرجعيتهم الدينية لا يمثلها "مقتدى الصدر" نفسه، إنما شخصٌ آخر.

عائلة الصدر.. الهجرة من لبنان إلى العراق

على الرغم من أن "عائلة الصدر" في العراق لها شهرة واسعة وتأثير في العراق منذ السبعينات، لكن بدايتهم كانت من منطقة جبل عامل في لبنان.

التيار الصدري
جبل عامل / Wikimedia Commons


وكانت منطقة "جبل عامل"، التي تخضع حالياً لسيطرة حزب الله والفصائل الشيعية المتحالفة معه، نقطة الانطلاق للعديد من رجال الدين الشيعة الذين خلقوا تأثيرات دينية وسياسية عميقة في الشرق الأوسط في دول مثل لبنان، والعراق وإيران منذ بداية القرن الماضي، ومن بين هؤلاء العلماء، اكتسب أحفاد صدر الدين محمد بن صالح المتوفى سنة 1848 شهرة خاصة.
كان أول من سكن النجف من عائلة الصدر هو "محمد مهدي الصدر" المتوفى سنة 1939، لإكمال دراسته الدينية، وحين أصبح حفيده "محمد صادق الصدر" مرجعاً دينيا في النجف، كانت تلك بداية ظهور التيار الصدري.
وكان اسم عائلة الصدر معروفاً في العراق، حين تولى ابن عمه "محمد باقر الصدر" المرجعية الدينية في النجف وأسس قبل ذلك حزب الدعوة الإسلامية، وأصبح هو مرجع التقليد بالنسبة لأفراد الحزب، حتى تم إعدامه في زمن صدام عام 1980.

مدينة الصدر.. معقل التيار الصدري في بغداد

في منتصف التسعينات برزت مرجعية السيد محمد صادق الصدر في النجف وأصبح لديه الكثير من الأتباع، وأصبحت "مدينة الثورة" شرق بغداد، مركزاً لحراك الصدريين من أتباع المرجع محمد الصدر.

التيار الصدري
مدينة الصدر معقل التيار الصدري في بغداد / Wikimedia Commons

عُرفت تلك المدينة باسم "مدينة الثورة" عند تأسيسها من قبل عبد الكريم قاسم الذي حكم العراق بعد انقلاب عسكري على الحكم المَلكي، وأحد قادة ثورة 14 يوليو/تموز، ثم تم تغيير اسمها إلى "مدينة صدام" أثناء حقبة صدام حسين، وبعد غزو العراق 2003 تم تغيير اسمها إلى "مدينة الصدر" ويسكنها اليوم أكثر من مليون إنسان.

في بداية تأسيسها، كان أغلب سكانها من أهالي الأرياف والقرى الذين نزحوا من المحافظات الجنوبية، في زمن عبد الكريم قاسم واستوطنوا شرقي بغداد، فقرر عبد الكريم قاسم بناء المدينة لتكون سكناً لهم بدل بيوت الطين التي سكنوها.
وبقي أهالي تلك المدينة على ارتباطهم بالحوزة الشيعية في النجف، وزاد ارتباطهم بشخصية محمد صادق الصدر، بعد أن أعاد إقامة شعائر صلاة الجمعة، بالإضافة لخطب "محمد الصدر" الوعظية القريبة من الطبقة الفقيرة التي تمثل غالبية سكان هذه المدينة.

التيار الصدري
السيد محمد صادق الصدر / Wikimedia Commons

وفي عام 1999 قُتل محمد الصدر مع نجليه وهم يستقلون سيارتهم في مدينة النجف، بعد أن لاحقتهم سيارة مجهولة وأطلقت عليهم النار، وتتضارب الروايات حول الجهة المسؤولة عن الاغتيال، والطريقة التي توفي فيها "محمد الصدر" بين رواية تقول إنه توفي مباشرة في مكان الحادث، ورواية أخرى تقول إنه توفي في المستشفى.
بالنسبة لمقتدى الصدر وأتباعه فإن نظام البعث وأوامر مباشرة من الرئيس الأسبق "صدام حسين" هي الجهة التي كانت وراء الاغتيال ونفذته، خوفاً من نفوذه بين الشيعة وازدياد عدد أتباعه.
وبالنسبة للرواية الحكومية لنظام البعث كانت الجريمة جنائية والسبب "خلافات شخصية"، فبعد أيام من اغتيال محمد الصدر، ظهر في الإعلام الحكومي، 4 رجال يدرسون في الحوزة الشيعية في النجف، ادعوا أنهم هم من قاموا باغتيال "محمد الصدر"، بسبب خلافاتٍ شخصية، بينما يُكذب أتباع التيار الصدري هذه الرواية.

بعد انتشار خبر تعرض "محمد الصدر" ونجليه  لمحاولة اغتيال، شهدت "مدينة الصدر" أحداث عنف ومظاهرات معارضة لنظام صدام حسين علناً، واندلعت مواجهات عنيفة لعدة أيام بين المتظاهرين وقوات الأمن في أحياء بغداد ذات الكثافة الشيعية العالية، وكذلك في المدن ذات الأغلبية الشيعية مثل كربلاء والناصرية والكوفة والبصرة.

وفي البصرة هاجمت مجموعات من المتظاهرين المسلحين مباني حكومية ومقار لجهات استخباراتية ومكاتب حزب البعث، وأشار "تقرير هيومن رايتس ووتش" حينها إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوات الحكومية، بلغت حد استخدام الأسلحة والمدفعية الثقيلة من قبل الحكومة العراقية.

وبحسب تقرير "هيومن رايتس ووتش" في تلك السنة، أن المتظاهرين هاجموا وقتلوا 40 عضواً من حزب البعث على الأقل، ولا يزال العدد الحقيقي لضحايا تلك الأحداث مجهولاً إلى اليوم.

وتعرض أتباع الصدر لحملة قمع أمنية كبيرة واعتقالات لقيادات التيار الصدري، واختفى النشاط العلني لأتباع التيار الصدري بعد ذلك.

انتقال مرجعية التيار الصدري إلى "الحائري"

بعد وفاة محمد صادق الصدر انتقلت زعامة التيار الصدري الدينية إلى المرجع "كاظم الحائري"، وكان محمد صادق الصدر قد أوصى أتباعه بأنه، إن قتل، فعليهم أن يتبعوا كاظم الحائري، ووصفه بأنه "الأعلم من بعده". ولم يتصدر ابنه "مقتدى الصدر" دور المرجعية لأن الأمر يتطلب استيفاء عدد من الشروط العلمية والفقهية. 

التيار الصدري
السيد كاظم الحائري / Wikimedia Commons

ويتصدى عالم الدين لدور المرجعية في المذهب الشيعي الاثني عشري، الذي ينتمي له غالبية الشيعة في العراق وإيران، عند إثبات تقدمه في المعرفة، وقدرته على استنباط الأحكام الشرعية بشهادة زملائه، وذلك ما يجيز لعوام الشيعة أن "يقلدوه"، أي أن يأخذوا مشورته في شؤون الدين والحياة.
ويمكن أن يكون هناك أكثر من مرجع في وقتٍ واحد، وتعظم مكانة المرجع أو تصغر حسب عدد أتباعه، وبحسب إنجازاته العلمية، وغالباً ما يكون المرجع أحد المتخرجين من الحوزة العلمية، في النجف العراقية أو قم الإيرانية، ومضى على دراسته فيها سنوات طويلة.

الاحتلال الأمريكي للعراق وبروز اسم مقتدى الصدر

 بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وسقوط صدام حسين، برز اسم "مقتدى الصدر" الابن الأصغر لرجل الدين "محمد صادق الصدر"، مستمداً الكثير من نفوذه من  اسم عائلته، واجتمع حوله القاعدة الشعبية التي كانت تتبع والده.

التيار الصدري
مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري / shutterstock

في عام 2004، أصدرت سلطة الاحتلال الأمريكية مذكرة توقيف بحق مقتدى الصدر وقالت إنه مطلوب حياً أو ميتاً فيما يتعلق بقتل الزعيم الشيعي "عبد المجيد الخوئي" عام 2003 الذي عاد إلى العراق إبان الغزو الأمريكي وأقام في مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة، ولكن قتل طعناً على يد مجهولين.

نفى الصدر أي دور له في مقتل الخوئي وتم إغلاق القضية بعد سنوات، وشكل مقتدى الصدر ميليشيا مسلحة أطلق عليها اسم "جيش المهدي"، خاضت تلك الميليشيا الكثير من المعارك ضد القوات الأمريكية.

كما خاض جيش المهدي معارك ضد الجيش العراقي في عهد رئيس الوزراء "إياد علاوي" بالإضافة لنزاعات مسلحة مع الفصائل الشيعية الأخرى.

وخلال الحرب الأهلية الطائفية في العراق بين عامي 2006 و2008، اتُّهم جيش المهدي بتشكيل فرق اغتيال لخطف وقتل شخصيات سنية ومهاجمة المناطق ذات الغالبية السنية، ونفى حينها مقتدى الصدر استخدام العنف مع "أبناء وطنه من العراقيين".

التيار الصدري
عناصر جيش المهدي / Wikimedia Commons

وفي عام 2008 أمر رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو شيعي منافس للصدر، بشن هجوم كبير ضد أفراد جيش المهدي في مدينة البصرة الجنوبية.

في وقت لاحق من ذلك العام، أمر الصدر بوقف العمليات المسلحة وأعلن أن جيش المهدي سيتحول إلى منظمة ثقافية واجتماعية أطلق عليها اسم "سرايا السلام"، سرعان ما تحولت سرايا السلام إلى فصيل مسلح مرة أخرى، حين استولى تنظيم داعش على مدينة الموصل.

وخلال السنوات الماضية خاض التيار الصدري الانتخابات البرلمانية بالتحالف مع الأحزاب الشيعية الأخرى، وكان يحصل على مقاعد كثيرة في البرلمان بسبب قاعدته الجماهيرية الكبيرة، لكنه لم يحصل على رئاسة الوزراء قط.

وكان هذا المنصب هو أحد أسباب أزمة سياسية، ومظاهرات لأتباع التيار الصدري منذ بداية شهر أغسطس/آب 2022، بعد رغبة الصدر بأن يكون رئيس الوزراء من التيار الصدري، لكنه لم يستطع تحقيق ذلك وانسحب النواب الصدريون من البرلمان.

علاقة التيار الصدري بإيران

تبقى علاقة مقتدى الصدر والتيار الصدري مع إيران، إحدى أكثر المسائل المعقدة، فبعد أن كانت علاقته بإيران قوية خلال سنوات الاحتلال الأمريكي للعراق، أصبحت العلاقة بين طهران والتيار الصدري متوترة، بعد اعتراض مقتدى الصدر المتكرر على تدخلات إيران في الشأن العراقي.

التيار الصدري
مقتدى الصدر والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي / مواقع التواصل

وبقيت العلاقة بين طهران ومقتدى الصدر متذبذبة، بسبب عدم ثقة طهران في قرارات مقتدى الصدر المتغيرة من جهة، ومن جهة أخرى، شعور مقتدى الصدر بأن القادة الإيرانيين لا يضعونه في حجمه السياسي الذي يستحقه.

كما أن مقتدى الصدر يوجه انتقادات صريحة للأحزاب الموالية لإيران، والجماعات المسلحة التابعة لها ويصفها بـ"الوقحة" أو "المنفلتة".

وعلى مستوى القواعد الشعبية للتيار الصدري، فإن الشقاق بين الصدر وإيران واضح بشكلٍ كبير، من خلال الشعارات والهتافات التي يرفعها أنصار التيار الصدري في مظاهراتهم.

ومنها "لا شرقية ولا غربية"، وهو الوسم الذي كتبه الصدر على مواقع التواصل الاجتماعي في أكثر من مناسبة، الذي يقصد فيه "لا إيران ولا أمريكا"، إضافة إلى شعار "لا للتبعية" الذي تُقصد به الفصائل المسلحة التابعة لإيران في العراق، والتي تعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي مرجعها الديني.
في بداية 2022، هاجمت الصحافة الإيرانية مقتدى الصدرعلناً، وحذر الإعلام الإيراني، بعد فشل زيارة "إسماعيل قآني" قائد فيلق القدس الإيراني، للنجف، مما سماه "خطر" "مقتدى الصدر"، على مستقبل العملية السياسية في العراق، فيما وصف احتجاجات الصدريين بأنها "فتنة وأعمال شغب".

وتكرر هجوم الصحف الإيرانية مرة أخرى، حين أعلن مقتدى الصدر انسحاب نوابه من البرلمان في 12 أغسطس/آب 2022.
واتهمت الصدر بأنه "ضد الوحدة"، وتشكيك البعض بمدى جديته وتحذيرهم ومخاوفهم من نياته، فضلاً عن فرحة بين السطور صاحبت تعليقات من صعود محتمل مجدداً لحلفاء إيران ممثلين بتحالف "الإطار التنسيقي" لتشكيل الحكومة بعد استقالة الصدريين.

اعتزال الحائري وتأثيره على التيار الصدري

في 28 أغسطس/آب 2022، أعلن الحائري اعتزاله العمل الديني مرجعاً للتيار الصدري، معللاً ذلك بالمرض وكبر سنّه، وأوصى التيار الصدري باتباع مرجعية المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

ووجّه انتقادات ضمنية لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، واتهمه بالسعي لتفريق أبناء الشعب العراقي والمذهب الشيعي، باسم المرجعين الشيعيين محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر، والتصدّي للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لبقية الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية وكونه- في الحقيقة- ليس "صدريًّا" مهما ادعى أو انتسب.

ولم يتردد الصدر في الرد على الحائري، وقال في تغريدة له على تويتر: "يظن الكثيرون بمن فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم. كلا، إن ذلك بفضل ربي أولاً ومن فضل والدي محمد صادق الصدر الذي لم يتخلَّ عن العراق وشعبه".
وبعد بيان الحائري، أعلن مقتدى الصدر اعتزاله الحياة السياسية وإغلاق جميع مكاتب التيار الصدري، وليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي في العراق، ثم ما يلبث أن يعود مجدداً إلى المشهد العام.

تحميل المزيد