كانت ليبا راديتش تبلغ من العمر 15 عاماً فقط عندما تعرضت يوغوسلافيا للغزو من قبل القوات الفاشية والنازية عام 1941، أثناء الحرب العالمية الثانية.
ومع ذلك، انضمت هذه الشابة الشجاعة إلى حزب أنصار يوغوسلافيا في القتال ضد النازيين، وكانت في الصفوف الأمامية أثناء المعارك حتى وقعت في الأسر.
تعرفوا معنا في هذا التقرير على قصة الفتاة اليوغسلافية المناضلة التي رفضت خيانة شعبها مقابل العفو ونيل حريتها، وأعدمها النازيون بدم بارد وهي لم تتجاوز سن الـ17 من العمر.
من عائلة حزبية مناهضة للنازية
ولدت ليبا راديتش في قرية جاسنيكا بالقرب من بوسانسكا غراديسكا، في ما يعرف الآن بشمال غرب البوسنة والهرسك عام 1925. وكانت من عائلة لها جذور شيوعية، انضم فيها أعمامها ووالدها إلى الحركة العمالية والحركة الحزبية المناهضة للغزو النازي والفاشي ليوغوسلافيا، وفقاً لكتاب "نساء البوسنة والهرسك في القرن العشرين".
إذ بدأت العمليات العسكرية في الحرب العالمية الثانية في يوغسلافيا في 6 أبريل/ نيسان 1941، عندما شن هتلر هجومه على يوغوسلافيا لتأمين جناح البلقان الألماني لعملية بربروسا، التي مهدت غزوه الكارثي للاتحاد السوفييتي في وقت لاحق من العام نفسه.
مما تسبب في تقسيم أراضي يوغوسلافيا بين دول المحور والدول العميلة لهم مثل بلغاريا والمجر.
إثر ذلك، اندلعت حرب تحرير بأسلوب العصابات ضد قوات دول المحور المحتلة والأنظمة العميلة التي دعمتها، بما في ذلك دولة كرواتيا المستقلة وحكومة الخلاص الوطني الصربية.
انضمام ليبا في سن الـ15 فقط للحزب الشيوعي اليوغسلافي
تحت التأثير القوي لانتماء عائلتها ونشاطاتهم السياسية، قررت ليبا الانضمام لتصبح عضواً في عصبة الشبيبة الشيوعية في يوغوسلافيا (SKOJ)، وانضمت كذلك إلى الحزب الشيوعي اليوغوسلافي عام 1941، وهي فتاة في أولى سنوات الشباب لم تتجاوز الـ15 عاماً.
ولكن الحكومة النازية، المسيطرة على ولاية كرواتيا المستقلة التابعة ليوغوسلافيا حينها، ألقت القبض على عائلة راديتش بأكملها في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1941 بسبب مواقفهم المعلنة المعادية للنازية ونشاطاتهم الحزبية.
وبعد أسابيع قليلة من السجن، تمكن الثوار من إطلاق سراح ليبا وعائلتها، لتنضم هي وشقيقتها رسمياً إلى الفرقة الحزبية السابعة من مفرزة كراجيسكي الثانية.
انضمام ليبا للقتال والإنقاذ في الصفوف الأمامية للمقاومة في المعارك
في مواجهة الهجوم النازي الذي كان على جميع الجبهات، هزمت يوغوسلافيا بسرعة وتقطعت أوصالها. ومع ذلك، لم يكن انتصار دول المحور حاسماً تماماً.
فبينما حافظ الألمان على سيطرة محكمة على الطرق والبلدات، لم يستطيعوا أن يسيطروا على المناطق الجبلية النائية في يوغوسلافيا.
وفي تلك الجبال الشاهقة، بدأت قوات المقاومة الصربية في الخروج من تحت الأنقاض والخراب لشن هجمات مقاومة ضد القوات النازية والفاشية الغازية في معارك مختلفة وقعت في إحداها ليبا في الأسر.
لم تكتفِ ليبا بدورها ناشطة ومناصرة للحزب المقاوم، ولكنها قررت الانضمام للصفوف الأمامية في القتال والمعارك لإنقاذ الجرحى ونقلهم ومساعدة السكان المنكوبين على الهروب في المناطق التي كانت تتعرض للعدوان.
وقوعها في الأسر أثناء تنفيذها عملية إنقاذ 150 امرأة وطفلاً
وفي إحدى المعارك التي حصلت تحديداً في شهر فبراير/شباط 1943، كانت تحاول ليبا تنظيم عملية إنقاذ لحوالي 150 امرأة وطفلاً كانوا يبحثون عن ملاذ آمن من القصف وإطلاق النار.
وأثناء تنفيذ العملية، تعرضت ليبا لهجوم مباشر من بعض الجنود النازيين الألمان، ما دفعها لإطلاق النار عليهم وقتل العديد منهم حتى نفدت الذخيرة المتبقية لديها، مما أوقعها في الأسر، كما يشير موقع History of Yesterday.
بعد إلقاء القبض عليها، أبقاها الألمان في حبس منفرد وعذبوها كثيراً، في محاولة لانتزاع معلومات منها على مدار ثلاثة أيام متتالية.
عرضوا عليها العفو وهي على حبل المشنقة، لكنها رفضت خيانة رفاقها
رغم أنها كانت فتاة صغيرة لم تتجاوز الـ17 من العمر، لكن ليبا رفضت الاعتراف بأي معلومات عن الحزب المقاوم الذي تنتمي له، أو مكان مقراته السرية، أو أسماء الأشخاص الذين ينتمون له، حتى صدر الحكم بإعدامها شنقاً.
وفي 8 فبراير/شباط 1943، تم إحضار ليبا راديتش إلى المشنقة التي تم تشييدها على عجل على جذع شجرة على مرأى من الناس.
واعتقاداً من الألمان أنها قد تخاف الموت عند لف الحبل حول رقبتها، وقبل لحظات من شنقها، عُرض على ليبا العفو وإطلاق سراحها مقابل أن تكشف عن بعض أسماء رفاقها الحزبيين أو أي معلومات مفيدة للعدو.
لكن ليبا رفضت بكل شجاعة، وردَّت بجُملٍ خلَّدها التاريخ:
"أنا لست خائنة لشعبي. أولئك الذين تسألون عن أسمائهم سيكشفون عن أنفسهم عندما يأتون لقتلكم جميعاً. عاش الحزب الشيوعي وأنصاره! حاربوا أيها الناس من أجل حريتكم ولا تستسلموا! سوف أُقتل، لكن هناك من سينتقم لي"، وبهذا تم شنقها، كما ذكر كتاب "نساء يوغوسلافيا في حرب التحرير الوطنية".
صور إعدام ليبا وبطولتها خلدت ذكراها
رغم موتها، فإن ذكرى إعدام الفتاة المناضلة ليبا راديتش لا تزال حية. فقد تم توثيق عملية الإعدام في سلسلة من الصور المؤلمة التي تظهر فيها ليبا أثناء اقتيادها للمشنقة، وبعد لف الحبل على رقبتها، وأخرى بعد إعدامها مباشرة.
حصلت ليبا بعد وفاتها على وسام البطل الوطني من قبل الحكومة اليوغوسلافية في عام 1951، لتصبح أول وأصغر إمرأة تناله في تاريخ المملكة.