هل سبق لك أن قضيتَ أسبوعاً كاملاً دون نوم؟ أكاد أسمعك وأنت تجيب باستنكار: هذا مستحيل.. حسناً، ما قولك بأن سجناء في الاتحاد السوفييتي بقوا مستيقظين مدة 15 يوماً؟! لكن ذلك لم يكن بإرادتهم فقد كانوا خاضعين لواحدة من أسوأ التجارب التي أُجريت على البشر في التاريخ.
تعالوا نروِ لكم قصتها:
تجربة النوم الروسية
بدأت قصتنا عام 1947، أي بعد عامين فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان العالم -آنذاك- لا يزال في أوج جنونه، لذلك ما كان يحدث في أروقة منشأة الأبحاث العسكرية السوفييتية لم يكن غريباً على تلك الحقبة، ولو كان صادماً للغاية بالنسبة لنا.
في تلك المنشأة كان هناك خمسة رجال تعيسي الحظ، اعتبرهم السوفييت أعداء للدولة، لذلك تم إخضاعهم إلى ما بات يُعرف لاحقاً باسم "تجربة النوم الروسية".
ببساطة تم إعطاء هؤلاء السجناء أدوية مثبطة للنوم بشكل مركز، بحيث يمنعهم القلق من الخلود إلى النوم حتى لو أرادوا ذلك، وقد وعدت السلطات بإطلاق سراح السجناء إذا أكملوا التجربة بعد 30 يوماً.
وفي اليوم الخامس عشر مات أحد السجناء، بينما عانى الآخرون من حالة تشبه الجنون، وحاولوا إيذاء أنفسهم بشتى الطرق، بما في ذلك إخراج أحشائهم، بينما لا يزالون على قيد الحياة، وقيل إن الناجين طوَّروا قدرات غير طبيعية تقاوم العقاقير والمهدئات، وإنهم استطاعوا قتل أحد الجنود الذين كانوا يحاولون إخراجهم من غرفة الاختبار.
ووفقاً لما ورد في مجلة Newsweek الأمريكية، فقد تحولت هذه القصة المرعبة إلى فيلم قصير في عام 2015.
لكن هل هي قصة حقيقية؟
تبدو تجربة النوم الروسية قصة مروعة لدرجة أنها لا تُصدق، أما فيما إذا كانت حقيقية أم لا فهناك وجهتا نظر حول الموضوع:
الأولى: يصنف البعض قصة "تجربة النوم الروسية" على أنها مجرد "كريبيباستا creepypasta". ويُشير هذا المصطلح إلى شكل من أشكال القصص الشعبية ذات الطابع المرعب التي انتشرت على الإنترنت خلال العقدين الماضيين، وتطور المصطلح من كلمة "creepy" بمعنى غريب، وتعبير "copypasta" الذي يعني نسخ ولصق النصوص.
الثانية: وفقاً للدكتور جو ستوبرسفيلد، محاضر علم النفس بجامعة وينشيستر الذي يدرس التحيزات المعرفية ونشر المعلومات الخاطئة والأساطير الحضرية، فإن قصة تجربة النوم الروسية تبدو حقيقية في واقع الأمر؛ لأنها تتناسب مع المعرفة العامة حول التجارب غير الأخلاقية على البشر في الأربعينيات، سواء إبان الحرب العالمية الثانية أو بعدها، على يد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي أجرت تجارب الحرمان من النوم.
وتحدَّث عن زيارته لمتحف في بودابست داخل المكاتب السابقة لمقر الشرطة السرية للحكومة الشيوعية؛ حيث يوجد معرض في الطابق السفلي أعاد تقديم الزنازين التي لا يمكن للناس سوى أن يقفوا داخلها فقط.
وأضاف: "إذا أبقيت الناس مستيقظين لفترة طويلة، فإنهم يصبحون أكثر قابلية للوقوع تحت تأثير الإيحاء. ولا شك أن عنصر الحرمان من النوم، أو محاولة التأثير على البشر بالإيحاء، يبدو كشيء مألوف في حكايات الماضي؛ مما يساعدنا في التساؤل عما إذا كانت هذه الحكايات تحمل شيئاً من الحقيقة أم لا".
لكن من ناحية أخرى، من المؤكد أن العنصر الخارق للطبيعة في الحكاية هو الذي يزيد من جاذبيتها، ولا سيما قدرة الضحايا على إلحاق الضرر بأنفسهم والبقاء على قيد الحياة.
إذ يقول ستوبرسفيلد إن البحث في الأساطير الحضرية يبرهن على المفهوم النفسي القائل بأن البشر ينحازون إلى المفاهيم غير البديهية بعض الشيء.
ويوضح: "إن القصص أو الحكايات الخرافية أو الأساطير الحضرية الأكثر نجاحاً هي تلك التي تحتوي على القليل من العناصر غير البديهية ضمن مفهوم أوسع لشيء بديهي أو طبيعي. وإذا كانت القصة مليئة بالعناصر التي تتعارض مع توقعاتنا حول طريقة عمل العالم، فستقل جاذبيتها ويطويها النسيان بشكل أسرع".
تجارب مريعة على السجناء
وسواء كانت تجربة النوم الروسية حقيقية أم لا، لا ينكر التاريخ أن السجناء في تلك الفترة كانوا بمثابة فئران تجارب لدى جلَّاديهم، ليس في الاتحاد السوفييتي فحسب؛ بل في ألمانيا النازية واليابان والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً.
ولعل أشهر التجارب الشريرة على الإطلاق كانت تلك التي أجراها جوزيف مينغلي، وهو طبيب في قيادة الـ"إس إس" في معسكر أوشفيتز النازي.
فقد كان مينغلي يفتش عن التوائم ليجري عليهم تجارب، على أمل إثبات نظرياته بتفوق العرق الآري. وتوفي كثير من الأطفال الذين خضعوا لتجاربه، وقد كان مينغلي يجمع أعين "مرضاه" الموتى، بحسب ما ذُكر في متحف ذكرى الهولوكوست في الولايات المتحدة.
وكان النازيون يستخدمون أيضاً السجناء في اختبار علاجات للأمراض المعدية وأسلحة الحرب الكيميائية، في حين كان آخرون يُجبرون على البقاء في درجات حرارة تصل لدرجة التجمد، وغرف ذات ضغط منخفض، من أجل اختبارات الطيران، كما خضع عدد هائل من السجناء لعمليات التعقيم.
وخلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، شن جيش اليابان الإمبراطوري حرباً بيولوجية وأجرى اختبارات طبية على المدنيين، وكان أغلبهم من الصين. وكانت حصيلة القتلى من جراء هذه التجارب الوحشية غير معروفة تحديداً وقُدرت بقرابة 200 ألف قتيل، وفقاً لما ورد في تقرير لصحيفة New York Times عام 1995.
كذلك تشاركت الولايات المتحدة وحكومة غواتيمالا رعاية دراسة تتضمن إصابة السجناء في غواتيمالا ومرضى المصح العقلي عن عمد بمرض الزهري لإجراء التجارب عليهم في الفترة بين عامَي 1946 و1948.