قصة البابا الحالم الذي أراد تحويل العثمانيين إلى المسيحية وإخضاع الأستانة لسلطته

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/14 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/14 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش
shutterstock الدولة العثمانية

على مدار 6 قرون من حكم العثمانيين، حاول الكثير من الساسة ورجال الدين والمفكرين أن يراسلوا ملوك أوروبا وحكامها ليحثوهم على قتال العثمانيين، وامتدت أياديهم إلى الداخل العثماني فحاولوا شراء الولاءات لتقسيم الدولة التي تمثل واجهة للعالم الإسلامي، حتى أن أحد الباباوات كان يحلم بتحويل الدولة العثمانية إلى دولة مسيحية تخضع لسلطته، لكن أحلامه بالتأكيد ذهبت أدراج الرياح.

100 محاولة لتقسيم الدولة العثمانية

روى الوزير الروماني السابق "ت. ج. دجوفارا" المحاولات التي سعت لتقسيم الدولة العثمانية ما بين عامي 1281 ـ 1913، وذلك في كتابه الذي يحمل اسم "مئة مشروع لتقسيم تركيا" والذي صدرت النسخة الأولى منه في باريس عام 1914.

شغل دجوفارا منصب وزير دولة رومانيا في بلجيكا ولوكسمبورغ، ومنصب القائم بالأعمال في بلغراد، وله دراسات في الأدب والاجتماع، وكتب في المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة برومانيا. وأحصى في كتابه 100 محاولة لتقسيم الدولة العثمانية قام بها سياسيون ومفكرون وقساوسة وأطباء على مدار ما يقارب 6 قرون، على اعتبار أن الدولة العثمانية كانت واجهة العالم الإسلامي في تلك الفترة.

وسنتوقف في هذا التقرير عند إحدى تلك المحاولات، والتي قادها البابا أكليمنضوس الثامن.

مشروع البابا لتقسيم واجهة العالم الإسلامي

تولى أكليمنضوس الثامن بابوية الكنيسة الكاثولوكية عام 1592، وكان القضاء على الدولة العثمانية من أبرز أحلامه التي عجز طوال حياته عن تحقيقها رغم سعيه الجاد إليها.

فقد بدأ البابا فور تنصيبه بمراسلة الإمبراطور رودلف لمحاربة العثمانيين، وأرسل إلى مختلف بلاد الشرق عدداً كبيراً من دعاته لتحريض المسيحيين على الثورة ضد الدولة.

فسخط على البولونيين لعدم محاربتهم العثمانيين، ولم يوفر جهداً في إقناع سجيسموند، أمير ترانسلفانيا بعداوة الأتراك؛ لأن الأخير كان يهوّن أمر خطورة العثمانيين على ملوك أوروبا.

وفي سعيه الجاد في محاربة العثمانيين، حاول البابا تأليب الإسبان عليهم ودعا ملك فرنسا هنري الرابع إلى معاداتهم، حتى أن الملك أرسل إلى سفيره في الأستانة يقول له: "إن الأب الأقدس يأبى إلا أن أنضم إلى ملك إسبانيا وسائر ملوك المسيحيين ونحارب الترك".

كما أرسل البابا مندوباً عنه إلى فيينا عام 1600، يطالب الإمبراطور بالدخول في حلف مسيحي ضد العثمانيين. وشرع بعدها في تحفيز هنري الرابع لمحاربة العثمانيين بإعطائه وعدًا ضمنياً بأن يُولَّى إمبراطوراً على النمسا بعد إقصاء آل أوتريش عائلة النمسا الملكية، وسعى للتوفيق بينه وبين ملك إسبانيا فيليب الثالث لمحاربة العثمانيين.

مواقع التواصل \ الدولة العثمانية
مواقع التواصل \ الدولة العثمانية

فشله في شراء ولاء سنان باشا

لم يكتفِ البابا أكليمنضوس بتحريض ملوك وحكام أوروبا لمهاجمة الدولة العثمانية، بل حاول نشر الفتنة داخلها عن طريق محاولته لشراء ولاء واحد من أعظم رجالها: سنان باشا.

كان سنان باشا مسيحياً من الطليان وقع في أسر الأتراك فأسلم وحسن إسلامه.

وبعدها تم إدماجه في الحياة العثمانية إلى أن صار واحداً من أهم رجال الدولة ، فبذل البابا محاولات مضنية لإعادته إلى المسيحية، وأرسل إليه الراهبين اليسوعيين أنطونيو وفنسرنو سيكالا، وكانا من أسرته، لإقناعه بالعودة إلى المسيحية والثورة على الدولة العثمانية.

ووضع البابا خطة خيالية، على ضوئها أرسل إلى مدريد أنطونيو سيكالا، يلتمس من ملك إسبانيا التعاون على إسقاط الدولة العثمانية التي سيقوم سنان بالثورة عليها بعد عودته إلى أحضان الكنيسة الكاثوليكية، وراح يحلم بأن تعتلي أسرة مسيحية عرش الأستانة وأن يجبر المسلمين العثمانيين على هجر الإسلام واعتناق المسيحية.

ووعد البابا أكليمنضوس سنان باشا بأنه إن ثار على العثمانيين فسيكون من ورائه ملك إسبانيا وجميع الملوك المسيحيين، وأن جميع ما ينتزعه من أيدي العثمانيين من الولايات تصير إقطاعًا له بما في ذلك القسطنطينية، واستثنى بعض الولايات تكون من نصيب ملوك مسيحيين أوروبيين.

ففي عام 1603، بعث أكليمنضوس كتابين إلى سنان، وعده فيهما أن يكون ملكاً على الولايات العثمانية التي يفتحها بشرط أن يحول أهلها إلى المسيحية الكاثوليكية، ودعاه إلى التبرؤ من الدين الإسلامي أمام الملأ.

لكن محاولات أكليمنضوس لاستمالة سنان باشا باءت كلها بالفشل، فقد ظل الأخير وفيًا للدولة العثمانية، ومات كمدًا لتلقيه الهزيمة في معركة عام 1605 ضد الشاه عباس الصفوي.

أما أكليمنضوس فقد ذهبت كل محاولاته لتقسيم الدولة العثمانية أدراج الرياح، ومات قبل سنان باشا بتسعة أشهر، لتموت معه واحدة من المحاولات الفاشلة في القضاء على الدولة العثمانية وتحويل أهلها إلى المسيحية.

تحميل المزيد