لا نبالغ لو قلنا إن البيتزا هي أكثر وجبة محبوبة حول العالم، في أمريكا وحدها يُباع كل عام نحو 3 مليارات بيتزا، بمعدّل 46 شريحة لكلّ أمريكي. كيف لا؟ وهي الوجبة السريعة التي يمكن أن تأكلها في أي مكان وأي زمان، ومن دون أدنى صعوبة.
لكن، هل كنتَ تعلم أن البيتزا كانت تؤكل في مصر القديمة قبل 4200 عام من الآن؟ وأن هناك أكثر من 19 نوعاً من البيتزا؟ منها مثلاً البيتزا السورية ذات لحم الضأن المفروم، والبيتزا الكورية ذات اللحم المغمّس في صلصة الصويا؟ نعم، فأكثر ما يميّز البيتزا أنها وجبة يمكن تطويرها لتناسب جميع الأذواق.
لنتعرّف معاً على معلومات لم نكن نعرفها عن البيتزا، ونغوص في رحلة عبر التاريخ؛ لنتعرّف على أصول البيتزا وكيف أكلها القدماء وما كانت مكوّناتها.
ليست إيطالية!
يفخر أهالي نابولي الإيطالية بالبيتزا على اعتبار أنها من اختراعهم، لكن الأدقّ أن نستعمل في هذا الإطار عبارة "طوّروها" فقط.
فوضع الحشوة فوق عجينٍ مفرود، ومن ثم خبزها، فكرة لطالما كانت موجودة في العصور القديمة، منذ القرن السادس قبل الميلاد. وكلمة "بيتزا" في اللغة الإيطالية تعني في الأساس أي شيء يُعدّ، ثم يُفرد.
كان الخبز المفرود المُغطَّى بمكوناتٍ يُقدم باعتباره وجبة بسيطة وسريعة. وفي أول نشأتها، اعتُبرت البيتزا وجبة الفقراء، لأن سعرها كان رخيصاً، ولأنها تعطي شعوراً سريعاً بالشبع، كما يسهل تناولها مهما كان العمال والجنود مشغولين.
ورغم اختلاف ما كان يأكله القدماء عن البيتزا الحالية، إلا أنه يمكننا أن نخرج بهذه الحقيقة الثابتة: "منذ القدم، والناس يأكلون البيتزا بشكلٍ أو بآخر".
الدُقّة كانت تُرشّ على الخبز في مصر القديمة
بحلول العام 2200 ق.م، كان الخبز المصري المفرود يُرَش فوقه خليط يُسمّى "الدُقّة"، وغير أكيد ما إذا كانت هي نفسها "الدُقّة" التي يستخدمها المصريون حالياً. كما وُجدت أدلة يعود تاريخها إلى ما يقارب العام 2000 ق.م. على تناول الإيطاليين أنفسهم لما يُسمّى بـ"الخبز المفرود".
لكن، وفي حال أردنا أن نكون موضوعيّين، فلا يمكن اعتبار الخبز المفرود الذي تعلوه بعض المكونات، كالتوابل مثلاً أو غيرها، أنّه "بيتزا" بالمعنى المتعارف عليها اليوم.
لكن الفرس اقتربوا كثيراً من البيتزا.
ففي القرن السادس قبل الميلاد كان الجنود الفرس، التابعون للإمبراطورية الإخمينية في عهد الإمبراطور داريوس العظيم، يخبزون "الخبز المفرود" فوق دروعهم، ويغطّونه بالجبن والبلح.
أما في اليونان القديمة فقد كان الناس يخبزون خبزاً مفروداً يُسمّى "بلاكوس" (بالإنكليزية: Placinta Cake) وكان يُنكَّه بالإضافات، كأن تُضاف إليه الأعشاب والبصل والجبن والثوم.
ويأتي أقدم ذِكرٍ لـ"البلاكوس" باعتباره تحليةً في قصائد الشاعر اليوناني أركيستراتوس في القرن الرابع قبل الميلاد، والذي وصف تقديم البلاكوس مع المكسّرات والفواكه المجففة. كما أشاد بنسخة أثينا من البلاكوس المليئة بالعسل.
ويُقال أيضاً إنّ الإغريق قد أكلوا ما يُشبه "الفوكاتشيا" الإيطالي، وهو خبز قريب نوعاً ما من البيتزا.
لكن البيتزا بشكلها النهائي، كما نعرفها اليوم، هي من ابتكار أهالي نابولي الذين كانوا أول من وضع صلصة الطماطم على العجينة، وقبل أي مكوّنات أخرى، في القرن السادس عشر.
بيتزا مارغريتا لا ترمز لإيطاليا بالضرورة
تقول القصة إن البيتزا اشتهرت خارج نابولي في العام 1889، عندما ابتكر خبّاز يُدعى رافائيل إسبوزيتو 3 أنواع من البيتزا للملكة مارغريتا التي كانت في رحلة حول إيطاليا مع زوجها الملك أومبيرتو الأول.
أحبّت الملكة النوع الذي احتوى على الطماطم والريحان وجبن الموتزاريلا، والذي صودف أنه مطابق لألوان العلم الإيطالي. من هنا، سمّاها إسبوزيتو تيّمناً بالملكة؛ وحتى يومنا هذا، يمكنك تناول بيتزا مارغريتا في مطعم Pizzeria Brandi في نابولي، حيث أُعدّت فيه للمرّة الأولى.
المشكلة الوحيدة في هذه القصّة أنها غير حقيقية. فمؤرخ البيتزا (نعم هي وظيفة!) سكون وينر كان قد أعلن أن إيطاليا توحدت اسماً فقط عام 1889؛ لذا ليس مرجحاً أن يكون أحد خبّازي نابولي قد رغب في الاحتفاء بـ"الغزاة الشماليين" آنذاك.
والأهم من كلّ ذلك أن خطاب الشكر، المُرسل من العائلة الملكية، والذي يُعلّقه مطعم Pizzeria Brandi على حيطانه اليوم يبدو مزيّفاً؛ وربما لم يكن يوماً أكثر من حيلة تسويقية لا أكثر.
طعام الفقراء في نابولي
في القرن الـ18، زاد عدد سكّان نابولي إلى الضعف تقريباً، واشتهرت بكثرة العمّال فيها. احتاج هؤلاء العمّال إلى طعامٍ رخيص من ناحية، وسريع التحضير، ويمكن تناوله بسهولة من ناحيةٍ أخرى.
وهكذا جاءت البيتزا: خبزٌ مسطّح، مع طبقاتٍ مختلفة، تؤكل مع أي وجبة ويبيعها الباعة المتجوّلون في كلّ أرجاء المدينة.
ومع الوقت، أصبحت البيتزا وجبة رئيسية وأُضيف إليها الكثير من المكوّنات، مثل الطماطم أو الجبن والزيت أو الثوم، وغيرها. وفي العام 2017، أدرجت اللجنة الخاصة لمنظمة اليونسكو "فنّ صنع البيتزا" في مدينة نابولي الإيطالية على قائمتها، للتراث العالمي غير المادي. واحتفل الإيطاليون بالقرار بترقيص عجينة البيتزا في الجو في المدينة، وتوزيع قطع منها على المارة.
بيتزا هاواي من اختراع كندي!
لم يكن كندياً فقط، بل يوناني الأصل أيضاً. انتقل سام بانوبولوس إلى كندا عندما كان في العشرين من عمره، وفي عام 1962 قرّر وضع اللحم والأناناس على البيتزا في أحد مطاعمه في ولاية أونتاريو، وكان نمط الـ Tiki مزدهراً آنذاك.
وفي حديثٍ لشبكة BBC، قال بانوبولوس في العام 2017 (وهو العام الذي توفي فيه): "وضعنا الأناناس مع اللحم هكذا فحسب، على سبيل التسلية، لنرى كيف سيكون مذاقها".
وأُطلق عليها اسم بيتزا هاواي على اسم ماركة الأناناس المُعلّب الذي استُخدم آنذاك.
وفي حين نال مزيج الحلو واللاذع إعجاب فئة كبيرة من الناس، آنذاك واليوم، إلا أن العديد من عشاق البيتزا حول العالم- ولا سيما إيطاليا- يعتبرونها دخيلة على البيتزا.
البيتزا الأمريكية تختلف كلياً عن الإيطالية
ربما كانت الهجرة الإيطالية إلى الولايات المتحدة في أواخر القرن 19 هي ما جعل البيتزا تشتهر هناك، لكنها انتشرت فعلاً في خمسينيات القرن العشرين مع انتشار مطاعم الوجبات السريعة.
حتى أصبح اليوم 3 من أكبر سلاسل المطاعم السريعة في أمريكا هي مطاعم بيتزا:
- بيتزا هت.
- دومينوز بيتزا.
- Hunt Brothers.
لكن الحقيقة أن البيتزا في الولايات المتحدة تختلف اختلافاً تاماً عن البيتزا الإيطالية. فالعجينة الإيطالية أرفع وغير محشية، ولا تعطي شعوراً بالانتفاخ. وبحسب موقع How Stuff Works، فالأمريكيون ابتدعوا عشرات الأنواع من البيتزا، منها بيتزا نيويورك (شرائح كبيرة رفيعة ويسهل طيّها)، وبيتزا ديترويت (بيتزا مربعة تُخبز في مقلاة من الفولاذ الأزرق لتجعل العجينة مقرمشة)، وغيرها.