مع تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية، وقبل أيام على انطلاق هجوم روسيا على أوكرانيا، بدأ يتردد اسم مدينة لفيف (LVIV) باعتبارها بديلاً محتملاً للعاصمة الأوكرانية كييف في حال تعرضت لهجومٍ عسكري روسي شامل.
مدينة لفيف الأوكرانية (غرب) الواقعة على الحدود مع بولندا، أصبحت مركزاً جديداً لسفارات الدول الكبرى، إذ قررت الولايات المتحدة نقل سفارتها لدى أوكرانيا من العاصمة كييف إلى مدينة لفيف، كما أخلت أستراليا وكندا وهولندا سفاراتها في العاصمة الأوكرانية كييف، وسحبت واشنطن جميع الموظفين الأمريكيين من بعثة منظمة الأمن والتعاون الأوروبية في مدينة دونيتسك، ونقلتهم إلى مكاتب مؤقتة بمدينة لفيف، وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وهو ما جعل الغرب ينظر إلى مدينة لفيف على أنها بديل محتمل للعاصمة الأوكرانية كييف في حال تعرضت لقصف عسكري وذلك حتى قبل بدء الهجوم، صباح الخميس 24 فبراير/شباط 2022، والذي شمل أيضاً العاصمة الأوكرانية، حيث قال مراسل لوكالة "رويترز"، إن دويّ انفجار سُمع في كييف ظهراً، ضمن سلسلة انفجارات بدأت بعدما شنت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا.
مدينة لفيف التي كانت واحدة من المراكز التجارية الرئيسية بأوروبا في العصور الوسطى، كانت تابعة لدول عدة على مدار تاريخها، إذ احتلها البولنديون، كما وقعت تحت سيطرة السويد، وكانت عاصمة لغاليتسيا، وضُمت لفترة إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية، وفي الحرب العالمية الثانية ضُمت المدينة إلى الاتحاد السوفييتي، كما احتلها الألمان، إلى أن تنازلت بولندا عنها رسمياً للاتحاد السوفييتي، وبعد انهياره أصبحت تابعة لدولة أوكرانيا الحالية.
تاريخ مدينة لفيف الأوكرانية
كانت جزءاً من مملكة بولندا في العصور الوسطى
تأسست مدينة لفيف في عهد دانيلو رومانوفيتش ملك غاليسيا، وسميت على اسم ابنه "الأمير ليف"، وكان أول ذكر لاسم المدينة في عام 1256. وفي منتصف القرن الرابع عشر، غزا كازيمير الثالث المدينة لتصبح جزءاً من مملكة بولندا، واستمرت بولندية لأكثر من 400 عام.
بحلول عام 1356 كانت المدينة يسكنها 5 آلاف نسمة من الألمان والبولنديين والروثينيين والأرمن واليهود، وأصبحت مركزاً تجارياً، لكنها تعرضت لدمار كبير في العام 1527، بسبب الحريق الكبير، ما دمر مباني العصور الوسطى بالمدينة، وبدأت المباني التي تبنى بعد ذلك تأخذ طابع عصر النهضة، حينها أنشئت أيضاً العديد من الأديرة والكنائس الكاثوليكية اليونانية والأرثوذكسية.
ثم تبعت التاج النمساوي
في منتصف القرن السابع عشر، كان عدد سكان المدينة وصل إلى 25 ألفاً من جنسيات مختلفة قبل أن يحتلها الجيش السويدي عام 1702، وأصبحت تابعة للتاج النمساوي، وسرعان ما أصبحت عاصمة مقاطعة مملكة غاليسيا ولودوميريا.
في هذه المرحلة التاريخية شهدت مباني المدينة تغييراً آخر، حيث حُولت الأديرة والكنائس إلى مبانٍ حكومية (جمارك، سجن، مكتبة، إلخ)، كما ظهر مبنى جديد على الطراز النمساوي الكلاسيكي. ومع اندلاع "ثورات الربيع الأوروبي" في عام 1848، انطلقت احتجاجات بالمدينة، واستجابةً لها بدأ إضفاء الطابع الديمقراطي على الحياة الاجتماعية.
نظراً إلى اكتشاف الحقول البترولية في غاليسيا وبناء العديد من الشركات، أصبحت لفيف مركزاً اقتصادياً مهماً وتطورت المدينة. وفي عام 1861 أنشئ أول خط سكة حديدية بأوكرانيا يربط مدينتي لفيف وبرزيميسل.
ثم في مطلع القرنين التاسع عشر والعشرين، ظهرت مؤسسات حكومية ومالية جديدة في المدينة التي كانت تشهد تقدماً ثقافياً حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، حسبما ورد في موقع المدينة الرسمي الصادر باللغة الإنجليزية.
الحرب العالمية الأولى والعودة إلى بولندا وظهور أوكرانيا
بعد هزيمة الإمبراطورية النمساوية في الحرب العالمية الأولى، وقعت لفيف مرة أخرى تحت الحكم البولندي في نهاية العام 1918.
في هذا الوقت كان الأوكران حصلوا على وعدٍ إمبراطوري بامتلاكهم دولة قوية، وبدأت قوات أوكرانية انتفاضة لتأسيس هذه الدولة، حيث أصبحت مدينة لفيف تحت سيطرتهم، وأعلنت ضمن "الجمهورية الشعبية لأوكرانيا الغربية".
مرة أخرى عادت المدينة تحت سيطرة بولندا، وفق موقع مدينة "لفيف"، وأُعلنَت في العام 1921 ضمن الجمهورية البولندية، وقتها كان سكان المدينة 50% بولنديون، و30% من اليهود، و15% من الأوكران.
واجهت بولندا محاولات الأوكران إنشاء قومية ومجتمع أوكراني داخل المدينة، وأغلقت مدارسهم وجامعاتهم السرية، ورغم ذلك نمت نسبتهم إلى 30% بحلول العام 1931.
تحت الحكم السوفييتي واحتلال ألماني
في الحرب العالمية الثانية ونتيجة للتواطؤ بين ستالين وألمانيا النازية، أصبحت لفيف جزءاً من الإمبراطورية السوفييتية بحلول عام 1939، بعد عامين وقعت تحت السيطرة الألمانية حتى عام 1944، عندما عاد السوفييت من جديد.
وخلال هذه الفترة تغيرت ديموغرافيا المدينة، إذ أمر المسؤولون السوفييت بالقبض على جميع المشتبه في تعاونهم مع منظمة القوميين الأوكرانيين وجيش التمرد الأوكراني؛ لمنع أي محاولات انفصال، بينما أباد الألمان معظم اليهود في المدينة خلال فترة احتلالها، وبحلول أوائل التسعينيات وصل عدد اليهود في المدينة إلى ما يقارب 17 ألفاً.
بعد الحرب العالمية الثانية وخروج الألمان من المدينة، تنازلت بولندا رسمياً عن المدينة للاتحاد السوفييتي في عام 1945، وظلت مدينة سوفييتية لعقود، لكن السنوات التي سبقتها حدت من وجود الكنائس الكاثوليكية اليونانية وتأثيرها، إضافة إلى اليهود.
الانضمام إلى أوكرانيا منذ 31 عاماً
لكن الأوكران كانوا ما زالوا يطمحون إلى الاستقلال بدولة قومية، ونظموا أكبر مظاهرة لدعم إحياء استقلال أوكرانيا والكنيسة الكاثوليكية اليونانية، وتقول تقديرات الموقع الرسمي للمدينة إن التظاهرة التي أقيمت عام 1989 شارك فيها 100 ألف شخص، واستمروا في إنشاء منظماتهم وأحزابهم المعارضة، كما رفع بعضهم علم أوكرانيا الأزرق بالأصفر فوق إحدى قاعات المدينة قبل عامٍ واحد من استقلالها.
في عام 1991 انهار الاتحاد السوفييتي، وأصبحت مدينة لفيف تابعة لدولة أوكرانيا الحالية، واعتبرت بمثابة مدينة شاهدة على الثورة والنضال بالنسبة للأوكران، ثم أعلنت العاصمة الثقافية لأوكرانيا (2009)، كما كانت واحدة من المدن التي استضافت بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم عام 2012، ومن المفترض أن تحتفل في خريف عام 2022 بالذكرى الـ766 لتأسيسها.