يعد الأمير فلاديمير الأول من كييف هو أول من أدخل المسيحية إلى روسيا في القرن العاشر، لكن فلاديمير كان سيختار الدين الإسلامي لولا عائق واحد منعه من اعتناق الدين وتوريثه للأجيال الذي ستليه.
تعود جذور القصة إلى الأعوام التي سبقت 988، إذ كان فلاديمير الأول يؤمن بالوثنية مثل والده، بل شيد معبداً لإله الرعد بيرون تقدم على محرابه الذبائح البشرية.
لكن عند عودته من انتصار في إحدى المعارك، قرر أن يقدم ذبيحة بشرية لشكر الآلهة، فوقعت القرعة على أب مسيحي وابنه.
لفت الأمر انتباه الأمير الشاب، وشرع في رحلة للتعرف على الأديان السماوية المنتشرة آنذاك، اليهودية والمسيحية الغربية والأروذوكسية البيزنطية وأخيراً الإسلام. انتشرت هذه الأديان وقتها على الشكل التالي:
– الإسلام في دولة الخلافة الإسلامية في الجنوب والذي اعتنقه أعداؤه في نهر الفولغا.
– المسيحية في الدولة البيزنطية بحوض البحر المتوسط في الجنوب.
– اليهودية التي تحكم دولة الخزر في الإقليم الممتد بين بحر قزوين والبحر الأسود.
روسيا والإسلام
كان البلغار، من بلاد البلغار على نهر الفولغا، هم أول من حاولوا إقناع الأمير في كييف بدينهم الإسلامي، وفقاً لـ"أسفار دير القديس هيباتيوس" القديمة.
وكانت بلاد البلغار آنذاك (دولة تقع على نهر الفولغا شمال شرقي دولة كييف الروسية وليس بلغاريا الحالية) مجاورة لدولة كييف، واعتنقت الإسلام عن طريق التجار العرب المسلمين في القرن التاسع الميلادي، وأقامت علاقات تجارية جيدة مع دولة الروس.
ومن هذا المنطلق أرسل حاكم البلغار وفداً إلى قصر الأمير، الذي طلب منهم شرح مغزى دين الإسلام.
رد الوفد بأنه دين موحد بالله ويؤمن برسالة النبي محمد، فبادر إلى سؤالهم عن العادات التي يمارسونها والقوانين التي يلتزمون بها والممنوعات التي يتجنبونها، فقيل له إن الإسلام حرَّم أكل لحم الخنزير وشرب الخمر.
استغرب الأمير من القانون الذي يمنع تناول الخمر، وقال إنه معتاد على تناول مشروب روسي منقوع بالعسل يحتوي على الكحول، وإنه يسلي جنوده ويشربونه عند الانتصار وعند مشاركة الطعام واحتفال الجنود مع قائدهم، وقال: "الشرب هو فرحة كل روسي. لا يمكننا أن نعيش بدون هذه المتعة".
زيارة لليهود والمسيحيين لتقصي أحوالهم
كما أرسل فلاديمير الأول مبعوثين لدراسة أديان الدول المجاورة المختلفة التي كان ممثلوها يحثونه على اعتناق دياناتهم. زار مبعوثوه أيضاً مناطق ما قبل انشقاق المسيحيين بين الطقوس الشرقية واللاتينية.
وتعرف الأمير فلاديمير على الديانة اليهودية من قبل موفدين قدموا إلى كييف لشرح التعاليم الدينية، لكنه رفض اعتناقها أيضاً، بسبب عدم وجود وطن لهم، وافترض أن "الله تخلى عنهم"، وفق ما نشره موقع New World Encyclopedia.
جمال آيا صوفيا يسحر موفديه
استقر فلاديمير في النهاية على المسيحية الشرقية، ونقل موفدوه أنهم لم يروا أي جمال في كنائس الألمان؛ ولكن في القسطنطينية، حيث تم إطلاق طقوس الاحتفال الكامل للكنيسة البيزنطية لإثارة إعجابهم، وجدوا نموذجهم المثالي ودوَّنوا: "لم نعد نعرف ما إذا كنا في الجنة أو على الأرض"، كما نشر في كتاب أخبار نسطور.
وفي وصفهم لقداس مهيب في كنيسة آيا صوفيا ورد: "لا يوجد مثل هذا الجمال، ولا نعرف كيف نحكي عنه".
تأثر فلاديمير بهذه الرواية من مبعوثيه، وقرر اعتناق المسيحية، وأصبحت الأرثوذكسية هي الديانة الرسمية لروسيا منذ عام 988، حسب موقع روسيا اليوم.
ويشير توماس كندريك إلى أن القرار كان ذا أبعاد سياسية واقتصادية، لذا لم يترك الأمير خياراً للمواطنين وأمر بتحولهم للمسيحية، بل استخدم القوة أحياناً.
تم تعميد سكان "إمارة كييف" في مراسم معمودية جماعية بنهر الدنيبر على يد كهنة يونانيين، وأمر بإلقاء الأصنام في النهر بعد قمع المعارضين.
ويشير راهب يدعى يعقوب، في أوراقه التي دوَّنها، إلى أن فلاديمير اختار الطقوس البيزنطية وليس طقوس المسيحية الألمانية أو اليهودية أو الإسلام، بسبب "جمالها المتسامي"، وربما كان السبب تصميمه على البقاء مستقلاً عن السيطرة السياسية الخارجية، لا سيما من الألمان.