أصلهم تركي وتعرضوا لتهجير قسري على يد ستالين.. مسلمو “تتار القرم” الذين فرضوا ذات يومٍ الجزية على موسكو

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/17 الساعة 14:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/24 الساعة 09:31 بتوقيت غرينتش
Getty Images/ تتار القرم

لا شكَّ في أن خلافات روسيا وأوكرانيا الأخيرة أعادت إلى أذهاننا أزمة قديمة جديدة، وهي أزمة "تتار القرم" الذي يرفض سكانه المسلمون الانضمام لروسيا.

من هم سكان تتار القرم المُسلمون، كيف وصلوا إلى ذلك الإقليم، ولماذا قام جوزيف ستالين بتهجيرهم قسراً من أرضهم؟ 

من هُم مسلمو تتار القرم؟

تتار القرم هُم مجموعة عرقيّة، تُقيم بإقليم شبه جزيرة القرم الذي سيطرت عليه روسيا من أوكرانيا في عام 2014، ويتحدثون لغتهم المحليّة الخاصة القريبة من اللغة التركية.

يعود أصل تتار القرم إلى قبائل تركيّة قديمة سكنت الساحل الشمالي للبحر الأسود، ويقال إن أجدادهم ينحدرون من جبال القوقاز.

ووفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء التركية TRT، فإن تتار القرم استقروا في شبه جزيرتهم خلال العصر العباسي، فأسسوا جمهورية "تتار القرم" المُسلمة التي أصبحت دولة قوية في القرن الرابع عشر الميلادي واستطاعت أن تمد نفوذها إلى المناطق المجاورة، حتى إنها فرضت ذات يوم، الجزية على موسكو.

من جهته قال الأستاذ أحمد عبد الوهاب الشرقاوي المُتخصص في التاريخ العثماني: "قام جنكيز خان بتوحيد قبائل التتار، واجتاح بهم طريق الحرير، ودمر دولاً وحضارات؛ وأقام على أنقاضها واحدة من أكبر الإمبراطوريات اتساعاً عرفها التاريخ، ليؤسس في النهاية الدولة المغولية التركية التي عُرفت باسم القبيلة الذهبية، والتي يَعتبر تتار القرم أنفسهم مكونَها الأساسي".

وأضاف الشرقاوي وفقاً لموقع "إضاءات": "إن الإسلام دخل إلى القبيلة الذهبية في عهد بركة خان وأصبح الدينَ الرئيسيَّ للدولة في عهد أوزبك خان 1313–1341".

وهي الفترة ذاتها التي بدأ فيها الروس يدفعون الجزية لأمراء القرم المُسلمين مقابل عدم اعتدائهم على قوافلهم التجارية.

لاحقاً ضُمَّت القرم إلى الخلافة العثمانية في العام 1441 تحت مسمى "خانية القرم"، ويقصد بـ"الخانية" أو "الخانات" الكيان الذي يحكمه "خان" أو "خاقان"، وهو يكافئ من حيث المفهوم الإمارة أو الإمبراطورية.

فكانت خانية تتارية القرم، الموجودة من 1441 إلى 1783، أطول الخانات التركية عمراً، إلى أن تمكّن الروس من غزو شبه جزيرة القرم إبان حكم كاثرين العظيمة في عام 1783 وضمّها إليهم بعد انتهاكهم معاهدة (كوجوك كايناركا 1774) التي تضمنت عدم تدخل كل من الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية في شؤون خانية القرم.

Getty Images/ تتار القرم هُم مجموعة عرقيّة، تُقيم بإقليم شبه جزيرة القرم الذي سيطرت عليه روسيا من أوكرانيا في عام 2014، ويتحدثون لغتهم المحليّة الخاصة القريبة من اللغة التركية.
Getty Images/ تتار القرم هُم مجموعة عرقيّة، تُقيم بإقليم شبه جزيرة القرم الذي سيطرت عليه روسيا من أوكرانيا في عام 2014، ويتحدثون لغتهم المحليّة الخاصة القريبة من اللغة التركية.

عمليات الترحيل القسري في عهد ستالين!

مُنحت شبه جزيرة القرم حكماً ذاتياً باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي عقب ثورة أكتوبر/تشرين الأول البلشفية عام 1917، واحتلها النازيون في أوائل عام 1940 قبل أن يُطردوا منها.

ولكن عندما وصل الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين إلى الحكم، قام بين ليلة وضحاها وتحديداً بين 2 و18 مايو/أيار 1944، بترحيل الشعب التتري بالكامل باتجاه سيبيريا ووسط آسيا.

ووفقاً لما ذكرته مجلة National Geographic، فقد تم إخطار سكان التتار المسلمين بضرورة إخلاء منازلهم ومنحهم مدة 30 دقيقة فقط للبدء بالخروج.

مات ما يقرب من نصف المنفيِّين من الرجال والنساء والأطفال الذين تم تحميلهم على عربات الماشية والبالغ عددهم 200 ألف، في الطريق أو بعد وقت قصير من وصولهم إلى جبال الأورال وسيبيريا وآسيا الوسطى، وأودى الترحيل بحياة من ثلث إلى نصف سكان تتار القرم في ذلك الوقت.

أما نفيهم من منازلهم فكان عقاباً لهم على تعاونهم المزعوم مع ألمانيا النازية التي احتلت شبه جزيرة القرم في الحرب العالمية الثانية.

رفعت تشوباروف، رئيس مجلس شعب تتار القرم، أكد لـNational Geographic، أن والدته كانت تبلغ من العمر 11 عاماً ووالده 13 عاماً، عندما تم ترحيلهما من قريتهما آي سيريز باتجاه أوزبكستان في عام 1944.

وقال: "بعدها كبرا وتزوَّجا في أوزبكستان وأنجوبني، كانا يقولان لي إنه يتعيَّن علينا بذل كل ما في وسعنا للعودة إلى وطننا، وأن ندرس بجد وأن نعمل بجد، وأن نوفر المال في يوم من الأيام للعودة وشراء منزل بالقرم".

وفي عام 1968، كانت عائلته واحدة من 300 عائلة فقط سُمح لهم بالعودة؛ حتى يتمكن السوفييت من إخبار العالم بأنهم سمحوا لهم بالعودة، ولكن الأمر كان لأغراض دعائية، وفقاً لرفعت تشوباروف.

ويُنظر اليوم إلى يوم ترحيل تتار القرم على أنه رمز لاضطهاد هذه الأقلية العرقية، حتى إن البرلمان الأوكراني أعلن في عام 2015، اعترافه بيوم 18 مايو/أيار على أنه "يوم إحياء ذكرى ضحايا إبادة تتار القرم الجماعية".

إهداء القرم إلى أوكرانيا وعودة تتار القرم إلى أراضيهم!

ظلت القرم جزءاً من الاتحاد السوفييتي حتى عام 1954 عندما قام الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف بـ"إهدائها" إلى جمهورية أوكرانيا السوفييتية آنذاك؛ "من أجل تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين".

ولكن لم يبدأ التتار بالعودة الى موطنهم الأصلي في القرم إلى حين انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 وزواله، وعندما عادوا كان عددهم يناهز ربع مليون فقط، فوجدوا أنفسهم أقلية في دولة مُستقلة جديدة هي أوكرانيا، حيث واجهوا نسبة بطالة عالية وظروف سكن رديئة.

كما فوجئ التتار أيضاً عند عودتهم بأن وطنهم قد أُعيد إسكانه بالكامل من قِبل الروس، مع ذلك التزموا بإعادة بناء وإحياء تراث التتار في القرم، وفقاً لما ذكرته مجلة Foreign Policy الأمريكية.

وعقب إعلان استقلال أوكرانيا، سعى سياسيون روس في القرم إلى توثيق علاقات شبه الجزيرة مع روسيا وإلى تثبيت سيادتها من خلال سلسلة من الخطوات وصفتها الحكومة الأوكرانية بأنها منافية للدستور الأوكراني، وفقاً لما ذكرته شبكة BBC البريطانية.

ونص الدستور الأوكراني الذي سُنَّ في عام 1996، على أن القرم لها وضع الجمهورية ذاتية الحكم، ولكنه نص أيضاً على أن القوانين التي تُسَن في القرم يجب أن تتماشى مع القوانين الأوكرانية.

احتلال روسيا للقرم في 2014

في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، بدأت الاحتجاجات الشعبية التي سميت بـ"الميدان الأوروبي" ضد الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، بسبب تأجيله المستمر لاتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.

اندلعت العديد من الاحتجاجات في مُعظم مناطق أوكرانيا، وانتهت بالإطاحة بالرئيس من منصبه في فبراير/شباط 2014.

وبعد الإطاحة بالرئيس بدأت مظاهرات موالية للروس بالاندلاع في بعض المناطق، وجاءت هذه المظاهرات بعد انتهاء حركة الميدان الأوروبي، بينما وصفت وسائل الإعلام الروسية تلك المظاهرات بأنها "الربيع الروسي".

في الوقت ذاته، غزت القوات الروسية شبه جزيرة القرم، وضمت بشكل غير قانوني، شبه الجزيرة من أوكرانيا.

أول ما فعله الروس بعد احتلال شبه الجزيرة هو مضايقة التتار المسلمين الذين كانوا من ضمن المشاركين في احتجاجات عزل الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا.

قاموا بإجراء استفتاء بشأن انضمام جمهورية الحكم الذاتي في القرم من أوكرانيا إلى روسيا الاتحادية وتحويلها إلى جمهورية القرم. 

وبما أنّ أكثر من 50% من سكان القرم من أصل روسي كان ستالين قد وطّنهم بدلاً من التتار، جاء الاستفتاء لصالح الانضمام إلى روسيا، وهو مالم تعترف به أي دولة على مستوى رسمي حتى الآن.

ووفقاً لآخر إحصاء سكاني أجرته أوكرانيا وأجري في 2001، فإن 58% من سكان القرم روس، و24.4% أوكرانيون و12.1% تتريون قرميون.

قد يهمك أيضاً: خسروا أرضهم بعد حرب استمرت 100 عام مع روسيا.. ماذا تعرف عن يوم الحزن الشركسي؟

تحميل المزيد