في خضم الأزمة الروسية الأوكرانية انصبّ تركيز كبير على تسليح الطرفين، واتجه بعض هذا التركيز إلى النساء في الجيش الأوكراني والروسي، خصوصاً مع انتشار صور ومقاطع فيديو نُسبت إلى مجندات أوكرانيات أو روسيات، استُدعين للتدريبات العسكرية في إطار الحشد العسكري للجارتين.
في هذا التقرير؛ نسلّط الضوء على المجندات الأوكرانيات، لنرى إن كنّ ورقة ضغط قوية في الحشد العسكري الأوكراني، بالنظر إلى أعدادهن وتسليحهن ودورهن في الجيش، أم أن الصور ومقاطع فيديو المجندات الفاتنة المنتشرة على الشبكات الاجتماعية نوع من الدعاية و"البروباغندا"، كما نأخذ نظرة عامة وسريعة على نظام تجنيد النساء في أوكرانيا، مقارنة بأنظمة تجنيد النساء في جيوش أخرى حول العالم.
النساء في الجيش الأوكراني
خدمت النساء في القوات المسلحة الأوكرانية منذ العام 1993، أي بعد حل الاتحاد السوفييتي واستقلال أوكرانيا، لكن لعبت النساء دوراً رئيسياً في القوات المسلحة الأوكرانية مع التوترات العسكرية في العام 2014، عندما قامت روسيا بالعديد من العمليات العسكرية في الأراضي الأوكرانية، وسيطرت على مواقع استراتيجية وحيوية في شبه جزيرة القرم، التي انتهت بضمها تحت السيادة الروسية.
حينها خدمت في الخطوط الأمامية كمشاة ومسعفين قتاليين وقناصة، كما ساعدن بأنشطة غير عسكرية مباشرة، مثل شراء الإمدادات والمعدات الحيوية وتسليمها إلى الجنود في الخطوط الأمامية، وكانت أعداد النساء العاملات في هذه الأنشطة محدودة، خصوصاً أن عدداً منهن خدمن كمتطوعات في كتائب عُرفت بـ"كتائب المتطوعين"، وهي كتائب لأفراد مدنيين لم يملكوا خلفية عسكرية، أو خلفيتهم العسكرية محدودة، وقد استغرق الأمر سنوات حتى اعترفت الحكومة الأوكرانية رسمياً بتوفير سجلات "الخدمة القتالية" لأولئك الذين قاتلوا داخل كتائب المتطوعين.
لكن في العام 2018 سمح الجيش الأوكراني النظامي رسمياً للنساء بالخدمة في التخصصات القتالية، بما في ذلك عملهن في: المركبات المدرعة، وقادة المشاة، والقناصة.
تسجيل إجباري في الخدمة العسكرية
يبدو أن السلطات الأوكرانية رأت في المرأة مورداً بشرياً مهماً لإضافته ضمن استعدادتها العسكرية، وفتحت باب التسجيل للخدمة العسكرية للنساء في بعض المهن والتخصصات، وكانت تزيد هذه الفرص لعمل النساء في المجال العسكري مع اشتعال الأحداث مع جارتها أكثر، حيث وسعت الخطة الرسمية في التخصصات والأعمار المسموح بانضمامها للخدمة.
إذ أصدرت وزارة الدفاع الأوكرانية أمراً، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بضرورة تسجيل الأوكرانيات في الخدمة العسكرية، لتطبيق الفحوصات الصحية اللازمة لتحديد من يتم قبولهن من المسجلات، وشمل القرار الفتيات من 18 عاماً، وكذلك الحوامل والأمهات للأطفال حديثي الولادة وصولاً إلى السيدات من عمر الـ60 عاماً، كما ضم هذا الأمر توسيعاً للتخصصات والمهن التي تنص على تسجيل النساء في السجل العسكري كـ"مطلوبات للخدمة العسكرية".
ولأن هذا القرار أثار بعض الانتقادات والتحفظات، حسب الصحف والمواقع الأوكرانية الناطقة بالإنجليزية مثل Kyiv Post، فقد أتبعته الوزارة بعدة بيانات توضيحية بأن هذا التسجيل لن يؤثر على حياة المرأة الأوكرانية، لكنها خطوة تمهيدية لأن يكون التسجيل العسكري وليس التجنيد العسكري إلزامياً على النساء كالرجال، بمعنى أن يسجل قيدهن في السجل العسكري.
الوزارة أشارت إلى فرض غرامات للمتهربين من هذا التسجيل لكن بحلول العام 2022، ومن بعد هذا التاريخ، ستحتاج الأوكرانيات إلى تقديم شهادة تسجيل عسكرية عند توليها وظيفة، وهي الشهادة التي كانت مقتصرة على الرجال قبل ذلك، كما سيتم فرض غرامات على أصحاب العمل الذين يوظفون نساء لا يملكن هذه الشهادة.
التسجيل العسكري يختلف عن التجنيد العسكري في أن غرضه الأساسي هو إنشاء سجلات وقواعد بيانات للنساء الملائمات للتجنيد مثل الرجال في السجل العسكري، لكن رئيس قسم شؤون الأفراد بمقر القوات البرية للقوات المسلحة، ياروسلاف هورباتش، أكد لوكالة الأنباء الأوكرانية (Ukrainian News Agency) احتمالية مشاركة النساء العسكرية في حالة تطبيق الأحكام العرفية أو في فترات خاصة أثناء التعبئة.
أعداد النساء في الجيش الأوكراني
وزارة الدفاع قدرت أعداد النساء الملائمات للتجنيد بـ 10 ملايين، لكنها لم تحدد ما إذا كن جميعهن مؤهلات للتسجيل في الجيش بالعام 2022.
أما الأعداد الفعلية للنساء في الجيش الأوكراني فقدرها الجيش الأوكراني بنحو 31 ألف امرأة في العام 2020، وهو ما كان يمثل 15.6% من إجمالي القوة العسكرية، وزادت الأعداد ونسبة تمثيلهن إلى 22.5% بحلول مارس/آذار 2021، بينما ذكر تقرير لشبكة CNN نشر في صيف 2021 وصول أعداد المجندات لـ 57 ألفاً، وهو عدد كبير بالنظر إلى أن تقديرات أعداد الجيش الأوكراني تصل لـ 250 ألف جندي.
أما تقسيمة هذه الأعداد فقد ضمت القوات المسلحة الأوكرانية أكثر من 900 ضابطة في مناصب قيادية، بما في ذلك 109 قائدات لفصائل عسكرية، و12 قائدة سرية، وفقاً للجيش، فيما كانت 13 ألف امرأة مقاتلة في الخطوط الأمامية، كما أشار موقع Military المتخصص في تغطية الملفات العسكرية.
تدريبات عسكرية بالكعب العالي!
في صيف 2021، التُقطت صور لمجندات أوكرانيات يتدربن على مرشال السير مرتديات أحذية الكعب العالي، وقد أثار ذلك جدلاً دفع وزارة الدفاع الأوكرانية للتأكيد أن هذه التدريبات جاءت في إطار مسيرات عسكرية للاحتفال بالذكرى الثلاثين للاستقلال عن الاتحاد السوفييتي، في 24 أغسطس/آب، وأن الحذاء العالي الذي قد لا يناسب التدريبات العسكرية استخدم فقط في إطار احتفالات رسمية ليناسب الزي المستخدم.
حتى إن وزارة الدفاع نشرت صوراً لجيوش دول عضوة بحلف الناتو ترتدي أحذية الكعب العالي، لكن المنتقدين وبعضهم نواب ومسؤولون رأوا أنها كانت جزءاً من اللباس الرسمي المخصص لهذه الجيوش، ونادوا بضرورة المساواة مع الرجال في اختيار ملابس وأحذية مريحة ومناسبة للتدريبات، وبالفعل رضخت وزارة الدفاع الأوكرانية بتقديم وعود بتصميم "أحذية جديدة ومحسنة" للجنديات، كما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية.
جنديات فاتنات على الشبكات الاجتماعية
تغرق حسابات المجندات الأوكرانيات على تطبيق مشاركة الفيديو TikTok وإنستغرام ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى بصور ومقاطع فيديو بينما يرتدين الزي العسكري، أو يقمن بتدريبات بالأسلحة والمعدات العسكرية، وحتى مجندات فاتنات يرقصن في الثكنات العسكرية بطريقة اعتبرتها وسائل إعلام أمريكية "محاولة للفوز في حرب دعائية".
هذه المنافسة على ساحة الشبكات الاجتماعية صنع مجندات فاتنات مؤثرات، وأصبح لبعضهن جمهور يصل لـ 35 ألف متابع يتابع قصصهن اليومية من داخل الثكنات العسكرية.
النساء في الجيوش حول العالم
الوجود النسائي في الجيوش حول العالم ليس محدوداً كما يتصور البعض، فإذا نظرنا إلى أكبر جيوش العالم نجد أن نسبة التمثيل النسائي كبيرة، وأن أوكرانيا ليست استثناءً. إذ ذكر تقرير لموقع Army Technology المتخصص بمتابعة الأخبار العسكرية والتكنولوجيا الدفاعية أعداد النساء في أكبر 7 جيوش بالعالم، وكانت كالتالي:
1- الصين
تقدر خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكية أعداد القوة البرية في الجيش الصيني بـ 1.6 مليون، ما يجعل الصين أكبر جيش في العالم، وتشكل النساء نحو 5% من هذه النسبة الضخمة، أي نحو 53 ألف امرأة، وفقاً لتقديرات نشرت بالعام 2015.
2- الهند
بينما تشكل النساء 3% من أفراد الجيش الهندي، البالغ عدده 1.2 مليون فرد نشط، أي 36 ألف امرأة.
بدأت النساء في الالتحاق بالجيش الهندي من خلال خدمة التمريض العسكرية الهندية، التي تشكلت خلال فترة الحكم البريطاني عام 1888، ثم خدمت ممرضات الجيش الهندي في الحرب العالمية الأولى والثانية، وفي العام 1992 دخلن الجيش في أدوار غير طبية، حتى إن أول قوة حفظ سلام نسائية بالكامل تابعة للأمم المتحدة تكونت من 105 جنديات هنديات، وقد تم نشرهن في ليبيريا في العام 2007.
3- كوريا الشمالية
تشكل النساء 40% من القوة البرية الشعبية لكوريا الشمالية، التي تقدر بـ 950 ألف فرد، إذ تقدر أعداد النساء في الجيش بنحو 380 ألفاً، وهناك تخدم النساء لمدة أقصاها ست سنوات، والرجال لمدة عشر سنوات.
4- باكستان
يقول المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) إن الجيش الباكستاني لديه 560 ألف جندي، وتقدر أعداد النساء العسكريات بـ 4 آلاف.
5- كوريا الجنوبية
وفقاً لـ United Press International (UPI، تخدم نحو 7 آلاف امرأة في جيش جمهورية كوريا الجنوبية الذي يضم نحو 560 ألف جندي. وتشكل النساء بين 5.5 إلى 7% من الرتب العسكرية العليا.
6- الولايات المتحدة الأمريكية
يخدم نحو 476 ألف جندي أمريكي بينهم 74 ألف سيدة، وهو ما يشكل نحو 16% من نصيب الجنس اللطيف. وقد بدأت أمريكا في السماح للنساء بالانضمام للجيش منذ الحرب الثورية الأمريكية من عام 1775 إلى عام 1783، ورغم أن معظمهن بدأن خدمتهن كجواسيس، إلا أنهن شاركن في حرب فيتنام والعراق، إذ تم نشر ما يقرب من 11 ألف امرأة في فيتنام من 1962 إلى 1972، وأكثر من 41 ألفاً في العراق بالعام 1991.
7- روسيا
تشكل النساء 10% من القوات المسلحة الروسية، وبينما يبلغ عدد الجيش 350 ألفاً، حسب وكالة استخبارات الدفاع الروسية، المعروفة باسم القوة البرية للاتحاد الروسي، فهذا يعني أنه يمكن أن يكون هناك حوالي 35 ألف امرأة تخدم في الجيش الروسي.
قد يهمك أيضاً: "مقبرة الدبابات السوفييتية".. أوكرانيا تمتلك أكثر من 5 آلاف دبابة منذ التسعينات، فلماذا لا تستخدمها؟