في العام 1170 قبل الميلاد، انتفض العمال المنكبون على بناء مقبرة مخصصة للفرعون رمسيس الثالث. كان التأخير في تسلم مخصصاتهم من الحصص الغذائية أقسى من أن تتحمله أجسادهم المتعبة، فقرروا أن يتحركوا سوياً وأن ينقلوا مطالبهم لأصحاب القرار.
ولفَهْم الخلفية، نلقي النظر على فترة حكم الفرعون رمسيس الثالث (1186-1155 قبل الميلاد) الذي يعتبر آخر فرعون من المملكة الحديثة.
دافع خلال سنوات حكمه عن حدود مصر، وأعاد ترميم وتجديد معابد وآثار البلاد متأثراً بشغف والده رمسيس الثاني. أراد أن يُذكر بنفس الطريقة التي ذُكر بها رمسيس الثاني (1279-1213 قبل الميلاد) – كملك عظيم وأب لشعبه – وفي وقت مبكر من حكمه نجح في ذلك.
ولكن في عام 1178 قبل الميلاد، شن الاتحاد المعروف باسم "شعوب البحر" غزواً هائلاً على مصر أدى إلى زيادة الضغط على موارد البلاد، حسب موقع World History.
حاولت شعوب البحر غزو مصر مرتين من قبل، في عهد رمسيس الثاني وخليفته المباشر مرنبتاح (1213-1203 قبل الميلاد). انتصر هذان الملكان، لكن الحرب في عهد رمسيس الثالث كانت أكبر، بينما كانت موارده أقل.
عانت مصر اقتصادياً جراء تلك الحروب، ويرجح بعض الخبراء نظريات مختلفة حول سبب تهالك الخزينة، لكن معظمهم يتفقون على أن المشكلة المركزية كانت ثلاثية:
- خسارة العمالة من الإصابات في الحرب والنفقات الهائلة في صد شعوب البحر
- فساد المسؤولين الذين حولوا الموارد إلى حساباتهم الخاصة.
- قلة المحاصيل بسبب الأحوال الجوية.
أول احتجاج عمالي في التاريخ
بدأت الاضطرابات في عام 1159 قبل الميلاد، قبل مهرجان الاحتفال بـ30 سنة من حكم رمسيس الثالث بثلاث سنوات، عندما وصلت الأجور الشهرية لبناة القبور والحرفيين في ست ماعت ("مكان الحقيقة"، المعروف باسم دير المدينة) بعد تأخر دام شهراً.
كان العمال مكلفين ببناء المقبرة (غرف الدفن) للملك رمسيس الثالث تحضيراً للاحتفال، عندما بدأت تتأخر الحصص التموينية من الحبوب، حسب موقع History Extra.
تم تسجيل أحداث هذه الأزمة على ورق البردي، وعلى الرغم من أنها وصلت تالفة وغير مكتملة، إلا أنها السجل الوحيد للإضراب الذي سيُدون لأول مرة في تاريخ البشرية.
وعندما لم تصل الحبوب حتى اليوم الثالث والعشرين من الشهر، اشتكى حرفي يدعى أمناخت، (ويرجح المؤرخون أنه الكاتب الذي دون أحداث الإضراب على ورق البردي)، إلى سلطات الحكومة المحلية.
ويوضح أمناخت على برديته من جديد أن الحصص خلال الشهر الخامس تأخرت لأكثر من 4 أسابيع، بينما تم تسليم حصص الشهر السادس بعد أسبوعين من الشهر.
ثم في الشهر السابع من السنة التاسعة والعشرين من حكم رمسيس، نفد صبر العمال.
اختاروا يوماً، وألقى جميع العمال ببساطة أدواتهم وخرجوا من المقبرة التي كانوا يبنونها وهم يصرخون "نحن جائعون".
وفقاً لأمناخت، لم يكن لدى المشرفين أي فكرة عن المكان الذي توجه العمال إليه لأنهم لم يروا شيئاً كهذا من قبل.
لكن العمال ساروا إلى مسؤولي حكومتهم المحلية، وطالبوا بدفع حصصهم الغذائية.
على الرغم من موافقة كبار السن المحليين على دفع أجورهم، إلا أنهم لم يتمكنوا من توفير حصص الإعاشة.
في اليوم التالي، صعّد العمال تحركهم وساروا نحو معبد رمسيس الثاني، استولى الرجال على البوابة الجنوبية لرامسيوم، المخزن المركزي للحبوب في طيبة.
اقتحم البعض الغرف الداخلية مطالبين بأجورهم واستدعى مسؤولو المعبد رئيس الشرطة، رجلاً يدعى مونتوميس.
طلب مونتوميس من العمال مغادرة المعبد والعودة إلى أعمالهم لكنهم رفضوا.
وبعدما عجز عن حل الأمور، انسحب مونتوميس وترك المشكلة للمسؤولين لحلها. تم تسليم الأجر المتأخر أخيراً بعد مفاوضات بين الكهنة والمسؤولين والمضربين.
نجاح هذا الإضراب دفع بالعمال إلى الاستمرار في استخدام هذا التكتيك بشكل فعال لاحقاً، حسب ما تشير الأدلة التاريخية.
كانت إضرابات عمال القبور والحرفيين مؤثرة بشكل خاص؛ لأن هؤلاء الرجال كانوا من بين أعلى الأجور والأكثر احتراماً في البلاد.
ما بدأ شكوى من تأخر الأجور تحول إلى عمل احتجاجي على الفساد والظلم من قبل المسؤولين. وفي أواخر فترة إضراباتهم، لم يعد العمال يهتفون بشأن جوعهم، بل يهتفون بالقضية الأكبر حسب البردي:
"لقد أضربنا ليس بسبب الجوع ولكن لأن لدينا اتهاماً خطيراً: لقد حدثت أشياء سيئة في مكان هذا الفرعون".
تم تحديد سابقة ترك العمال لوظائفهم من خلال هذه الأحداث، وعلى الرغم من عدم وجود تقارير رسمية موجودة عن أحداث أخرى مماثلة، فقد أدرك العمال قوتهم.
وبينت الآثار المكتشفة لاحقاً حدوث إضرابات عمالية من جديد، ولكن في الجزء الأخير من المملكة الحديثة، والتي تأثرت بلا شك بأول احتجاج عمالي في التاريخ في دير المدينة.