في بدايات عهد المملكة القديمة دأب المصريون على بناء الأهرامات لتكون بمثابة مقابر لملوكهم، ورمزاً لقوتهم وثروتهم، وانعكاساً لمعتقداتهم الدينية، وبعد أن بلغ بناء الأهرامات ذروته في عهد الأسرة الرابعة بدأ بالتراجع بشكل ملحوظ في عهد الأسرتين الخامسة والسادسة (من 2450 إلى 2175 قبل الميلاد).
وتحول المصريون القدماء بشكل تدريجي من دفن الملوك داخل الأهرامات إلى دفنهم في وادي الملوك، فما أسباب هذا التحول؟ تعالوا نستكشف معاً:
لماذا توقف الفراعنة عن بناء الأهرامات؟
لا نستطيع الجزم بأسباب توقف الفراعنة عن بناء الأهرامات، لكن توجد عدة نظريات قد تفسر ذلك:
التكلفة الاقتصادية
يشير موقع Stack Exchange إلى أن التكلفة الاقتصادية لبناء الأهرامات قد تكون عاملاً دفع المصريين القدماء إلى التوقف عن بنائها.
خاصة أنه ابتداء من عهد الأسرة الخامسة بدأ التركيز على بناء معابد الشمس المكلفة أيضاً، لذلك قلت الموارد المالية المتاحة لبناء الأهرامات.
التعرض للنهب من قِبل اللصوص
قد تكون المخاوف الأمنية أحد الأسباب التي دفعت الفراعنة إلى التوقف عن بناء الأهرامات، التي كانت تحتوي على المدافن الملكية المغرية للصوص بمقتنياتها الثمينة.
قال بيتر دير مانويليان، أستاذ علم المصريات بجامعة هارفارد، لموقع LiveScience الأمريكي: "لأن الأهرامات كانت تتعرض حتماً للنهب، كان من الضروري إخفاء المدافن الملكية في وادٍ بعيد منحوت في الصخر ومحاط بحراس المقابر".
وقال إيدان دودسون، أستاذ علم المصريات بجامعة بريستول: "حتى قبل التوقف عن بناء الأهرامات للملوك، تم التوقف عن وضع حجرة الدفن أسفل الهرم، وكانت حجرة الدفن في آخر هرم لملك -هرم أحمس الأول، في أبيدوس- تقع خلف الهرم على بعد 0.5 كيلومتر في عمق الصحراء".
ومن المخطوطات التاريخية التي قد تحمل علامات مهمة مخطوطة كتبها رجل يُدعى "إنيني"، الذي كان مسؤولاً عن بناء قبر تحتمس الأول في وادي الملوك.
وكتب إنيني: "أشرفت على تجهيز قبر جلالته بمفردي، دون أن يرى أو يسمع أحد".
وهذه المخطوطة "تشير بوضوح إلى أن السرية كانت أحد الاعتبارات الرئيسية"، وفقاً لما أوضحته آن مايسي روث، أستاذة تاريخ الفن والدراسات العبرية واليهودية في جامعة نيويورك.
تضاريس وادي الملوك
التضاريس الطبيعية لوادي الملوك قد تفسر كذلك سبب تحوله لموقع مفضل للمقابر الملكية.
فهو يضم قمة تعرف الآن باسم قمة القرن، وتشبه الهرم إلى حد ما، وفقاً لما قاله ميروسلاف بارتا، عالم المصريات ونائب رئيس جامعة تشارلز في جمهورية التشيك.
إذ كانت الأهرامات مهمة للمصريين القدماء لأنها تمثل مكان "الصعود والانتقال" إلى الآخرة، وعلى ما يبدو فقد وجد الفراعنة في وادي الملوك مكاناً مثالياً "للصعود والانتقال" دون الحاجة إلى الهرم.
الأقصر.. العاصمة الصغيرة
كذلك فإن تضاريس الأقصر، التي أصبحت عاصمة مصر خلال عهد الدولة الحديثة (1550-1070 قبل الميلاد)، ربما لعبت دوراً أيضاً في تراجع بناء الأهرامات.
حيث إن الأقصر محدودة جداً في مساحتها، وتضم الكثير من الكتل والنتوءات.
بعبارة أخرى، ربما كانت العاصمة القديمة صغيرة جداً، وتشكل تحدياً معمارياً يحول دون بناء أهرامات أخرى جديدة فيها.
رحلات الملوك في العالم السفلي
تعتبر التغيرات الدينية التي شددت على بناء المقابر تحت الأرض سبباً آخر محتملاً وراء توقف المصريين عن بناء الأهرامات الكبرى.
فخلال عصر الدولة الحديثة، نالت فكرة رحلة الملك للآخرة عبر العالم السفلي شعبية كبيرة، وهذا يتطلب مخططات متطورة للمقابر المحفورة في الصخر تحت الأرض كي يجوب الملوك العالم السفلي وصولاً إلى الآخرة.
وعلى عكس المقابر الموجودة في الأهرامات فإن المقابر الموجودة تحت الأرض المحفورة في وادي الملوك تتناسب مع هذه الفكرة.
آخر الأهرامات بُنيت في النوبة قبل 1700 عام
رغم توقف الفراعنة عن بناء الأهرامات فإن الأثرياء واصلوا هذه العادة.
على سبيل المثال، أعلن علماء الآثار عام 2014 أن مقبرة عمرها 3300 عام في أبيدوس، بُنيت لكاتب يُدعى حورمحب، تضم هرماً يبلغ ارتفاعه 7 أمتار عند مدخلها.
وخلال الألفية الأولى قبل الميلاد، شاع بناء الأهرامات في النوبة كذلك، وهي منطقة تضم ما يُعرف الآن بالسودان وأجزاء من جنوب مصر.
وكان النوبيون يبنون الأهرامات للملوك والأفراد على السواء، لكن عدد الأهرامات التي بنوها ليس معروفاً على وجه الدقة، حيث يعتقد بوجود حوالي 180 هرماً ملكياً، في حين تكشف الأبحاث الأثرية الحديثة عن وجود العديد من الأهرامات الأخرى التي شُيدت لأفراد. واستمر حكام النوبة في بناء الأهرامات حتى قبل حوالي 1700 عام.