أطاحت الثورة الفرنسية بالنظام الملكي وأعدم الثوار الملك الفرنسي لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت، لكن شاءت الأقدار أن تعود سلالتهما إلى الحكم ثانية، فقد اعتلى العرش لويس الثامن عشر أخو الملك المقتول.. لكن توجد في هذه القصة حلقة مفقودة: لويس السابع عشر… كان لويس طفلاً صغيراً عندما تم سجنه بعد إعدام والديه وقد تعرض لسوء المعاملة التي أدت إلى وفاته في سجنه، مما دفع عشرات المحتالين للادعاء لاحقاً بأنهم الأمير المفقود.
تعالوا نروِ لكم قصة 100 محتال زعموا أنهم لويس دي فرانس، ابن الملك المفقود:
لويس السابع عشر.. الأمير عاثر الحظ
كان لويس شارل دي فرانس (السابع عشر) أميراً وسيماً عاش السنوات الأولى من حياته في نعيم مطلق بين جدران قصر فرساي المزينة بالذهب، فقد كان ابناً للويس السادس عشر وماري أنطوانيت، وأصبح الوريث الرسمي لعرش فرنسا عندما بلغ الرابعة من عمره بعد وفاة شقيقه الأكبر.
لم تدُم سعادة الأمير الصغير، فعندما بلغ الثامنة من عمره أصبح يتيم الأم والأب عام 1793، بعد أن تمكن الثوار من إعدام والديه.
تعرض لويس للإساءة بشكل مروع، وتم عزله في زنزانة في معبد باريس، وما إن مضى عامان على سجنه حتى تشوه مظهره تماماً فأصبح هيكلاً عظمياً مغطى بالقروح ومنتفح البطن من سوء التغذية، كيف لا وقد اعتبره الثوار الفرنسيون "لقيطاً" و"ابن الطاغية".
موت مرعب داخل الزنزانة
سمحت سياسة الثورة الفرنسية الراديكالية المتطرفة للفوضى أن تعم في أرجاء البلاد، وتصعدت الأمور لحد كان فيه صدامات عسكرية مع حلفاء النظام الملكي، خصوصاً النمسا وحلفاءها؛ لاسيّما بعد التصريحات حول تصدير الثورة لجميع أنحاء أوروبا.
وفي ظل الحكم المضطرب للثوار وعدم قدرتهم على إدارة البلاد على الصعيدين الداخلي والخارجي كان لا يزال هنالك أمل لدى البعض بعودة النظام الملكي إلى فرنسا وقمع الثورة، وكان الطفل الهزيل لويس دي فرانس هو الأمل الوحيد.
لكن على ما يبدو لم تشأ الأقدار أن يصبح هذا الطفل الملك لويس السابع عشر، فقد توفي في زنزانته عام 1795 متأثراً بإصابته بمرض السل، وكان يبلغ من العمر عشر سنوات فقط.
وقد ذكرت ديبورا كادبوري في كتابها The Lost King of France أن السجانين استدعوا طبيباً يدعى فيليب جان بيلاتان ليكشف على الطفل المحتضر، لكن هذا التدخل جاء متأخراً جداً فقد أصيب الطبيب بالذعر من حالة الصبي الذي يبدو بوضوح أنه لا أمل من شفائه.
جسد بلا قلب يدفن بشكل سري
أصدر الثوار أوامرهم بدفن الجثة في مكان سري على الفور. قام الطبيب بيلاتان بإجراء تشريح مفصل للجثة ووجد أدلة على تعرض الطفل للإساءة الجسدية خلال السنوات التي أمضاها في سجنه.
وبمجرد الانتهاء من تشريح الجثة تم دفنها سراً في مقبرة جماعية في سانت مارغريت.
لكن جسد الأمير البائس لم يدفن كاملاً، فقد أخذ الطبيب قلبه أثناء تشريح الجثة ولفه بمنديل ووضعه في جيبه، وكان عازماً على إعادته في يوم من الأيام لعائلة الطفل.
عشرات المحتالين ادعوا أنهم ورثة العرش الملكي
في نفس العام الذي توفي فيه لويس، تم إطلاق سراح أخته ماري تيريز دوقة أنغوليم.
كانت تيريز مسجونة في نفس المكان مع أخيها لكنها لم تدرك أنه توفي وحيداً متأثراً بمرضه وبسوء المعاملة.
وفي السنوات التي أعقبت الدفن السري، تمت ملاحقة تيريز من قبل العشرات من الرجال الذين ادعوا أنهم الأمير المفقود.
وقد وصل عدد هؤلاء المدعين إلى قرابة 100 شخص، وبالنسبة لتيريز بقيت وفاة أخيها لغزاً لم تستطع حله طيلة حياتها.
في واقع الأمر كانت هناك العديد من الأسباب التي دفعت أولئك الدجالين لانتحال شخصية الأمير المفقود، فمن الناحية النظرية كان هناك احتمالية لعودة عرش فرنسا إلى السلالة الملكية التي يمثلها لويس دي فرانس مفقود الأثر، خاصة في ظل الاضطرابات التي سادت البلاد وعدم اليقين من نجاح الثورة.
كذلك حاز بعض هؤلاء المحتالين، وكان أبرزهم شخصاً يدعى تشارلز غيوم نوندورف على الثراء والشهرة والتملق من قبل أطراف أرادت بشدة إيجاد الأمير لدفعه ثانية إلى العرش.
كل هذه الميزات حفزت المزيد من المحتالين على الادعاء بأنهم الأمير المفقود وفقاً لما ورد في موقع History.
ومما ساعد الدجالين أكثر، أن الأمير رفض الكلام في الأيام الأخيرة له في الزنزانة، وتغير شكله بشكل كبير بحيث لم يستطع أحد تمييزه، كذلك لم يشاهده أحد منذ دخوله الزنزانة فيما عدا سجانيه.
أما قصة القلب المحفوظ في درج مكتب الدكتور بيلاتان فلم يعرف بأمره سوى الطبيب نفسه وعدد قليل من أصدقائه.
الأمير المفقود يظهر في فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة
ظهر المدعي الأول في ريف شالون سور مارن بعد ثلاث سنوات فقط من وفاة الأمير.
كان مراهقاً وسيماً رفض الكشف عن هويته في البداية ثم ادعى أنه ينتمي لإحدى الأسر النبيلة، وقد تم وضع المراهق في السجن فقد كان القرويون المتحمسون يعتقدون أنه الأمير المفقود ولم ينفِ هو ادعاءاتهم تلك.
وعلى الرغم من أنه كان لا يزال في السجن، فقد عومل المراهق على أنه ملك، ووضع في زنزانة فاخرة وقدم له الكثيرون المال والهدايا.
وحتى وفاة هذا المراهق الذي تبين في وقت لاحق أنه خياط يدعى جان ماري هيرفاغولت، بقي يدعي أنه الملك الشرعي لفرنسا.
وفي عام 1814، أدى سقوط نابليون إلى استعادة حكم سلالة بوربون (التي ينتمي إليها لويس).
عندها تولى الحكم لويس الثامن عشر وهو عم الأمير المفقود، وأدى ذلك إلى زيادة نسبية في أعداد المحتالين الذين ادعوا أنهم لويس دي فرانس.
وبحلول منتصف عشرينيات القرن التاسع عشر، ازداد عدد هؤلاء المدعين بشكل خارج عن السيطرة.
ولم يكتفِ المحتالون بالظهور في فرنسا فحسب، بل ظهر مدعون في إنجلترا والدنمارك وكولومبيا وسيشل في الولايات المتحدة.
وكان المدعي الدولي الأكثر شهرة هو إليعازر ويليام، وهو أمريكي الأصل، يُعرف باسم "ويليام الهندي". وقد كانت روايته قوية لدرجة أن أحد النبلاء الفرنسيين قد دفع له في النهاية بسخاء ليوافق على التنازل عن حقوقه في العرش.
"يتيم البرج" لغز لم يتم حله
بالرغم من وجود روايات تؤكد موت الأمير وهو في العاشرة من عمره، فقد كتب الدبلوماسي النمساوي، بارون فون ثوغوت الذي عاش حتى عام 1801: "لا يوجد يقين حقيقي ولا دليل قانوني على وفاة ابن لويس السادس عشر".
فوفقاً للبارون لا توجد شهادات موثقة تدل على موت الأمير، وقد أدى الغموض المحيط بالصبي الذي بات يعرف باسم "يتيم البرج" إلى ظهور 500 كتاب حول الموضوع.
صدر الكتاب الأول، وهو رواية خيالية بعنوان The Cemetery of Madeline، عن هروب لويس تشارلز المفترض من البرج، بعد سنوات قليلة من عام 1795 (وهو عام وفاته).
وكتب المدعون أنفسهم مذكرات أيضاً، بما في ذلك الرواية التاريخية لحياة لويس السابع عشر، التي أملاها متشرد أمي مخمور يُدعى تشارلز دي نافار على أحد الكتاب.
علم الوراثة يثبت كذب أشهر المحتالين
لم تتم ملاحقة جميع المحتالين، لكن أولئك الذين تمكنوا من تشكيل أتباع مخلصين لهم وأصبحوا يشكلون تهديداً تمت ملاحقتهم وسجنهم وإعدامهم في بعض الحالات.
نذكر من أولئك شخصاً يدعى تشارلز دي نافار الذي تم القبض عليه عام 1817 بتهمة الاحتيال وبقي مسجوناً حتى توفي عام 1822.
وقد ظهر محتال إيطالي يدعى بارون دي ريشمونت، ادعى أنه الأمير المفقود وتمكن من كسب أتباع له حتى أنه شكل بلاطه الخاص وراح يراسل ماري تيريز (أخته المزعومة) وعندما لم تستجِب له بدأ بتهديدها.
وفي عام 1834 تمت محاكمته وسجنه، لكنه تمكن من الفرار لاحقاً. وفي اليوم الذي تمت فيه محاكمته ظهر مدعٍ آخر يدعى نوندورف، والذي تمكن من تقديم أكثر الروايات تصديقاً بين جميع المحتالين الآخرين.
جاء نوندورف من بروسيا وكان قد سُجن في ألمانيا بتهمة تزوير الأموال، ولم يكن قادراً على تحدث الفرنسية بطلاقة مع أنها لغته الأم المفترضة.
مع ذلك استطاع نوندورف إقناع العديد من الأشخاص أنه الأمير الحقيقي، بما في ذلك ممرضة الأمير وخادمة سيدات فرساي والسكرتير الخاص للملك الراحل ووزير العدل السابق.
لكن تم إلقاء القبض على نوندورف في النهاية ونفي إلى إنجلترا، حيث أسس طائفة روحية وتوفي في هولندا عام 1845.
وعرفته شهادة قبره وشهادة وفاته على أنه لويس دي فرانس.
واستمر أبناء نوندورف وأحفاده في محاولة إضفاء الشرعية على مزاعمه، مما أدى إلى تصاعد المعارك القضائية حتى الخمسينيات من القرن الماضي. وفي التسعينيات، استخدم العلماء خصلة شعر نوندورف لإثبات أنه لم يكن الأمير المفقود.
قلب الأمير المفقود ينجو أخيراً
عبر القرون، خاض قلب الأمير المفقود رحلة شاقة. فقد تمت سرقته مرات وإخفاؤه مرات أخرى ليتم إنقاذه في نهاية المطاف بأعجوبة وانتهى به الأمر مدفوناً في سرداب ملكي في سانت دينيس، مع جثث لويس السادس عشر وماري أنطوانيت.
وفي عام 2000، أثبتت مجموعة من علماء الوراثة بشكل قاطع أن القلب يعود بالفعل للأمير لويس دي فرانس الذي توفي وهو يبلغ من العمر عشر سنوات.