السلطان الذي لم يُهزم قط ولم تسقط له راية.. تعرّف على أبي يوسف يعقوب المنصور سلطان الدولة المرينية

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/24 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/25 الساعة 14:59 بتوقيت غرينتش
سيدة تمشي بين أنقاض مقبرة بناها أبو يوسف يعقوب المنصور سلطان الدولة المرينية - iStock

عُرف سلطان الدولة المرينية أبو يوسف يعقوب المنصور بالسلطان "المنصور بالله" لأنه لم يُهزم قط، ولم تسقط له راية، فقد عبّر السلطان أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبدالمؤمن إلى الأندلس 4 مرات، وبفضل حنكته في القيادة استطاع ابن قبيلة من البدو الرحل تأخير سقوط الأندلس قرنين من الزمان، في وقتٍ لم تكن ترفع فيه للمسلمين راية النصر.

إذ إن السلطان المنصور كان من "بني مرين"، وكانت قبيلته الأمازيغية في أول أمرهم من البدو الرحل في منطقة المغرب الأقصى، وفي سنة 1204م نشبت بينهم وبين بني عبدالواد -قبيلة أمازيغية أخرى- وقبيلة بني واسين حرباً، فارتحلوا بعيداً وتوغلوا في هضاب المغرب ونزلوا بوادي ملوية الواقع بين المغرب والصحراء، واستقروا هناك حتى سنة 1213. 

وبعد موقعة العقاب التي هُزم فيها الموحدون أمام القشتاليين في 1212، رأى المرينيون ما آلت إليه أحوال الموحدين من ضعف وسوء الأحوال الذي عمّ بلاد المغرب والأندلس بعدها، فدفعهم ذلك إلى ترك القفار والاستقرار في هذه البلاد، وفي غضون ذلك أسس عبدالحق دولة بني مرين، ثم خلفه من بعده أبناؤه حتى وصل الحكم إلى ابنه أبو بكر، الذي استطاع هزيمة الموحدين والاستيلاء على فاس منهم عام 1250.  

للقراءة أكثر حول دولة بني مرين، يمكنك قراءة هذه المادة من (هنا).

سلطان الدولة المرينية أبو يوسف يعقوب المنصور 

بعدما توفي أبو بكر بن عبدالحق تولى ابنه عمر بن عبدالحق العرش، ولكن معظم شيوخ بنى مرين كانوا غير راضين عن هذه الولاية وكانوا يؤيدون تولي عمه أبو يوسف يعقوب بن عبدالحق. وبعد الكثير من الخلاف، وافق عمر أن يصير الأمر إلى عمّه أبي يوسف، وذلك في عام 1258، ولُقب أبو يوسف بـ"المنصور بالله"، كما ذكر المؤرخ المصري محمد عبدالله عنان في كتابه الشهير "دولة الإسلام في الأندلس".

وعندما وصل السلطان المنصور للحكم استكمل بناء الدولة بجهود ضخمة من أجل تثبيت أركانها، وفرض سيطرتها على كافة الأقاليم، لتحل محل دولة الموحدين. وفي فترة قصيرة استطاع المنصور أن يضبط الأمن، وأن يوحِّد المغرب الأقصى تحت راية الدولة المرِّينية، عن طريق ضم كافة المدن التي كانت تتبع دولة الموحدين.

يقول المؤرخ المغربي ابن عذاري المراكشي، في كتابه "البيان المُغرب": " دخلت الدولة المرينية في عهد (التوطيد) و(التوسع) بعد أن اجتازت عهد (التأسيس) الذي استغرق مدة نصف قرن تقريباً، وبرز في عهد (التوطيد) 4 ملوك أولهم أبو يوسف يعقوب، ولقد استغرق هذا العهد قرناً من الزمن".

وفي عام 1275 أمر السلطان المنصور ببناء عاصمة جديدة وسُميت البيضاء، وأصبحت فاس -العاصمة السابقة- مركزاً للعلم والتجارة، كما بنى بالأندلس "البلد الجديد" في منطقة الجزيرة الخضراء. 

واستطاع المنصور أن يضم مدينتي سبتة وطنجة تحت حكمه، وبذلك ضَمِنَ مفتاح العبور للأندلس، ووضع خطوطاً دفاعية ضد الدولة الزيّانية في الحدود الشرقية، واستطاع أن يُنظِّم القبائل العربية تحت راية دولته، وبذلك أصبحت كل أراضي المغرب الأقصى تحت نفوذ الدولة المرِّينيَّة، فيما عدا مراكش عاصمة دولة الموحدين.

تقاسم الحكم مع قائد جيوش سلطان الموحدين قبل القضاء على دولتهم

كان  أبو دبوس الموحدي قائد جيوش المرتضي سلطان الموحدين، وقد انقلب على المرتضي وجاء إلى  مدينة فاس عام 1264 مستنصراً بالمنصور سلطان المرينيين، فأكرمه وسأله عما يريد، فأخبره أبو دبوس أنه يريد جيشاً من بني مرين، وأنّه سيضمن بذلك للمنصور مقابل ذلك فتح مراكش، حيث إن أكثر من في مراكش -من جنود وقادة- هم من أتباع أبي دبوس، واتفق الطرفان على أن تكون المدينة تحت قيادتهما معاً.

نتيجة لذلك الاتفاق، أعطى المنصور لأبي دبوس ألف فارس، كما أعطاه ما أراد من العدة والعتاد، وقدم أبودبوس إلى مراكش ودخلها، وفرّ المرتضي إلى أزمور، فقُبض عليه وسُلم إلى أبي دبوس، لكن أبا دبوس بعد دخول مراكش نكث عهده مع المنصور وأعلن نفسه سلطاناً للموحدين، فخرج أبو يوسف من فاس إلى مراكش في عام 1267 وحاصرها، وسرعان ما راسل أبو دبوس يغمراسن بن زيان- ملك المغرب الأوسط ومؤسس الدولة الزيانية- مستنجداً به. 

من أجل ذلك، هاجم يغمراسن أطراف الدولة المرينية الشرقية، فاضطر المنصور الرجوع لقتاله، وصد هجمات يغمراسن.

عندما استتب الأمن عاد إلى مراكش حتى وصل إلى وادي أم الربيع في سبتمبر/أيلول 1268، فخرج له أبودبوس في جيشٍ كبير، ودارت بينهم حرب شديدة، حتى إن أبا دبوس أراد أن ينجو بنفسه فلم يستطع، حيث طعنه جنود بني مرين بالرماح، فوقع على الأرض تحت جواده ومات متأثراً بجراحه.

كانت هذه نهاية دولة الموحدين في المغرب، بعد أن دخل المنصور مراكش، وذلك بعد حوالي قرن ونصف القرن من الزمان، وقامت بعدها دولة بني مرين الفتيَّة التي سيطرت على المغرب الأقصى كله.

قتال يغمراسن والتجهز للعبور إلى الأندلس 

يذكر ابن خلدون في كتابه "تاريخ ابن خلدون" أن الحرب قد نشبت بين المنصور وبين يغمراسن بعد أن قضى أبو يوسف يعقوب على دولة الموحدين، حيث خرج المنصور فقابل يغمراسن في 27 فبراير/شباط 1268 في وادي تلاغ، ودارت بينهما معركة قوية قُتل فيها عمر بن يغمراسن، وانتصر المنصور، وفر يغمراسن إلى تلمسان، وعاد أبو يوسف إلى مراكش.

وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1271 قاد المنصور جيشه نحو تلمسان، حتى جاءت رسل ابن الأحمر- ملك غرناطة بالأندلس- تستنجده ليحميهم من هجمات القشتاليين، فجمع أبو يوسف شيوخ بني مرين ونبأهم برسالة ابن الأحمر، فأشاروا عليه بصلح يغمراسن، فبعث المنصور إلى يغمراسن، إلا أن يغمراسن قال: "لا صلح بيني وبينه أبداً، ولو بلغت في حربه إلى الردى". 

فما كان من المنصور إلا أن تجهّز للقتال، والتحم الفريقان وحمي الوطيس، ففر يغمراسن جريحاً مع قليل من أهله، وقُتل ولده والكثير من جنده، ثم اتجه أبو يوسف إلى سبتة فبايعه صاحبها أبو قاسم العزفي، وبعد ذلك اتجه إلى سجلماسة، وكانت في يد يغمراسن، فحاصرها حتى فتحها في سبتمبر/أيلول 1274،  وبفتح سجلماسة كان المنصور قد فتح المغرب كاملاً. 

وفي مايو/أيار 1275، أرسل أبو يوسف حفيده تاشفين بن الأمير عبدالواحد إلى يغمراسن يطلب منه الصلح، وما إن تصالح المنصور مع يغمراسن بدأ المنصور في تجهيز جيشه للعبور إلى الأندلس. 

أولى حملات المنصور نحو الأندلس 

لم ترفع بلاد الأندلس للمسلمين راية ضد القشتاليين منذ هزيمة الموحدين في موقعة العقاب، إذ دب الخوف في قلوب المسلمين من ممالك النصارى، التي تكالبت على مدن الأندلس فسقط أغلبها في أيديهم.

وفي 10 سبتمبر/أيلول 1260، هاجم ألفونسو العاشر ملك قشتالة مدينة سلا في بلاد المغرب، وقتل وسبى الكثير من أهلها، فأسرع أبو يوسف يعقوب المريني لنجدة أهل المدينة، ليحاصر المنصور القشتاليين بضعة أسابيع حتى تركوا المدينة، ثم بنى السور الغربي للمدينة من الناحية التي دخل منها القشتاليون، وظل بمدينة سلا حتى أتم بناء السور.  

أما عن أول حملة أعدها المنصور فكانت في 1275، حيث سار أبو يوسف حتى نزل بمدينة طنجة فكتب إلى الفقيه أبي القاسم صاحب سبتة ليجهز له ما يساعد المجاهدين على عبور البحر، وجهز جيشاً من 5 آلاف فارس، ثم كلف ولده الأمير زيان بقيادة هذا الجيش، الذي وصل مدينة طريف في 12 يونيو/حزيران 1275، فأقام فيها 3 أيام ليستريح الجند والخيول، ثم خرج إلى الجزيرة الخضراء ففتحها وواصل السير حتى وصل إلى شريش ففتحها، وسار بالغنائم إلى الجزيرة الخضراء. 

معركة الدونونية والإغارة على القشتاليين 

في ذلك الوقت كانت مملكة غرناطة تتعرض لضغط شديد من قبل مملكة قشتالة، ما دعا ابن الأحمر- ملك غرناطة- للاستنجاد بالمرينيين كما ذكرنا سابقاً، فجهز أبو يوسف جيشاً وعبر به البحر، بعد أن اشترط على ملك غرناطة التنازل عن جزيرة طريف والجزيرة الخضراء- على الساحل الجنوبي لبلاد الأندلس- لتسهيل عبورهم للأندلس،  ولتكون مركزاً لتجمع قواتهم، لتشكل مدداً قريباً إذا احتاجوا إليهم في حربهم ضد القشتاليين. 

وفي سنة 1276 جرت أحداث معركة الدونونية قرب مدينة إستجة بين مدينة إشبيلية وقرطبة، التي انتصر فيها أبو يوسف، الذي أرسل رأس قائد الجيش القشتالي لنونيو غونثاليس دي لارا لأهل غرناطة يبشرهم بالنصر.

ولكي يُكمل المنصور واجبه على أتم وجه، لم يكتفِ بانتصاره الساحق في معركة الدونونية، بل عبر البحر بعد أن عاد إلى المغرب بعد تلك المعركة؛ للإغارة على القشتاليين، وكذلك للحفاظ على آخر ما تبقى للمسلمين في الأندلس- أي مملكة غرناطة- بعد أن سقطت كل الحواضر الكبرى ولم يتبق غيرها. 

من أجل ذلك، وفي سنة 1277 عاد المنصور لإشبيلية، وفتك بالجيوش الإسبانية، واستولى على جبل الشرف، وحصن قطنيانة وجليانة، ثم توجه لقرطبة واشتبك مع القشتاليين، ونجح في فتح بعض الحصون بالقرب من مدينة الزهراء. وفي أثناء عودته زار السلطان يعقوب غرناطة ليقابل حاكمها ابن الأحمر، ثم عاد بعد ذلك إلى المغرب سنة 1278. 


ويروي الكاتب والمؤرخ الأندلسي لسان الدين بن الخطيب في كتابه "اللمحة البدرية" أنه وفي أثناء رجوع السلطان يعقوب المريني، توفي حاكم مالقة، الذي كان ابن الأحمر خال ابنه، إلا أنهم كانوا يعادون بعضهم البعض، فأرسل ابن حاكم مالقة للمنصور رسالة يتنازل فيها عن مالقة نكاية في خاله، فما كان من المنصور إلا أن استجاب مكرهاً، وهو ما جعل ابن الأحمر يستعين بألفونسو العاشر ملك قشتالة على طرد يعقوب المريني من جزيرة طريف!

لم يجد القشتاليون فرصة أفضل من ذلك للقضاء على المنصور وإنهاء وجوده في الأندلس، فحاصروا جزيرة طريف، ولما عزم يعقوب المنصور أن يعبر إلى الأندلس منعته من ذلك مناوشات يغمراسن في الجانب الشرقي من البلاد، وذلك في عام 1279. 

لم يرض المنصور بما حدث، فراسل ابن الأحمر يُجَدِّد له الرغبة في الصلح والتحالف، وحذره من خطورة انفصام تحالف المسلمين على مصير الأندلس. وفي تلك الأثناء وصلت الأخبار بوفاة ألفونسو ملك قشتالة، وورث من بعده كرسي الحكم ابنه سانشو الرابع، لكن كان هناك صراع بينه وبين إخوته وأبناء إخوته على السلطة، فلجأ إلى المنصور وطلب منه مقابلته، فعبر السلطان إلى الأندلس وقام بدعمه.

في مقابل ذلك، قام القشتاليون بعقد صلح مع المنصور وعقدوا معه هدنة، وفقاً لما أورده ابن خلدون، وبذلك استطاع المنصور تأخير سقوط الأندلس قرنين من الزمان. وبالرغم من الهدنة التي عقدها المنصور مع القشتاليين استمر مقاتلو المرينيين بالذهاب من المغرب صوب الأندلس، بعد أن قرر قادة الجيش إنشاء مراكز لهم للمرابطة فيها، ليكونوا على أهبة الاستعداد لدحر الممالك الإسبانية إذا عاودت الهجوم على المسلمين.  

كان في القلب من هؤلاء القادة الذين كانوا يعسكرون في جنوب الأندلس؛ السلطان يعقوب بن عبدالحق بنفسه، والذي توفي وهو في الجزيرة الخضراء يؤدي دوره في حماية المسلمين في الأندلس. وفي مارس/آذار 1286، وهو بين جنوده توفي السلطان يعقوب المنصور، وهو في الـ75 من عمره، الذي وصفه ابن الخطيب بأنه كان "ملكاً صالحاً، أشبه بالشيوخ منه بالملوك".

وبوفاة السلطان المنصور طُويت إحدى أهم صفحات الدولة المرينية وكذلك الأندلس، إذ لم يستطع شخص آخر إنقاذها من يد الممالك الإسبانية حتى سقطت عن آخرها في 1491، معلنةً أن آخر سلطان استطاع حمايتها كان أبو يوسف يعقوب المريني. 

كانت من مزايا العصر المريني أنه استطاع أن يؤخر كارثة سقوط الأندلس بنحو قرنين من الزمن، لما بذلوا من دفاع عن الأندلس. فبعد استقرار الأمن بالمغرب أخذوا في تنفيذ برامجهم في الدفاع عن الأندلس، ولم يتخلوا عنها رغم استيلاء القشتاليين على الجزء الأكبر منها عقب انتصارهم في معركة العقاب، وكان المرينيون مقتنعين بأن الجهاد يعزز دولتهم ويُكسبها المشروعية، فحملوا راية الجهاد بالأندلس اقتداءً بالمرابطين. 

تحميل المزيد