يتميز عالم النمل بالغرابة، وهذا الموضوع واحدة من معجزات الخالق في خلقه، إذ يمتلئ عالم النمل بالعجائب والغرائب، وحتماً قد تكون لعبت مع النمل في صغرك، أو رأيت وثائقياً عنها في تلفاز البيت أثناء طفولتك، أو قرأت قصة أطفال، أبطالها من عالم النمل المبهر.
في سنة 2004، عندما كان العلماء يدرسون الحياة البرية في غابات جنوب شرق آسيا، اكتشفوا نوعاً من النمل يسمى "Colobopsis saundersi"؛ هذا النوع يعيش في مستعمرات بالأشجار شاهقة الارتفاع بماليزيا وبروناي.
ولهذا النوع من النمل طريقة فريدة في الدفاع عن النفس وهي أن لديه بالجزء الخلفي من جسده مصنعاً كيميائياً شديد التعقيد لتصنيع مادة صفراء اللون تتميز بخاصيّتين:
الأولى: أنها تحتوي على مادة لاصقة كالصمغ لتقوم بشل حركة ضحيتها ومنعها من الهروب؛ لكي يأتي دور الميزة الثانية وهي: أن هذا السائل سام جداً، وعندما تتم مهاجمة النمل بواسطة أي عدو، تقوم النملة بغرس الفك السفلي الذي يحتوي على خزان صغير ينقل السم لجسد العدو فيقتله.
والعدو الأول لهذا النمل هو نوع آخر يسمى "لابيوتيرمس لابراليس"، وهذا النوع أكبر حجماً بثلاثة أضعاف من النوع الذي نتحدث عنه، وبمجرد بدء الهجوم، يبدأ النمل الأول بالتصدي له، لكن نظراً لكبر حجم النمل الآخر، فضَخّ المادة الصفراء قد لا يكفي لصد الهجوم وقتل تلك النملة الكبيرة، لكن يحدث في ذلك الوقت شيء نادر جداً في عالم الحيوان؛ "هجوم انتحاري"!
في البداية يلتصق النمل بعدوه بشدة ويطبق فمه على أي مكان في جسد المهاجم، ويبدأ في نفخ عضلات بطنه بشدة وقوة حتى تنفجر الأوعية الحاملة للمادة الصفراء السامة، وهنا يبدأ السم في الانفجار على جسد العدو مما يتسبب في قتله أو على الأقل شل حركته ليعطي فرصة لباقي النمل بمهاجمته.
هل تتخيل مدى الإعجاز فيما يحدث؟!
من المعروف أن جميع الكائنات الحية خلقها الله بغريزة البقاء، وهذا ما جعل فريق العلماء في حالة انبهار من تصرف النمل عكس غريزته وفطرته بكامل إرادته، الأمر ليس فقط أنه يُقدم على الانتحار ويقتل نفسه لحماية باقي المستعمرة، إنه ليس انتحاراً عادياً كضغطة زر، إنما هو يضغط على أعضائه الداخلية ويعصر نفسه حتى ينفجر، ولذلك سماه العلماء "النمل الانتحاري".
وما هو أعجب من ذلك، أنهم اكتشفوا أن من يقوم بتلك العملية الانتحارية هم أفراد النمل الأكبر سناً، لأنهم بطبيعة الحال أبطأ في الحركة وإنتاجهم في الأعمال أقل، ولذا يعوضون عن ذلك بأن يكون لهم نفع في المستعمرة بالدفاع عنها وقتل أنفسهم.
حالياً يقوم العلماء بدراسات عن تركيب تلك المدة الصفراء اللاصقة السامة وعزل عناصرها لرؤية إمكانياتها في علاج الأورام السرطانية ومسبباتها.
وكما قال د. مصطفى محمود (رحمه الله): "إنه لو كُتب للأرض أن يقودها مخلوق غير الإنسان لكان النمل".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.