يتجدد الجدل حول قضية الاغتصاب الزوجي في مصر؛ فبعد أن سلّط مسلسل "لعبة نيوتن" الضوء على القضية في رمضان 2021، ، عاد الحديث بقوة عن القضية مع خروج شهادات من سيدات في الوسط الفنّي تعرضن لعنف زوجي واغتصاب.
أحد النقاشات عن الاغتصاب الزوجي دار حول القوانين التي تعاقب الزوج حال ممارسته العنف الجنسي ضد زوجته، فرغم إقرار معظم القوانين العربية بمعاقبة المغتصب -، إلا أنها تستثني منها الزوج – كما تجرم عدد من المواد القانونية العنف ضد المرأة، وبينها العنف الزوجي، لكن لا توجد قوانين بالعالم العربي تعرف "الاغتصاب الزوجي" كتهمة يعاقب عليها قانوناً، رغم تقديم عشرات الاقتراحات من نواب وأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ونشطاء لإنشاء قوانين تشمله.
دول العالم الأول أيضاً لم تكن تنظر لـ "الاغتصاب الزوجي" كتهمة أو جريمة قبل أن تفجر قضايا بعينها الرأي العام، ويتم على إثرها تعديل القوانين بحيث تضمن محاسبة الزوج الذي يعتدي على زوجته جنسياً بشكل يسبب لها أذى بدنياً أو نفسياً.
لكن كيف تعرّف هذه القوانين الاغتصاب الزوجي؟ وكيف تضمن حق الزوج والزوجة دون أن تظلم حقوق أحدهما؟ وما هي الطريقة المعتمدة للتبين من صدق أي ادعاءات عن حدوث اغتصاب زوجي، وهل يُمكن اتهام المرأة بالاغتصاب الزوجي؟ وما هي العقوبة التي ستفرض على رجل أُدين بـ "الاغتصاب الزوجي"؟
قوانين تجرم الاغتصاب الزوجي.. المملكة المتحدة مثالاً
قضية واحدة غيَّرت قوانين تجاهل "الاغتصاب الزوجي" على مدار قرنين ونصف
قبل العام 1992 لم تكن المملكة المتحدة تعتبر الاغتصاب الزوجي تهمة تستوجب العقاب، لكن السُلطات سنّت قانوناًأصبح الاغتصاب الزوجي بموحبه شكلاً من أشكال العنف المنزلي، وغيَّر قانوني، تتراوح الأحكام عند الإدانة به بين 4 و14 سنة سجناً، ويمكن أيضاً إصدار أحكام بالسجن مدى الحياة.
بالأساس كان المسؤولون في بريطانيا يستغربون أن تضاف كلمة "اغتصاب" لكلمة زوجي.
"لا يمكن أن يكون الزوج هو المذنب باغتصاب المرأة؛ فهي زوجته، وقد منحته الرضا الزوجي بالأساس، ولا يمكنها التراجع عنه"
وهنا تقريباً كانت أقدم إشارة إلى الاغتصاب وربطها بالزواج، لكنها جاءت بمعرض رفض ربط الجريمة بالزوج. ذلك النص كان ضمن وثيقة قانونية مكتوبة في العام 1736 عن رأي رئيس قضاة محكمة بنش الملك في بريطانيا (وتعرف أيضاً بمحكمة الملوك ويكون ملك بريطانيا قاضياً فيها) ماثيو هيل، في قضية الاغتصاب.
ظل هذا الرأي القانوني معتبراً حتى عام 1991، حيث رفعت السيدة "ر" قضية ضد زوجها "ر" (R vs R). فبعد 5 سنوات من الزواج توتر علاقتهما، وقررت "ر" ترك منزل زوجها وذهبت إلى بيت أهلها، وتركت لزوجها رسالة عن رغبتها في طلب الطلاق. بعد أسابيع ذهب الرجل إلى منزل أهل زوجته، ولم يكن والداها هناك، وحينها حاول إجبارها على ممارسة العلاقة الجنسية معه، وعندما رفضت، اعتدى عليها وخنقها بيده.
عندما قاضت الزوجة زوجها واتهمتها بالاغتصاب وفقاً لقوانين الاعتداء الجنسي التي كانت مقرة ولم تكن وقتها تشمل الأزواج، كان طعن دفاع الزوج أنه لا يوجد قانون يدين "الاغتصاب الزوجي". ومع الطعن والاستئنافات؛ لم يعد اعتقاد القضاة نفسه بأنه "لا يمكن إدانة الزوج باغتصاب زوجته، لأنها منحته الموافقة بمجرد زواجها به"، وفي العام التالي لقضية R vs R غيَّر مجلس اللوردات بإجماع أعضائه بنداً مهماً في القانون البريطاني، وأصبح أن أي نشاط جنسي غير رضائي، حتى لو كان في إطار الزواج، هو اغتصاب.
ما هي "جريمة الاغتصاب الزوجي" في بريطانيا؟
يعرف قانون الاغتصاب الزوجي الجريمة بأنها، "عندما يرتكب الفرد فعلاً جنسياً دون موافقة الزوج أو الزوج السابق، أو دون رغبته. وإذا كان شخص ما غير قادر على الموافقة على فعل جنسي، وحدث بالقوة أو التهديد أو التخويف، فإنه يصنف اغتصاباً زوجياً".
كما يُعتبر الاغتصاب الزوجي شكلاً من أشكال العنف المنزلي، ولا تعتبر الموافقة الضمنية بالزواج كافية لإقامة علاقة جنسية في كل مرة، إذ يجب على الزوج دائماً التأكد من أن شريكته موافقة، علاوةً على اعتباره رسمياً شكلاً من أشكال الاعتداء الجنسي بموجب قانون المملكة المتحدة، بما يتعارض مع قانون الجرائم الجنسية لعام 2003.
ما هي الادعاءات اللازمة لإثبات الاغتصاب الزوجي؟
من أجل الملاحقة القضائية على جريمة الاغتصاب الزوجي، يجب على الادعاء إثبات:
- حدوث اختراق في فتحة الشرج أو الفم أو المهبل.
- كان فعل الاختراق متعمداً.
- لم توافق الزوجة على فعل الإيلاج.
- لم يعرف المدعى عليه – في حدود المنطق – أن الشكوى قد وافقت على الفعل.
ما الأحكام في حال الإدانة بالاغتصاب الزوجي؟
تترواح العقوبات المقترحة لجريمة الاغتصاب الزوجي في بريطانيا بين 4 إلى 14 عاماً (وفق المبادئ التوجيهية المحدثة لمجلس الأحكام العامة الذي دخل حيز التنفيذ في 1 أبريل/نيسان 2014)، لكن قد تكون هناك أحكاماً مخففة أو مشددة تصل للسجن المؤبد وفقاً لتفاصيل القضية، وتقسم فئات الأحكام إلى:
الفئة الأولى:
- الأحكام المشددة: عقوبة حبس تتراوح بين 13 سنة – 19 سنة.
- الأحكام المخففة: عقوبة حبس تتراوح بين 10 سنوات – 15 سنة.
الفئة الثانية:
- الأحكام المشددة: عقوبة حبس تتراوح بين 9 سنوات – 13 سنة.
- الأحكام المخففة: عقوبة حبس تتراوح بين 7 سنوات – 9 سنوات.
الفئة الثالثة:
- الأحكام المشددة: عقوبة حبس تتراوح 6 سنوات – 9 سنوات.
- الأحكام المخففة: عقوبة حبس تتراوح بين 4 سنوات – 7 سنوات.
متى تصدر الأحكام المشددة؟
هناك عدد من العوامل التي يشترط إثباتها لاستخدام عقوبة مشددة في الاغتصاب الزوجي، وفي حالة وجود أي من هذه العوامل المشددة أو جميعها في الجريمة فإن العقوبة ستكون أشد، وقد يصل للسجن المؤبد، وتشمل هذه العوامل:
- خيانة للثقة.
- إذا كان الشاكي ضعيفاً.
- إذا تم التخطيط للاعتداء.
- إذا حصل الاعتداء.
- إذا اختطف المدعى عليه المشتكي.
- إذا احتجز المدعى عليه المشتكي.
- إذا ابتز المدعى عليه المشتكي.
- إذا قام المدعى عليه بتخويف المشتكي أو إكراهه.
- إذا استعمل سلاح.
- إذا تم استخدام المخدرات لتسهيل المخالفة.
- إذا تم استخدام الكحول لتسهيل المخالفة.
- إذا كان آخرون – مثل الأطفال – حاضرين وقت ارتكاب الجريمة المزعومة.
- إذا اضطر المشتكي إلى ترك منزله نتيجة المخالفة.
- تم استغلال ترتيبات الاتصال مع الأطفال لارتكاب الجريمة.
- إذا حاول المدعى عليه منع الشاكي من التبليغ عن المخالفة.
- إذا حاول إتلاف الأدلة أو إخفاءها.
متى تصدر الأحكام المخففة؟
- لا توجد إدانات سابقة.
- حسن الخلق السابق.
- الندم الذي أبداه المدعى عليه.
العواقب المترتبة على الإدانة بتهمة الاغتصاب الزوجي؟
في حالة إدانته بالاغتصاب الزوجي، إلى جانب الحكم بالسجن، يواجه المدعى عليه أيضاً وفق شركة المحاماة البريطانية Noble Solicitors:
- الإدراج في سجل مرتكبي الجرائم الجنسية.
- التقيد القسري بمتطلبات الإخطار القانوني حسب القضية.
هل يجب أن يكونا زوجين مسجلين رسمياً حتى يتهم بالاغتصاب الزوجي؟
يشمل ارتكاب فعل الاغتصاب الزوجي أولئك الذين يتعايشون كأزواج أو شركاء، لكنهم غير متزوجين قانوناً، وفقاً لما أشار له المحامي الجنائي نيك تيتشنر، وهو مدير شركة المحاماة Lawtons Solicitors البريطانية المتخصصة في قضايا الجرائم الجنسية والعنف والاعتداء.
هل يمكن اتهام المرأة بالاغتصاب الزوجي؟
لا يمكن اتهام المرأة بارتكاب جريمة الاغتصاب، لأن هذه الجريمة المحددة تتطلب إيلاج العضو الذكري دون موافقة الزوجة. ومع ذلك، إذا ارتكبت المرأة فعلاً جنسياً دون موافقة زوجها أو زوجها السابق أو ضد إرادته فإنها ترتكب جريمة جنسية بموجب قانون المملكة المتحدة تصنف تحت "الإكراه الجنسي" أو "حمل شخص على ممارسة الجنس دون موافقته".
الاغتصاب الزوجي جريمة في 150 دولة حول العالم!
من سبعينات القرن الماضي بدأت عشرات الدول في رفض فكرة منح الزوج الحق الكامل في ممارسة الجنس وقتما يشاء وبالطريقة التي يشاء دون اعتبار رغبة الزوجة. وحالياً، يجرم الاغتصاب الزوجي من قبل حوالي 150 دولة (لغاية عام 2019)، وذلك بشكل صريح بتصنيف "الاغتصاب الزوجي" جريمة، أو بشكل ضمني ضمن تجريم الاغتصاب عموماً (ويشمل ذلك دولاً عربية مثل: قطر، والعراق، والسودان، وتونس)
تصل أحكام الإدانة في بعض الدول إلى السجن المؤبد مثل المملكة المتحدة، ومولدوفا (شرق أوروبا)، وكوريا الجنوبية، وجزر سليمان، وترينيداد وتوباغو (في منطقة البحر الكاريبي)، وجزر فيجي، وحتى في قطر، حيث تصل أحكام الإدانة بالاغتصاب عموماً للسجن المؤبد دون استثناء أو تحديد الاغتصاب الزوجي.
فيما تصل أحكام السجن في معظم الدول إلى 40 عاماً، مثل الفلبين. أما في معظم الدول فقد تصل العقوبة في أقصى الأحكام إلى 15 أو 20 عاماً، مثل الأرجنتين، والدنمارك، وألمانيا، واليونان، وتشيلي، والبوسنة والهرسك، وأيرلندا.