قراءة في كتاب علم النفس السياسي لديفيد هوتون

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/24 الساعة 08:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/24 الساعة 08:43 بتوقيت غرينتش
كتاب علم النفس السياسي لدايفيد باتريك هوتون، ترجمة ياسمين حداد/ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

كتاب مهم رغبت في مشاركته معكم، يتناول موضوع علم النفس السياسي كأحد التخصصات المعرفية التي تمزج بين مناهج علم النفس والعلوم السياسية في دراسة السلوك السياسي للنخب والجماهير، بحيث يعرّف الكاتب السلوك السياسي بأنه "كل نشاط يرمي إلى تحقيق غاية سياسية سواء اتخذ شكلاً متطرفاً كالإرهاب وأعمال العنف أو معتدلاً كالاختيارات ذات الصلة بالتصويت الانتخابي".

وفي هذا الصدد، يميز الكاتب بين مقاربتين شائعتين في التحليل النفسي للسلوك السياسي بخاصة والإنساني عموماً، فثمة المقاربة النزوعية التي تفسر سلوك الفرد بعوامل ذاتية تحيل إلى الخصائص الشخصية، وما يحمله الفرد من نوازع واعتقادات ذاتية من جهة، والمقاربة الموقفية التي تقر بأن العوامل البيئية المتمثلة في المواقف والضغوط الموضوعية التي يواجهها الفرد هي المحدد الأساسي لسلوكه.

وقد أفرد المؤلف الباب الأول للحديث عن أهم المقاربات الموقفية، بدءاً بالمقاربة السلوكية لرائدها "سكنر" التي تفترض بأن الإنسان يولد كصفحة بيضاء أي خالياً من الصفات الموروثة والنوازع المسبقة، ومن ثم فهو يظل قابلاَ للإشراط (conditioning)، أي القدرة على التحكم في سلوكه من خلال التحكم في البيئة المحيطة به، وتشدد هذه المقاربة على أن الإشراط عادة ما يتم بطريقة اعتباطية في المجتمع، لذا فهي تقترح بأن يتم تنظيمه بطريقة ممنهجة بواسطة السلطة للحد من مظاهر السلوك الإجرامي والعنيف داخل المجتمع، وإن كانت هذه المقاربة تطرح معضلة أخلاقية بحسب الكاتب، لأنها تسلب من الإنسان حرية الإرادة والاختيار وتشرعن لممارسات الأنظمة الشمولية.

مروراً بنموذج علم نفس الطاعة المستلهم من تجربة "ستانلي ميليغرام" الشهيرة التي خلص فيها إلى أن الأشخاص قد يميلون إلى طاعة أوامر سلطة يرونها شرعية ولو كانت تخالف مبادئهم واعتقاداتهم، وهو ما يفسر بعض مظاهر السلوك السياسي المتطرف كالإبادة والقتل الجماعي، دون إغفال نموذج الصناعة الجماعية للقرارات أو التفكير الجمعي بحسب تعبير "جانيس" الذي يفترض أن الفرد قد يتخذ وجهات نظر مخالفة أثناء الصناعة الجماعية للقرارات للمواقف التي قد يتبناها في حالة ما إذا عمل بمفرده، ومن ثم فإن اتخاذ القرار بصفة جماعية قد يحول دون بناء قرارات عقلانية وموضوعية، لأن الهاجس يكون هو الوصول إلى الإجماع والحلول الوسطى، مما يعوق تقويم الخيارات والبدائل المتاحة تقويماً ناجعاً.

أما بخصوص الباب الثاني من الكتاب، فقد كرسه المؤلف لعرض المقاربات النزوعية، وعلى رأسها مقاربة السيرة النفسية التي تشير إلى أن الخصائص النفسية والسيكولوجية للقادة السياسيين التي ترتسم معالمها منذ مرحلة الطفولة يكون لها دور في التأثير على قراراتهم واختياراتهم، إضافة إلى دور الاعتقادات الأيديولوجية والفكرية التي يؤمنون بها كمحدد أساسي لسلوكهم السياسي، كما يقر بذلك نموذج تحليل عقيدة صانع القرار.

مروراً بالمقاربات المعرفية التي تركز على العمليات الذهنية التي تدور في عقل الإنسان ويتم من خلالها معالجة البيئة المعلوماتية، وفي هذا الصدد وجب التمييز بين مقاربتين معرفيتين أساسيتين، وهما مقاربة الإنسان الاقتصادي المشتقة من الاقتصاد الجزئي، وتفترض أن الإنسان كائن عقلاني بطبعه يسعى إلى كسب الثروة وتعظيم المنفعة الذاتية، وهو يوازن بين الفوائد والتكاليف المتوقعة لتقرير البديل الذي يجلب أكبر قدر من المنافع، هذا في مقابل مقاربة الإنسان النفساني التي على خلاف المقاربة السابقة تقول إن الصفات العقلانية محدودة بحدود العقل الإنساني على معالجة المعلومات، فالإنسان بخيل معرفياً، وهو لا يميل إلى النظر في كل الخيارات المتاحة ويظل عرضة لتأثير القوى الموقفية.

لكن هذا النموذج التحليلي يظل قاصراً برأي المقاربة العاطفية التي تؤكد على دور العواطف والانفعالات في تحديد السلوك الإنساني، فلا يمكن فصل الإدراكات المعرفية الباردة عن الإدراكات الساخنة أي العواطف، بالرغم من أنه ثمة تباين وسط مؤيدي هذه المقاربة في تقدير طبيعة تأثير العواطف والانفعالات في نوعية القرارات المتخذة، فمنهم من يجزم بأن العواطف لها مفعول سلبي لأنها تعزز صورنا النمطية وأحكامنا المسبقة مما يحول دون الوصول إلى أحكام وتقويمات موضوعية، لكنْ هناك اتجاه آخر وعلى رأسه "دماسر" يؤكد أن العواطف تساهم في عقلنة القرارات والخيارات المتبعة، بحيث خلص بعد قيامه بإحدى التجارب بأن الأشخاص الذين يعانون بروداً عاطفياً عادة ما يتخذون قرارات متهورة وغير محسوبة لعدم مبالاتهم بتداعياتها وانعكاساتها على مشاعر الآخرين.

ويبدو أن الكاتب يتبنى موقفاً تركيبياً وتوفيقياً لا يستبعد أياً من وجهتي النظر النزوعية والموقفية في تفسير السلوك السياسي، إذ خصص الباب الأخير لمحاولة تفسير بعض الظواهر السياسية كعلم نفس الانتخاب والقومية والعنصرية والإبادة والإرهاب والعلاقات الدولية بتوظيف نماذج التحليل النفسي لكلتا المقاربتين. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صلاح الدين ياسين
كاتب وباحث مغربي
كاتب وباحث مغربي متخصص في مجالات الفكر والسياسة
تحميل المزيد