مُصابك الذي يُؤلمك، حُزنك الذي يكبت صدرك، كدرك الذي يتغشّاك، هيّن على الله أن يذهبه، فاستعن وتوكل على الله، صعوبة نُطقك للدعاء لخوفك من عدم الإجابة، أو لحزنٍ أكَل قلبك؛ لن يضيع عند ﷲ.
كثيراً ما تعترينا الأحزان ويصيب قلبنا الإحباط ويكدر صفو عيشنا لأحداث ألمت بنا، فقد عزيز، ظلم تعرضنا له، ضياع حلم وهدف سعينا له ورجوناه كثيراً، انفصال بين المحبين أو ربما توالى الخذلان ممن أحببناهم وتشبثنا بهم يوماً، مرض شديد، غربة عن الوطن، كثيرة هي الأحداث والأسباب التي تكدر صفو العيش وتمثل تحديات كبيرة خاصة لأبناء هذا الجيل الذي يعاصر أحداثاً كثيرة ربما لم يتخيل يوماً أن يعيش كل الأحداث التي جرت في التاريخ السابق في عصر واحد كعصره وجيله، ولكن يبقى الأمل واليقين منعقداً بالله ونستمسك بحبله المتين حين لا يبقى أحد من خلقه.
طمئن قلبك المرتجف، وصوتك المتهدج بالبكاء، فالله يعلم كل شيء، وعينه ترعاك، يعلم تردّدك الدائم في التمسك بما تتمنى أو التخلي عنه؛ ويعلم مدى عجزك عن إقناع روحك بأسبابٍ واقعية شافية لتستمر في صبرها، كما يعلم سرعة تقلبك من فرح إلى ضيق شديد وبكاء لشيء بداخلك لا يعلمه إلا ﷲ، لن يضيع عند الله، حتى ضحكك على حالِ نفسك كلما رأيت مَن حولك بلَغوا أمانيهم وأنت تشتاق لتلك اللحظة، السؤال الذي تسأله لغيرك وأنت تعلم إجابته بحثاً منك عن بصيص نور وبريق أمل صغير يشفيك، وتعففك عن طلب العَون وأنت أحوج الناس إليه؛ كتمانك لحزنك وإخفائك لدمعك أمامهم؛ حتى يصير صبرك لله فقط فتنال أجر المحسنين؛ ارتعاش صوتك وأنت تطلبها تلك الدعوة التي طال بها الأمَد حتى أنك تستحي من طلبها، كل هذا يعلمه الله ومطلع عليه ولن يضيع عنده.
"وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين"، تخيل ورقة شجر ما على هذا الكوكب ضمن مليارات الأشجار التي يتساقط ورقها، يعلم الله سقوط كل ورقة متى وكيف سقطت والظروف التي سقطت فيها، وإلى أين ذهبت وما آل إليه حالها بعد السقوط، فكيف بحالك ودمعة قلبك؟ فكيف بحزنك وأكفك المبتلة إليه بالدعاء، فكيف بصبرك على الابتلاء، وصبرك عن محاباة الأعداء، صبرك على ظلم الناس لك وأكلهم حقك بغير حق، وصبرك على قولهم ما ليس فيك لإبعادك عن بلوغ هدف سعيت واجتهدت لبلوغه لسنوات طويلة وبجرة قلم منهم سلبوك حقك، ألا يعلم الله كل هذا! أليس مطلعاً عليه؟
حالك وحال المليارات من البشر، قلبك وقلوب الملايين، دعاؤنا إليه جميعاً في صوت واحد ووقت واحد، يعلم الله حالنا واحداً واحداً، سيجبرنا الله قلباً قلباً، وسيعوضنا الله فرداً فرداً، يعلم ما في السماوات والأرض وهو بكل شيء خبير بصير عليم.
لكنها الأرض يا عزيزي، دار الفناء والشقاء، ليست داراً للاستقرار والبقاء، إنما هي دار للاختبار والابتلاء ولينظر كيف تعملون، وكل امرئ بما كسب رهين، وعزاؤنا أنه "وللآخرة خير وأبقى"، ويقيننا "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى". فإن ظلَمَنا الناس، فرب الناس عدل لا يظلم أحداً "وما ربك بظلام للعبيد". وإن كُسرت قلوبنا وهزمتنا الأحداث والأحزان وقتلتنا الوحدة، فالجابر للمنكسرة قلوبهم موجود، يعلم حالنا، وما ألمّ بنا، وسيجزينا خيراً وجبراً على مدى حزننا وصبرنا.
فاحذر أن يُوهمك الشيطان أن ﷲ (أهملك) أو أن يُوهمك أن خاطرك (ليس له قيمة عند خالقه)! أنتَ أعظم وأكرم ما خلق ﷲ، أنت الذي يُهيئ ويزين الله له الجنة بذاته العليا كهدية منه لك؛ ويا ليتَك تعلم معنى ذلك وقيمته! أنت الذي لدعائك تهتز أبواب السماء وترتَعِد، ولبكائك وحزنك تتسارع الملائكة في الدعاء لك، وتعرف صوتك واسمك ومكانك؛ ولعلهم قد حفظوا أمنيتك من كثرة ترديدك لها فأصبحوا يدعون لك بها، أنت الذي سخر ﷲ له كل شيء، إياك أن تفقد إيمانك بمكافأة ﷲ، إياك أن (تستثني) نفسك ممن سيرضيهم ﷲ.
وكما أن لكل منا صحيفة لا تشبهها صحيفة، وحياة لا تشبهها حياة، ولكل منا (ابتلاء) لا يشبهه ابتلاء، فكذلك لكل منا (عطاء) لا يشبهه عطاء، وعوَض لا يشبهه عوض، هي أوقاتٌ ستمُر، ستمر ولن يبقى منها سوى (الأجر والعِوض).
فلا تطل بها البكاء، ستحتاج لتلك (الدمعات) لتسكبها بغزارةٍ وأنت ساجدٌ تبكي من فرط جمال (الجبر)، وتذكر أن الله يعلم أنك تصبر وتنتظر؛ ولن يطيل الانتظار إلا لحكمة، وخير، ورحمة، فأحسن الظن بالله، وهون على نفسك فهو عليه هين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.