هل حدث لك من قبل أن ذهبت لقضاء عطلة بمفردك أو مع أصدقائك بجانب النهر؟ وقضيت هناك يوماً ممتعاً للغاية، حيث غمرتك فيه مشاعر من السعادة العارمة، لدرجة أنك ظللت تخطط للذهاب إلى هناك مرة أخرى لتكرار تلك العطلة تماماً كما حدث في المرة السابقة؟ هل تفاجأت بعد وصولك ومع تكرار نفس أحداث الرحلة السابقة أنك لا تشعر بنفس المشاعر الممتعة التي حدثت لك في المرة الأولى، رغم تشابه تفاصيل الرحلتين تماماً؟
هل حدث أن مررت بعلاقة حب مليئة بالعواطف الحميمية والمشاعر الملتهبة التي تطير بك حد السماء، ثم حدث أن انتهت تلك العلاقة، لتجد نفسك عالقاً فيها ولا يمكنك تجاوزها؟ هل كانت نتيجة كل محاولاتك بالبحث المستمر عن علاقة تعطيك نفس تلك المشاعر التي شعرت بها في علاقتك السابقة محاولات فاشلة؟ لقد لخّص الفيلسوف اليوناني هيراقليطس حل تلك المشكلة في جملة واحدة، وهي أنه "لا يمكن للمرء أن يستحمّ في النهر نفسه مرتين".
إن الإنسان في حالة دائمة من التغيير، ففي الحالة الأولى عندما يحرص المرء على إعادة نفس تفاصيل تلك الرحلة، مع نفس الرفقة، وفي نفس التوقيت إنما يفعل كل ذلك من أجل الحصول على مشاعر مطابقة تماماً لتلك المشاعر الممتعة التي حصل عليها في الرحلة السابقة.
ولكنه يغفل عاملين مهمين للغاية: أولهما أن ماء النهر جارٍ ومتغير دائماً، فإن تلك المياه التي نزل بها سابقاً لم تعد موجودة مكانها، بل ذهبت إلى مكان آخر من النهر، ومن المستحيل أن يتلامس جسده معها مرة أخرى.
وثانيهما أن المرء يمر بتغييرات حياتية مختلفة ومتعددة تؤثر عليه بطريقة أو بأخرى، فتعمل على تغييره وتغيير قابليته للشعور بنفس المشاعر القديمة التي شعر بها مسبقاً. فقد يكون ذلك الشخص قد ترقى في منصبه، وبالتالي زادت أعباؤه الوظيفية، أو أنجب طفلاً جديداً فزادت أعباؤه المادية، قد يكون قرأ كتاباً جيداً غيّر في مفاهيمه الشخصية، أو أخذ دورة جديدة أعطته معنى آخر للحياة.
وينطبق الرأي نفسه على الشخص الذي تفشل كل محاولاته للارتباط مرة أخرى، ويظل طوال حياته عالقاً في تلك العلاقة التي لا يستطيع أن يجد لها بديلاً. فيبذل كل طاقته من أجل الحصول على نفس درجة مشاعر الحب والحميمية السابقة، متناسياً أنه لم يعد هو نفس ذلك الشخص القديم.
فقد يحدث أن يخرج المرء من العلاقات السابقة إنساناً أكثر حرصاً، وأكثر خوفاً، أو أكثر شكاً، خصوصاً إذا كانت تلك العلاقة السابقة علاقة مسيئة، أو قد يتعلم من تجربته بشكل إيجابي ويصبح شخصاً أكثر خبرة ونضجاً فتختلف رؤيته للأحداث وتتغير طريقة تعامله مع تلك العلاقة الجديدة، ومن ثم يحصل على مشاعر مختلفة عن مشاعر الماضي.
عارضَ بعض المفكرين آراء هيراقليطس قائلين إن "الإنسان لا يتغير أبداً"، وإن "الكون يحلو ببعض الثبات"، ولكن كان رد هيراقليطس أنه لا مجال للثبات في هذا العالم، وأن "الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير المستمر".
إن نظرة الإنسان للتغيير دائماً هي نظرة تشاؤمية وغامضة، حيث إنه لا يعلم ما قد يحمل له ذلك التغيير مع كل إشراقة شمس يوم جديد، هناك دائماً أمل أن يتغير الحال إلى الأفضل. أما الشخص الذي يريد العودة لمشاعر الماضي فقد يجد أفضل أو أسوأ مما يبحث عنه، ولكنه لن يجد أبداً نفس الشعور.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.