اجتمع رجال الإمبراطور حوله وأزهقوا حياته بـ30 طعنة أنهت 4 سنوات من حكم كاليغولا، الذي أفرغ خزائن روما، ونصب نفسه إلهاً، واتخذ من القتل وسفك الدماء وسيلة للتسلية، ولاحقته اتهامات الفجور وسفاح القربى.
تعالوا نتعرف أكثر على الإمبراطور الروماني الشاب الذي أصابه مرض مجهول بالجنون:
بدايات كاليغولا، والإمبراطور الذي أدخل "أفعى" إلى قصره
كان كاليغولا الابن الثالث للجنرال الروماني الشهير جرمانيكوس، وقد ولد باسم "يوليوس قيصر جرمنيكس"، لكنه اشتهر تاريخياً باللقب الذي أطلقه عليه رجال والده الجنرال "كاليغولا"، والذي يعني "الحذاء الصغير"، في إشارة للزي العسكري الرسمي المصغر الذي اعتاد كاليغولا على ارتدائه عند مرافقة والده.
بعد وفاة الجنرال، تم اتهام والدة كاليغولا وأبنائها الأكبر سناً بالخيانة، وقضوا نحبهم جميعاً في السجن، وعلى ما يبدو فقد حيكت مؤامرات لهذه العائلة التي شكلت تهديداً لـ"سيجانوس" أحد أبرز حراس الإمبراطور الروماني تيبيريوس، الذي أراد تصفية منافسيه السياسيين.
استطاعت جدة كاليغولا حمايته من تلك المؤامرات، وعندما توفي سيجانوس عاد كاليغولا إلى القصر ليعيش في كنف عم والده الإمبراطور تيبيريوس، الذي لم يكن يدرك أنه أدخل "أفعى" إلى قصره.
وفقاً لما ورد في موقع History، تبنى تيبيريوس كاليغولا وجعله هو وابن عمه جيميلوس ورثة متساوين لعرش الإمبراطورية، وعندما توفي الإمبراطور في العام 37 بعد الميلاد اعتلى كاليغولا عرش روما ليبدأ عهداً من الجنون والدماء.
كاليغولا وجرعة الجنون
كان كاليغولا يبلغ من العمر 25 عاماً عندما تولى السلطة، وفي الأشهر القليلة الأولى من حكمه بدا كل شيء طبيعياً، حتى إن الإمبراطور الجديد أعلن عن إصلاحات سياسية واستدعى جميع المنفيين، ما أدى إلى الترحيب بخلافته في روما.
لكن بعد ذلك يقال إن مرضاً خطيراً أصاب الإمبراطور ودفع به إلى الجنون المطلق، في حين يعتقد البعض أن زوجته قيسونيا أعطته جرعة كانت السبب في تحول الإمبراطور الشاب إلى شيطان.
ومهما كان السبب الحقيقي، ما نعرفه حتماً أن الإمبراطور سيضع روما على حافة الانهيار.
القتل من أجل التسلية
شفي الإمبراطور الشاب من المرض الذي أحل به، لكنه تحول بعده إلى شخص متعطش للدماء.
بدأ كاليغولا بتصفية المقربين منه، ربما ذكره مرضه بفنائه، وبرغبة الآخرين في الاستيلاء على عرشه. بدأ بإعدام ابن عمه جيميلوس، وهو فعل أثار غضب جدته التي قامت بتربيته، وتشير بعض الروايات إلى أنها انتحرت بعد ذلك، فيما تقول روايات أخرى إن كاليغولا قام بتسميمها.
كما أعدم صهره ووالد زوجته، أما عمه فقد أبقى على حياته فقط ليجعل منه أضحوكة في مجالسه، كما نفى اثنتين من شقيقاته بعيداً.
بعد ذلك أصبح كاليغولا يقتل لمجرد التسلية، وكان كل من حوله مهدداً في أي لحظة لأن يكون ضحية لنزوات الإمبراطور المجنون.
ويقال إنه بينما كان يحضر عرضاً للوحوش البرية ذات مرة، شعر بالملل فأمر حراسه بإلقاء قسم كامل من الجمهور في الساحة لتكون طعاماً للحيوانات.
الألوهية وسفاح القربى
وفقاً لسيوتونيوس، كاتب سيرة حياة كاليغولا، فقد كان الإمبراطور يعتقد أنه إله، وأمر ببناء تمثال ضخم له لتتم عبادته، وكثيراً ما قال مخاطباً أتباعه: "تذكروا أن لي الحق في فعل أي شيء لأي شخص".
لقد أهان كاليغولا أعضاء مجلس الشيوخ كما لم يفعل إمبراطور من قبله، فقد كان يجبرهم على القتال من أجل التسلية أو جعلهم يركضون لأميال أمام عربته التي تجرها الخيول، وكان يعزل أولئك الذين ينسون عيد ميلاده.
فضلاً عن ذلك فقد جمعته علاقات غرامية بالعديد من زوجات حلفائه، أما اتهامه بسفاح القربى فيعتقد أنه مبالغ فيه.
فقد كان سوتونيوس هو أول من نشر الادعاءات بأن كاليغولا ارتكب سفاح القربى مع شقيقاته الثلاث، وأن ذلك حدث أثناء المآدب والولائم، حيث شهد الضيوف وزوجة كاليغولا ما كان يفعله الإمبراطور مع شقيقاته.
لكن سوتونيوس كتب "حياة القياصرة" في عام 121 بعد الميلاد، أي بعد 80 عاماً من اغتيال كاليغولا. ولم يذكر أي من المؤرخين المعاصرين للإمبراطور حادثة سفاح القربى، على الرغم من أنهم وجهوا انتقادات قاسية للإمبراطور الذي أخضع روما لجنونه ونزواته.
خزينة الدولة تستنزف في سبيل مشاريع تافهة
لم تمتد فترة حكم كاليغولا لأكثر من 4 سنوات، لكنه مع ذلك كاد يفرغ خزائن الدولة بإسرافه وبذخه ومشاريعه التي كانت في أغلبها تفتقر إلى المنطق، فعلى سبيل المثال أمر الإمبراطور ببناء جسر يربط بين طرفي مضيق نابولي بطول 3 أميال ليتمتع بالتنزه عليه، فضلاً عن القصور والتماثيل الباذخة والنزوات التي لا تنتهي.
وليحصل على المزيد من الأموال صادر ممتلكات الأثرياء في روما، لدرجة أن أحداً لم يكن يشعر أنه في مأمن من تسلط الإمبراطور، وبات جميع النبلاء يخشون أن يكونوا الهدف التالي لنزواته.
وبالرغم من أن عامة الشعب برروا تصرفاته على أنها من باب العدل بين الطبقات المختلفة، إلا أنهم سرعان ما سخطوا عليه كما سخط عليه الأثرياء، فقد فرض الضرائب الباهظة على الجميع، وبدأ ببيع المصارعين بالمزاد العلني.
ووفقاً لسوتونيوس، في السنة الأولى من عهد كاليغولا، أهدر الإمبراطور الشاب 2.7 مليار قطعة نقدية، لكن لا يؤكد هذا الرقم جميع المؤرخين بالرغم من اتفاقهم على إسراف كاليغولا.
حصان كاليغولا الذي تبوأ منصب "كاهن"
بالرغم من معاملته القاسية مع البشر المحيطين به، فقد أحب كاليغولا حصانه إنسيتاتوس ولم يكتف ببناء منزل فاخر له مصنوع من الرخام والعاج، بل عينه كاهناً كذلك.
ومن النزوات التر استبدت بكاليغولا رغبته في تعيين حصانه العزيز كواحد من أعضاء مجلس الشيوخ، وقد كان يخطط لذلك بالفعل، إلا أنه اغتيل قبل أن يشاهد حصانه جالساً مع أبرز رجال الدولة لمناقشة أمورها.
30 طعنة أنهت حياة كاليغولا
ضاق مجلس الشيوخ والحرس الإمبراطوري ذرعاً بجنون كاليغولا، واتفقوا على ضرورة التخلص منه في العام 41 بعد الميلاد.
قاد كاسيوس، أحد أعضاء الحرس الإمبرطوري تلك المؤامرة، وقد كانت دوافعه شخصية للغاية، إذ تعرض للإذلال أمام الجميع وجعله الإمبراطور مادة للتندر والسخرية وفقاً لما ورد في موقع National Geographic.
لم يكن كاسيوس الوحيد الذي يملك دوافع شخصية لاغتيال الإمبراطور، إذ يرغب كل من في القصر في رؤية كاليغولا ميتاً.
وفي اليوم الأخير من فعاليات ألعاب البالاتين التي تقام سنوياً في روما، انتظر المتآمرون الوقت المناسب الذي خفّت فيه الحراسة حول الإمبراطور وانقضوا عليه ليطعنوه 30 طعنة، كانت نهاية 4 سنوات من الدماء والجنون.