رفضت الوزارة أيام ناصر والسادات.. من هي السفيرة عزيزة التي كانت قدوة المصريات؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/16 الساعة 21:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/16 الساعة 21:40 بتوقيت غرينتش
السفيرة عزيزة وممثلة مصر الدولية/ web

"هي فاكرة نفسها السفيرة عزيزة؟" تردد هذا التساؤل كثيراً في الأدبيات المصرية وتحديداً في الأفلام السينمائية القديمة، فمن هي السفيرة عزيزة التي كانت تعتبر مقياساً للمرأة الناجحة أو المتألقة؟

اسمها عزيزة هانم شيد شكري دحروج، ومهنتها أول سفيرة لمصر لدى الأمم المتحدة وصاحبة العديد من الإنجازات والمشاريع الوطنية التي أكسبتها شعبية وحباً لدى الشعب المصري.

بدايات السفيرة عزيزة

ولدت عزيزة دحروج العام 1919 في قرية "ميت يعيش" لتحمل اسم جدتها عزيزة، والدها كان طبيباً لأمراض النساء والولادة، ووالدتها تدعى حكمت هانم محمود عارف. لها 4 أشقاء هم: عصمت، محمد، حسين، وليلى.

تقول في كتابها "حج الروح" إن إصابة والدتها بمرض الزهايمر زادت من تحديات العائلة من الأب وصولاً إلى أصغر طفل، فوجدت نفسها في عمر العاشرة جليسة لأشقائها الصغار وتحديداً حسن الذي كان مصاباً بالصمم.

ولخصت السفيرة عزيزة دربها الحافل بالصعوبات على الشكل التالي: "كل حتة أتحط فيها لازم أعمل جهد أكثر عشان أقدر أوصل لنتيجة".

تخرجت في مدرسة الأم المقدسة وهي تدرس اللغة الفرنسية، ثم انتقلت إلى الجامعة الأمريكية، حيث درست باللغة الإنجليزية، العقبة التي كادت تحد من تحقيق طموحها، فواظبت على تعلم اللغة يومياً حتى أتقنتها.

وفي خضم نضالها للحصول على تعليمها الأكاديمي، يُحسب لوالدها أنه كان الداعم لتعليم بناته الثلاث في تلك الحقبة من الزمن التي لم تكن تشجع تعليم المرأة، علماً أنهن كن الطالبات الوحيدات في التعليم المختلط بالجامعة الأمريكية.

وتدين السفيرة عزيزة لوالدها بهذا الفضل وتصفه بداعم المرأة ونصيرها، وهو الأمر الذي سيغير من مسار حياتها فيما بعد.

تخرجت السيدة عزيزة في الجامعة العام 1942، وانخرطت في العمل التطوعي المجتمعي وتحديداً تحت لواء "نادي سيدات القاهرة".

تعرفت من خلال انخراطها في هذه المبادرات الاجتماعية كيفية إدارة المجموعات ودراسة احتياجات المجتمع، ناهيك عن جمع التبرعات وتقديمها للمحتاجين، كما تذكر في الكتاب.

السفيرة عزيزة
السفيرة عزيزة إلى اليسار في الأمم المتحدة

ثاني أعظم رجل في حياتها

لاحقاً تعرفت على من تسميه "ثاني رجل عظيم" في حياتها، وهو أحمد باشا حسين، الذي تقدم لخطبتها العام 1945، وهو الأستاذ في مجالات التنمية البشرية والمشاركة المجتمعية والتعاونيات.

أسس زوجها العام 1951 جمعية "مصلحة الفلاح" التي تعد أول إنجازاته في مجال الإصلاح المجتمعي والنواة التي ستنشأ على أساسها وزارة الشؤون الاجتماعية.

في هذا الوقت واصلت عزيزة أعمالها المجتمعية مع زميلاتها وبمساندة عارمة من زوجها، بحسب صحيفة الدستور المصرية.

تضمن الأمر زيارة مناطق ريفية عديدة ومشاورات مع الفلاحين وسكان الأرياف لحصر احتياجاتهم ومتطلباتهم وسبل مساعدتهم.

أسست لاحقاً أول حضانة في قرية سنديون بمحافظة القليوبية، وذلك لتلبية حاجة الأمهات ومساعدتهن على تطوير طاقات أولادهن.

تم تعيين أحمد حسين وزيراً للشؤون الاجتماعية في وزارة النحاس باشا، لكن أفكاره المختلفة عن السائد تسببت في وصفه بـ"الوزير الأحمر" لمطالبته بتطبيق أول نظام للضمان الاجتماعي، الأمر الذي اعتبره المحيطون مستوحى من الأفكار الشيوعية، ما يتعارض مع سياسات الملك فاروق.

قدم استقالته لاحقاً واستمر في العمل المجتمعي بعيداً عن الوزارة.

السفيرة عزيزة

تمثيل مصر في الخارج

 قبل قيام الثورة بنحو 18 ساعة فقط، تمت تسمية والد عزيزة وزيراً للصحة ضمن الحكومة التي شكلها أحمد نجيب باشا الهلالي.

لكن عزيزة وزوجها كانا في تلك الفترة في الولايات المتحدة لتلبية دعوة من منظمة الأمم المتحدة على خلفية دراسات التنمية الريفية، لتتلقى أثناء جولتها خبر حصول الثورة على يد الضباط الأحرار.

سافرت عزيز كخبيرة اجتماعية، وهي أول سيدة عربية تجوب دول العالم لإلقاء محاضرات عن العمل المجتمعي.

وقالت في حوار لها عن تلك الفترة: "سافرت وحدي لأول مرة، وعملت محاضرات عديدة في حوالي 40 ولاية. وتعلمت إزاى أحاضر.. وواجهتنا صعوبات وحققنا نجاحات".

استقبلت عزيزة خبر الثورة بسعادة كبيرة وذلك بسبب "الصورة السلبية" التي كان الإعلام الدولي ينقلها عن الملك فاروق كحاكم فاسد، وبالتالي مصر.

وكانت السفيرة عزيزة مضطرة للإجابة عن تساؤلات البعض حول سلوكيات الملك ونزواته الشخصية.

وتبين حماس السفيرة للثورة عندما ألقت في إحدى محاضراتها آمالاً للمستقبل وتحديداً لناحية قانون إصلاح الأراضي ومشاكل الضرائب التصاعدية وإنشاء التعاونيات الزراعية ومشاريع إسكان وزيادة أجور العمال الزراعيين وغيرها.

نشرت بعض الصحف الأمريكية تفاصيل المحاضرة التي أرسل رئيس الكلية الأمريكية نسخة منها إلى الرئيس المصري آنذاك محمد نجيب قائلاً إن عزيزة نجحت في تمثيل مصر بامتياز.

رفضت الوزارات وفضلت العمل

قبل عودتهما إلى مصر عام 1952 كان نجاح الزوجان مدوياً، فرشح جمال عبدالناصر د.أحمد إلى تولي منصب وزير الشؤون الاجتماعية، لكنه أصر على الاعتذار.

وتذكر عزيزة فى مذكراتها ما قاله زوجها لعبدالناصر: "أنتم لديكم السلطة ونحن كمدنيين علينا مسؤولية، وكل له دوره".

ثم تفسر رؤيتها للقرار فتقول بمذكراتها: "أحمد كان يعرف أنه لن يكون قادراً على قبول هذه الازدواجية بين السلطة والمسؤولية".

ثم طلب عبدالناصر من أحمد أن يحث أمريكا على الضغط على بريطانيا لتنسحب من منطقة السويس، فرتب بعض اللقاءات وشكل جسراً للحوار، ثم تم تعيينه سفيراً لدى الولايات المتحدة عام 1943.

كما تم تعيين عزيزة سفيرة لمصر في وفد إلى الأمم المتحدة من جديد بصورة رسمية لتطرح فكرتها عن "تنظيم الأسرة" ومحاربة العنف ضد المرأة، ما تسبب في انتمائها للجنة المرأة بمنظمة الأمم المتحدة لمدة 17 عاماً.

أسست لاحقاً جمعية تنظيم الأسرة التي خاطبت مشكلة الأزمة السكانية وافتتحت عيادات لتنظيم الأسرة في القرى المصرية ولاحقاً جمعية أسرة المستقبل.

ولم تكتفِ جهود السفيرة عزيزة عند محاولة تنظيم شؤون الأسرة المصرية ورعاية المرأة، بل تخطتها إلى الدعوة إلى ممارسة رياضة التأمل التجاوزي واليوغا.

كما التقت بمبتكر هذه الرياضة الهندية مهاريشي ماهي يوغي، عام 1985، الذي أطلق على السفيرة عزيزة لقب "أم مصر" بعدما نجحت في تشجيع المئات على القيام بها رجالاً ونساءً.

ورفضت تولي منصب وزارة الشؤون الاجتماعية بطلب من رئيس الوزراء محمود سالم في حكم أنور السادات، وواصلت جهودها الرسمية على جبهات أخرى، كتمثيل مصر في المنتدى الدولي للمرأة والسكان والتنمية عام 1978.

حفلت رحلة السفيرة عزيزة بالعديد من الإنجازات في حقل المرأة والأسرة والعمل المجتمعي، وحصلت على العديد من الجوائز المحلية والدولية وتوفيت عام 2015 عن عمر يناهز 96 عاماً لتخلف وراءها إرثاً عريقاً وصورة براقة للمرأة المصرية في المحافل الدولية، ما جعلها فعلاً مقياساً للمرأة الناجحة والمتألقة.

علامات:
تحميل المزيد