كان لثقافة بلاد فارس القديمة تأثير كبير على جميع أنحاء العالم، فقد استمر حكمها لجزء كبير من منطقة الشرق الأدنى لأكثر من 1000 عام من 550 قبل الميلاد حتى 651 ميلادي، والكثير من جوانب ثقافتهم تلك استمرت في التأثير على الآخرين حتى يومنا هذا.
حقائق لا تعرفها عن بلاد فارس
كان أول نظام حكم فارسي هو الإمبراطورية الأخمينية (حوالي 550-330 قبل الميلاد) التي سقطت على يد الإسكندر الأكبر.
وبعد وفاته، أصبحت المنطقة تحت سيطرة الإمبراطورية السلوقية الهيلينية والتي أسسها أحد قادة جيش الإسكندر المقدوني، قبل أن يتناوب البارثيون والساسيون على حكمها.
ومنذ الأيام الأولى للإمبراطورية الأخمينية حتى آخر عهد الساسانيين، قدم الفرس عدداً من المفاهيم الجديدة في الابتكارات والاختراعات، مثل الزخارف الأدبية وتبريد وتكييف الهواء واختراع أول لباس موحد للجنود وأشياء أخرى مثيرة.
فيما يلي أهم المساهمات والحقائق التاريخية التي تتعلق بالفرس والتي نادراً ما يعرفها الناس.
شاعر يوناني أطلق عليها اسم بلاد فارس.. وألمانيا النازية اقترحت اسم إيران
كتاب أبستاق
كتاب أبستاق أو أفيستا ويسمى أيضاً Zend-avesta هو كتاب مقدس للديانة الزرادشتية يحتوي على معتقدات تخص نشأة الكون والقوانين والطقوس الدينية والتعاليم الزرادشتية.
ويعتبر الكتاب وفقاً لما ذكره موقع Britannica الجزء الوحيد المتبقي من مجموعة أكبر بكثير من الكتاب المقدس الزرادشتي.
ويقال إن المخطوطات الضخمة للأصل قد دُمِّرت عندما غزا الإسكندر الأكبر بلاد فارس
وفي العام 413 قبل الميلاد أطلق الكاتب اليوناني هيرودوت على سكان تلك المنطقة اسم الفرس فاتبع خطاه لاحقاً اليونانيون والرومانيون حتى إنّ معظم شعوب أوروبا في الوقت الحالي تطلق على إيران القديمة اسم بلاد فارس.
وقبل أن يصبح اسم البلاد إيران بقي اسم بلاد فارس حتى العام 1935 عندما وافق رضا شاه بهلوي على مقترح من ألمانيا النازية -كان يربط بينهما علاقات قوية- يطلب منه أن يحول اسمه لإيران، وفقاً لما ذكره موقع Ancient History.
وبالفعل وافق بهلوي على تغيير الاسم وطالب بقية دول العالم بالاعتراف بإيران اسماً رسمياً للبلاد.
احتفالات أعياد الميلاد
في القرن الخامس قبل الميلاد أشار المؤرخ اليوناني هيرودوت إلى التقليد الفارسي المثير للفضول في ذلك الوقت والمتمثل في احتفالات تقام بأعياد ميلاد الناس، بحيث يقوم الأثرياء بتناول الطعام والحلويات في المناسبة، وفقاً لما ذكره موقع History Exstra.
بدأت احتفالات أعياد الميلاد في بلاد فارس كمهرجانات تكريماً لميلاد الملك، لكنها توسعت في النهاية لتشمل الجميع، ولذلك اخترعوا حفلة عيد الميلاد للعامة.
وتضمنت هذه الاحتفالات أطعمة خاصة أعدت لضيف الشرف وكعكة تقدم بعد الوجبة وعليها شموع مضاءة.
انتقد الكتاب اليونانيون الفرس بسبب هذه الممارسة، لكن الفرس اعتبروا الإغريق بربريين وبسيطي التفكير لعدم تقديرهم لقيمة الحلويات، واعتقادهم بأنها قليلة التغذية.
الفرس أول من اخترع الثلاجة وتبريد الهواء
ابتكر الفرس أول نظام للتبريد في العالم، وكان يُعرف باسم ياخشال، وهو عبارة عن هيكل مقبب مصنوع من الطين وكان يستخدم لتخزين الثلج، وفيما بعد أصبح يستخدم من أجل الحفاظ على برودة الطعام.
يُنسب اختراع الياخشال عادة إلى عهد الملك الأخميني الأول قورش الكبير من 550 إلى 530 قبل الميلاد، ويقوم مبدأ عمله على إنشاء برج رياح يتصل بـالياخشال من الأعلى من أجل دفع الهواء البارد إلى الأسفل وسحب الهواء الساخن للأعلى، وبالتالي الحفاظ على درجة حرارة الهيكل باردة.
للمرأة نفس حقوق الرجل وربما أكثر
أسطوانة قورش
أسطوانة قورش هي أسطوانة طينية تحتوي على سرد لقصة غزو قورش لبابل في العام 359 قبل الميلاد ومكتوبة باللغة المسمارية.
ويظهر النص أن الأسطوانة أنشئت ككتاب من أجل أن يتم دفنه في أساسات سور مدينة بابل، وقد تم وضعه هناك بعد الاستيلاء على المدينة من قبل قورش الذي يقال إنه كتب بناء على أوامره، وفقاً لما ذكره موقع Britannica.
وتروي الأسطوانة أنّ نابونيدوس وهو آخر ملوك بابل قد حرّم عبادة الإله مردوخ، واضطهد رعاياه الذين تقدموا بشكوى إلى الله، فقام بإرسال قورش من أجل غزو بابل، وأن جميع السكان أصبحوا سعداء بعد قدومه.
وفي الجزء الثاني من الأسطوانة يتحدث قورش بصيغة المتكلم قائلاً إنه اعتنى بعبادة مردوخ في بابل، وإنه أعاد جميع الأشخاص الذين تم تهجيرهم على زمن نابونيدوس بسبب عبادتهم طوائف أخرى، ولذلك تعتبر أسطوانة قورش كأول ميثاق لحقوق الإنسان في التاريخ.
فقد كانت النساء في بلاد فارس يعاملن مثل الرجال من حيث مبدأ إتاحة الفرص للعمل ونيل الأجر، كما كان مسموحاً لهن أن يشرفن على الرجال في العمل.
أمّا النساء ذوات المهارات الاستثنائية فكان يتمّ التعامل معهن على أنهنّ أراششارا، ويعني الرئيس العظيم.
في حين كان مسموحاً أيضاً للمرأة بأن تتملك الأراضي والمنازل وأن تخدم في الجيش، سواء في رتبة جندي أم في الرتب العليا، مثل الضباط والقيادات العليا صحبة الملك.
الفرس أول من اخترعوا الزي العسكري الموحد
لم يكن لدى جيوش العالم القديم أي تنسيق عسكري داخل قوات جيوشها قبل مجيء الملك الفارسي سياكساريس الذي يعود إليه الفضل في إنشاء نموذج أولي لتنسيق الوحدات والأفواج العسكرية.
وعند مجيء قورش الكبير أصلح هذا النموذج وجعله أكثر فاعلية، فقد نظم الجيش على النظام العشري على الشكل التالي:
10 رجال = وحدة عسكرية
10 وحدات عسكرية = كتيبة
10 كتائب = فرقة
10 فرق = فيلق
ومن أجل التمييز بين الوحدات وضعت قيادة بلاد فارس زياً ملوناً مختلفاً فيما بينها (أصفر – أزرق – بنفسجي).
الفرس اخترعوا البريد والأكاديميات التعليمية
تم تطوير أول نظام بريدي متطور للغاية من قبل الفرس تحت حكم داريوس الأول الذي أصدر مرسوماً ببناء شبكة من الطرق لسهولة السفر ثم أنشأ خدمة يمكن من خلالها للركاب نقل الرسائل بين المدن أو المعسكرات المختلفة.
بحيث يتم تزويد مجموعة من الرسل الذين يمتطون الجياد بالرسائل من أجل إيصالها إلى المدن أو المعسكرات، وكان هؤلاء الرسل يكرسون أنفسهم لهذه الوظيفة بدرجة مقدسة.
وفقاً لما هو مذكور في كتاب History of the Persian Empire by A. T. Olmstead, Olmstead ( يمكنك شراؤه من أمازون هنا) الذي يجمع كل أقوال الشاعر اليوناني هيرودوت، فإنه قال عن نظام البريد الفارسي: "مهما كانت الظروف، الثلج أو المطر أو النيران، أو الظلام، فهم لا يفشلون أبداً في إكمال رحلتهم المخصصة في أسرع وقت ممكن".
يذكر أنّ هذه الجملة أصبحت في عام 1914 الشعار غير الرسمي لخدمة البريد في الولايات المتحدة الأمريكية، وفقاً لما هو مذكور على Uspsblog.
ليس ذلك فحسب، بل أيضاً قام الفرس بتأسيس أول اكاديمية تعليمية في العالم، وذلك في عهد الملك شابور الأول الذي أسس أكاديمية جونديشابور، وهي مركز فكري وثقافي يستقبل جميع المهنيين الأطباء والمثقفين من جميع الجنسيات في العالم.
وفي عهد الملك الساساني اللاحق كوسرو الأول أصبح المركز أول مستشفى تعليمي في العالم.
أنهوا الحكم الفرعوني المستقل باستغلال حبهم للقطط!
لم يكن الفرس مبدعين من ناحية الاختراعات وحسب، بل أيضاً في التكتيكات العسكرية، ففي عام 525 قبل الميلاد غزا الملك الفارسي قمبيز الثاني مصر وتمكن من دخولها مستغلاً حب الفراعنة وشعبهم للقطط.
يدعي الشاعر اليوناني هيرودوت أن سبب غزو الفرس لمصر جاء رداً على إهانة من قِبل فرعون مصري، لكن العلماء يرجحون أن يكون السبب ببساطة استمرار سياسة والده قورش العظيم التوسعية.
عند هجوم القوات الفارسية على مصر تم إيقافهم عند مدينة بلوزيوم المحصنة بشدة، وكان قمبيز الثاني يعلم أنه لا يمكن تجاوز هذه المدينة دون تكبده خسائر فادحة.
كان قمبيز الثاني على دراية جيدة بالثقافة المصرية، وأدرك أن حبهم للحيوانات – وخاصة القطط – يمكن استغلاله.
جعل جنوده يرسمون صورة الإلهة المصرية باستت – امرأة برأس قطة- على دروعهم، وكذلك قام بجمع الحيوانات الضالة في المنطقة، لا سيما القطط، وقادها أمام جيشه نحو المدينة.
وبدلاً من إيذاء الحيوانات أو عدم احترام صورة الإلهة باستت استسلم المصريون القدماء تاركين المجال لقمبيز الثاني لحكم مصر مدة 4 سنوات.