لا تفكر في الاقتراب من أعز ما تملك أي أم "ابنها"، وإلا انتظر مصيراً لن تتمناه! السيدة الألمانية ماريان باخماير لقنت قاتل طفلتها درساً لن ينساه العالم، ولن يتذكره المعتدي لأنه لفظ أنفاسه بعد إصابته بست رصاصات خلال جلسة محاكمته.
وقد تابع الجمهور الألماني جريمة القتل هذه باهتمام بالغ، خصوصاً أنه كان هناك سؤل مُلح يقول: هل كان انتقامها من قاتل ابنتها مُبرَّراً؟ وهل كان لها الحق عندما قررت فتح النيران عليه في قاعة محكمة مزدحمة في الـ 6 مارس/آذار من عام 1981.
ورغم مرور 40 عاماً على هذه الحادثة لـ"أم الانتقام"، أو "الأم المنتقمة"، فإنها لا تزال حاضرة في الذاكرة الألمانية، إذ وصفتها شبكة NDR الإخبارية الألمانية بأنها "قضية العدالة الانتقامية الأكثر إثارة التي تشهدها ألمانيا عقب الحرب".
من هي ماريان باخماير؟
ماريان باخماير عاشت حياة أسرية صعبة بعض الشيء، إذ انفصل والدها عن والدتها وهي صغيرة، انضم الأب لجيش الحزب النازي (Waffen-SS)، فيما تزوجت الأم مرة أخرى. وفي سن السادسة عشرة (عام 1966) رُزقت باخماير بطفلها الأول، حملت مرة أخرى من صديقها آنذاك وهي لا تزال في سن الـ18، وبعد وقت قصير من ولادة ابنتها الثانية تعرضت للاغتصاب.
تم تسليم طفليها للتبني بعد ولادتهما بوقت قصير. وفي عام 1973، ولدت ابنتها الثالثة آنا، وقامت بتربية آنا وحدها، ولم يكن لدى الأم فرصة لولادة أخرى، لأنها خضعت لعملية تعقيم.
كانت الأم العازبة تدير حانة في السبعينيات من القرن الماضي بمدينة لوبيك، فيما كان يُعرَف آنذاك بألمانيا الغربية. وكانت الطفلة آمنة وسعيدة حتى بدأت المأساة، عندما عثر عليها ميتة في 5 مايو/أيار 1980.
اختطاف وقتل الطفلة!
تغيبت الطفلة ذات السبعة أعوام عن المدرسة بعد مشادة مع أمها في ذلك اليوم المشؤوم، ثم بطريقة ما انتهت بين براثن جارها، وهو جزار بالبلدة يُدعَى كلاوس غرابوفسكي، الذي لديه سجل جنائي يشمل جرائم التحرش الجنسي بالأطفال، وهو لا يزال بعمر الـ35 عاماً، كما روى موقع All That's Interesting الأمريكي نقلاً عن شبكة NDR الألمانية.
عَلِمَ المحققون في وقت لاحق أنَّ غرابوفسكي احتجز آنا في منزله لساعات قبل خنقها بجوارب نسائية طويلة، ولم يُعرَف لوقتنا هذا ما إذا كان اعتدى عليها جنسياً أم لا، ثم خبأ جسد الطفلة في صندوق من الورق المُقوَى وتركه على ضفة قناة قريبة.
كان كلاوس جرابوفسكي مداناً بارتكاب جرائم جنسية وكان قد حُكم عليه سابقاً بتهمة الاعتداء الجنسي على فتاتين، وتم إخصاؤه في عام 1976، وبعد عامين، خضع للعلاج بالهرمونات.
اتهامات لابنتها بأنها المخطئة، ومحاكمة طويلة استمرت عاماً
مساء ذلك اليوم، أُلقي القبض على غرابوفسكي، بعدما أبلغت خطيبته الشرطة عنه، وقد اعترف غرابوفسكي بجريمته، لكنه نفى الاعتداء على الطفلة، بل وأدلى بإفادة غريبة، فقد زعم القاتل أنه خنق الطفلة الصغيرة حتى الموت بعدما ابتزته، ووفقاً لروايته، حاولت آنا إغراءه وهددته بإخبار أمها أنه تعدى عليها إذا لم يُعطِها مالاً.
استشاطت ماريان غضباً بعدما سمعت هذه القصة، مع إصرار محاميه على أنه ارتكب جريمته تحت تأثير خلل هرموني ناجم عن العلاج الهرموني الذي تلقاه بعد إخصائه طواعية قبل سنوات! وبعدها بعام، حين كان غرابوفسكي على وشك المثول أمام المحكمة، حصلت على انتقامها.
يذكر أنه في ذلك الوقت، كان يخضع المعتدون الجنسيون في ألمانيا للإخصاء لمنعهم من تكرار جرائمهم، وفق تقرير لشبكة BBC البريطانية.
يوم قتل القاتل!
في اليوم الثالث من المحاكمة في محكمة مقاطعة لوبيك، أمسكت ماريان باخماير بمسدس بيريتا عيار 22 وضغطت على الزناد ثماني مرات، أصابت ست طلقات منها غرابوفسكي، وتوفي على أرضية قاعة المحكمة.
ويُزعَم أنَّ ماريان قالت فور إطلاقها النار: "آمل أنه مات". وأضافت، بحسب شهود من القاعة، "لقد قتل ابنتي… أردت أن أطلق الرصاص على وجهه، لكنني ضربته من ظهره. آمل أن يموت". وزعم ضابطا شرطة أنَّ ماريان وصفت غرابوفسكي بـ"الخنزير" بعدما أطلقت النار عليه.
سرعان ما وجدت والدة الضحية نفسها أمام المحكمة بسبب تهمة القتل، وأصبحت القضية هي الأكثر شهرة في ألمانيا الغربية، وحظيت بتغطية إعلامية واسعة سافرت فيها أطقم تلفزيونية من جميع أنحاء العالم إلى لوبيك. وقد بيعت قصة حياتها مقابل 250 ألف مارك ألماني في تغطية حصرية لمجلة "شتيرن".
محاكمة الأم
خلال محاكمة ماريان، أفادت بأنها حلُمَت بأنها أطلقت النار على غرابوفسكي، وشهدت رؤى لابنتها في قاعة المحكمة. وقال الطبيب الذي فحصها إنَّ ماريان طُلِب منها عينة من خط اليد، وكتبت رداً على ذلك: "لقد فعلت ذلك من أجلك.. آنا". ثم زيَّنت العينة بسبعة قلوب، التي يُرجَّح أنها ترمز لكل سنة من عمر ابنتها.
قالت ماريان في وقت لاحق: "سمعت أنه يريد الإدلاء ببيان. وقلت لنفسي: الآن تأتي الكذبة التالية حول طفلتي الضحية"، في إشارة إلى مزاعم غرابوفسكي بأنَّ طفلتها البالغة من العمر 7 سنوات حاولت ابتزازه.
نهاية القضية التي أثارت الرأي العام
بالإضافة إلى المعضلة الأخلاقية التي تطرحها هذه القضية، أثير نقاش قانوني أيضاً حول ما إذا كان إطلاق النار مع سبق الإصرار أم لا، وما إذا كانت جريمة قتل عادية أم قتل عمد، وبعد عقود، ظهرت صديقة لماريان في فيلم وثائقي عن القضية، ادعت أنها شهدت ماريان وهي تتمرن على إصابة الهدف بمسدس في قبو الحانة قبل واقعة إطلاق النار.
وفي النهاية، أدانت المحكمة ماريان بتهمة القتل العمد وأصدر ضدها حكم بالحبس 6 سنوات في 1983، ثم بحلول يونيو/حزيران 1985، أُطلِق سراح ماريان عقب قضاء نصف المدة.
ثم انتقلت إلى نيجيريا حيث تزوجت واستقرت حتى التسعينيات، ثم انفصلت عن زوجها الذي كان يدرس في مدرسة ألمانية وانتقلت إلى صقلية حيث عاشت إلى أن أصيب بسرطان البنكرياس، وعادت إلى ألمانيا الموحدة الآن.
ومع بقاء القليل من الوقت الثمين في عمرها، طلبت ماريان من لوكاس ماريا بوهمر، مراسل NDR، تصوير أسابيعها الأخيرة على قيد الحياة. وتُوفِيَت في 17 سبتمبر/أيلول 1996 عن عمر يناهز 46 عاماً. ودُفِنَت بجانب ابنتها آنا.
قد يهمك أيضاً: لم يكن مارتن لوثر كينغ أول من بدأ النضال.. عن المرأة صاحبة الفضل في إنهاء الفصل العنصري بأمريكا