هل تساءلتم مسبقاً من قرر النصوص المتضمنة بالكتاب المقدس في صيغته الحالية وعلى أي أساس تم استبعاد نصوص أخرى صُنفت على أنها زائفة أو مشكوك بأمرها؟ وهل تعتبر روايات دا براون وفولتير عن مجمع نيقية حقيقة تاريخية؟
إليكم تاريخاً مختصراً حول رحلة جمع الكتاب المقدس:
روايات دان براون وفولتير عن مجمع نيقية والكتاب لمقدس
إذا كنت قد قرأت رواية دان براون الشهيرة "شيفرة دافنشي"، لا بد أنك تذكر ما كتبه براون عن جمع الكتاب المقدس بصورته النهائية كما هي بين يدينا اليوم، في مجمع نيقية.
في عام 325 قام الإمبراطور قسطنطين بدعوة الأساقفة ورجال الدين إلى مدينة نيقية حيث عقد اجتماعاً يهدف إلى حل الخلافات بين القس آريوس وأتباعه الذين يعتقدون أن المسيح بشرٌ من مخلوقات الله، والبابا ألكسندروس الأول وأتباعه الذين يعتقدون أن طبيعة المسيح من طبيعة الله نفسه.
ووفقاً لرواية براون التي يصفها كثيرون بـ"الخيالية"، فقد تم اختيار نصوص وجمعها لتكون الكتاب المقدس، فيما استُبعدت نصوص أخرى اعتُبرت إشكالية ولا توافق رأي الأغلبية المتفقين مع البابا ألكسندروس الأول.
ولم يكن براون أول من يكتب عن جمع نصوص الكتاب المقدس في مجمع نيقية، فقد كرَّر فولتير، في كتاباتٍ ألَّفها بالقرن الثامن عشر، أسطورةً عمرها قرون، مفادها أن الكتاب المقدَّس قد قُدِّسَ بالفعل في نيقية من خلال وضع جميع النصوص المعروفة على طاولةٍ، وتلاوة الصلاة، على أن تكون النصوص التي تسقط على الأرض هي النصوص غير الشرعية.
لكن هل جُمع الكتاب المقدس فعلاً في نيقية؟
وفقاً لما ورد في موقع How Stuff Works، لم تكن هناك سلطة أو مجلس كنسي واحد اجتمع لإقرار الكتاب المقدَّس لا في نيقية ولا في أيِّ مكانٍ آخر بالعصور القديمة، كما يوضِّح جيمس كومبس، الأستاذ المساعد بجامعة بريغهام يونغ المتخصِّص في المسيحية القديمة.
يقول كومبس: "لقد أساء دان براون إلينا جميعاً. ليس لدينا دليلٌ على أن أيِّ مجموعةٍ من المسيحيين اجتمعوا وقالوا: دعونا نكشف الأمر ونحسمه الآن وإلى الأبد".
ووفقاً لكومبس فقد انعقد مجمع نيقية لحلِّ مسألةٍ دينية لا علاقة لها بكتب الكتاب المقدَّس.
متى تم جمع الأسفار المتفرقة في كتاب واحد؟
كَتَبَ عدة أشخاص الأسفار التي يتألَّف منها الكتاب المقدَّس على مدار أكثر من ألف سنة؛ بين عام 1200 قبل الميلاد وحتى القرن الأول.
ويحتوي الكتاب المقدَّس على مجموعةٍ متنوِّعةٍ من الأشكال الأدبية، من ضمنها الشعر والتاريخ والقصص والرسائل والكتابات النبوية.
وكانت هذه النصوص في الأصل مكتوبةً على لفائف من الورق، ولم تكن مجموعة في كتاب واحد.
وابتداء من القرن الأول وحتى القرن الرابع وما بعده، قدَّم قادةٌ وعلماء دين مختلفون حججاً تثبت أن نصوصاً معينة تنتمي للكتاب المقدس القانوني، وغالباً ما كان أولئك يتهمون خصومهم بالهرطقة.
وبمرور الوقت، ضُمِّنَت النصوص التي اعتُبِرَت أصلية وموثوقة من قِبَلِ المجتمعات التي استخدمتها في كتاب واحد، فيما تم التخلُّص من الباقي.
ورغم أن الجزء الأكبر من أعمال التحرير هذه انتهى في أواخر القرن الثالث، استمرَّ الجدل حول الكتب التي اعتُبِرَت شرعية لاهوتياً حتى القرن السادس عشر على الأقل، حين نشر المُصلِح الكنسي مارتن لوثر ترجمته الألمانية للكتاب المقدَّس.
كيف قرر المؤرخون النصوص التي يجب تضمينها في الكتاب المقدس؟
كان يوسابيوس مؤرِّخاً مسيحياً قدَّم إحدى القوائم المبكِّرة للنصوص التي تعتبر شرعيةً وتلك التي تعتبر زائفة في عام 367 بعد الميلاد، حيث قدَّم 66 نصاً على أنها نصوص معترف بها ويجب تضمينها في الكتاب المقدس، وفقاً لما ورد في موقع The International Bible Society.
قسَّمَ يوسابيوس قائمته إلى فئاتٍ مختلفة: معترف بها، ومتنازع عليها، ومزيفة، وهرطقة.
ومن بين فئة "المُعتَرَف بها" تأتي الأناجيل الأربعة (متّى ومرقس ولوقا ويوحنا)، وأعمال الرسل ورسائل بولس.
وفي فئة "المُتنازَع عليها"، شمل يوسابيوس، جيمس ويهوذا، إضافة إلى بعض الكتب الأخرى التي تعتبر الآن كنسية مثل رسالة بطرس الثانية ورسالة يوحنا الثانية والثالثة.
وعندما ينتقل أوسابيوس إلى التصنيفين "مزيفة" و"هرطقة"، فإننا نلقي نظرةً على عددٍ من النصوص الأخرى التي كانت متداولةً في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد.
هل سمعت يوماً بنهاية العالم لبطرس أو رسالة برنابا أو إنجيل توما؟ يقول كومبس إن هناك مئات النصوص المشابهة لتلك الموجودة في العهد الجديد والعهد القديم التي لم تدخل الكتاب المقدَّس القانوني لاعتبارها إما مزيفة وإما هرطقة صرفة.
المعايير التي تم على أساسها اختيار نصوص الكتاب المقدس
لماذا تألَّف الكتاب المقدَّس القانوني من بعض النصوص دون غيرها؟ يستشهد كومبس بثلاثة معايير استخدمها قادة الكنيسة الأوائل.
الأول هو التأليف، سواء كان يعتقد أنه قد كتبه رسول أو بولس أو شخص قريب منهم. مرقس، على سبيل المثال، لم يكن رسولاً، لكنه كان مترجماً لبطرس.
أما المعيار الثاني فهو القِدَم، مع إعطاء النصوص الأقدم الأولوية على النصوص الأحدث.
والثالث هو العقيدة، أو مدى توافق النص مع التعاليم المسيحية.
يقول كومبس: "هذا السبب الأخير مثيرٌ جداً للاهتمام، لأن (التعاليم المسيحية) تغيَّرَت على مدار مئات السنين".
وفي حين أنه ليس صحيحاً أن نقول إن مجمعاً كنسياً واحداً هو الذي حكم بشأن النصوص التي يجب تضمينها في الكتاب المقدَّس، فمن العدل أن نقول إنه خلال تلك القرون القليلة الأولى من النقاش اللاهوتي، كان أولئك الذين يفوزون بتلك النقاشات هم من يقرِّرون أيَّ الكتب سوف تبقى وأيَّها سيُستبعَد.
من المهم أن نذكر أنه ليس كلُّ الطوائف المسيحية تعتبر الأسفار نفسها شريعةً بالنسبة لها.
تحتوي معظم الأناجيل البروتستانتية على 66 كتاباً؛ 39 منها في العهد القديم و27 في العهد الجديد. ويحتوي الكتاب المقدَّس الكاثوليكي الروماني على 73 كتاباً؛ من ضمنها السبعة المعروفة باسم "أبوكريفا". وتضم الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية 81 كتاباً في الكتاب المقدَّس.