قد يظن البعض أنّ الحرب المندلعة في الوقت الحالي بين أذربيجان وأرمينيا هي حربٌ جديدة العهد أو أن عمرها لا يتجاوز بضعة أعوام، لكنهم سيتفاجأن حتماً عند معرفة أنّ هذه الحرب عمرها يتجاوز 100 عام.
كيف بدأت الحرب بين البلدين رغم أنهما كانا جزءاً من دولة واحدة، وما علاقة إقليم ناغورني قره باغ؟
تاريخ الحرب الأرمنية – الأذربيجانية
تعود جذور الحرب بين أذربيجان وأرمينيا إلى العام 1918 عندما استقل كل من البلدين عن الإمبراطورية الروسية التي انهارت في العام ذاته.
الأمر الذي تسبب بصراع على مناطق الحدودية سيما مرتفعات قره باغ التي أصبحت في الوقت الحالي إقليماً يسمى جمهورية مرتفعات قره باغ ومحافظتي سيونك ونخجوان الواقعة جميعها داخل الأراضي الأذربيجانية.
فيما استمرت الحرب مدة عامين توفي خلالها عشرات آلاف المدنيين بسبب انتهاج جيش الدولتين تكتيك حرب العصابات.
سيطرة الاتحاد السوفييتي على أذربيجان
في أبريل/نيسان 1920 وبعد عامين من حرب ضروسة حصدت أرواح كثيرين، بدأت الجمهورية الأذربيجانية التي لم تهنأ باستقلالها الحديث عن الإمبراطورية الروسية باضطراب سياسي وعسكري كبيرين.
ففي الوقت الذي كانت فيه جمهورية أرمينيا الأولى تسيطر على أجزاء شاسعة من غرب البلاد بدأ تمرد أذري في الشرق ضد الحكومة، في حين كان الجيش الأحمر الروسي شمالاً يتفوق على جيش قوات روسيا البيضاء ويتحرك جنوباً نحو أذربيجان.
خلال تلك الفترة تلقت أذربيجان إخطاراً من قبل الجيش السوفييتي للاستسلام قبل أن يجتاحوا البلاد، وفعلاً بسبب تلك الاضطرابات أعلنت الحكومة الأذربيجانية استسلامها رسمياً.
رغم ذلك فإن العديد من جنرالات أذربيجان وبعض القوات المسلحة المحلية قرروا المقاومة وهو ما أخر إعلان روسيا الاشتراكية تأسيس الجمهورية الأذرية السوفيتية الاشتراكية برئاسة الرائد ناريمان ناريمانوف حتى 28 أبريل/نيسان 1921.
في تلك الأثناء استغلت الحكومة الأرمينية التي كانت حينها مؤلفة من حزب "الطاشناق" تلك الأوضاع المزرية التي تعيشها أذربيجان فدفعت بقواتها لاحتلال معظم غرب البلاد.
سيطرة الاتحاد السوفييتي على أرمينيا
في الفترة ذاتها وتحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني 1920 بدأت الأوضاع السياسية في أرمينيا تتزعزع بسبب قيام أعمال شغب في العاصمة يريفان، ولم يكد الشهر ينتهي حتى اجتاحت القوات السوفييتية الحدود لتندلع حرب بين البلدين لم تدم أكثر من أسبوع واحد فقط.
إذ استسلمت الحكومة الأرمينية في 4 ديسمبر/كانون الأول 1920 عندما اجتاح الجيش الأحمر مدينة يريفان التي أصبحت عاصمة البلاد بعد إنشاء جمهورية أرمينيا الثانية.
بعد السيطرة على البلاد أعلن ستالين إنشاء الجمهورية الأرمينية السوفيتية المشتركة في 18 فبراير/شباط 1921.
ضم الاتحاد السوفييتي لإقليم ناغورني قره باغ إلى أذربيجان
في العام 1923 قرر جوزيف ستالين ضم إقليم ناغورني قره باغ الذي كان ذا سكان مشتركين بين الأرمن والأذريين، إلى آذربيجان ومنحه حكماً ذاتياً، في الوقت الذي قام بإبقاء إقليم ناختشيفان بأغلبيته الأذرية معزولاً داخل أرمينيا.
والهدف من تلك الخطوة كان زرع بذور الصراع بين البلدين لضمان نفوذ السوفييت الدائم عليهما، فاستمرت المناوشات بين البلدين حتى تفكك الاتحاد السوفييتي.
عودة الحرب بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي
قبل 3 سنوات من تفكك الاتحاد السوفييتي شعر الأذربيجانيون والأرمن بأن استقلالهما بات أكثر من أي وقت آخر فأعادوا صراعهما القديم إلى الساحة مجدداً لإثبات كل منهما أحقيته بإقليم ناغورني قره باغ.
بلغ الصراع ذروته في العام 1991 عندما أعلنت الدولتان استقلالهما عن الاتحاد السوفييتي.
فما كان من حكومة الإقليم وبعض المجموعات العرقية الأرمنية هناك إلا أنّ اعلنت نيتها الانفصال عن أذربيجان الذين أرسلوا قواتهم لمنعهم من ذلك.
إلا أنّ حكومة يريفان أرسلت أيضاً قواتها فاندلعت حرب استمرت لغاية 1993 وأودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص.
انفصال لم يعترف به أحد!
في 10 ديسمبر/كانون الأول 1991 أعلن الإقليم انفصاله بشكل كامل وتأسيس جمهورية مرتفعات قره باغ، وتم تغيير اسمها إلى جمهورية آرتساخ، لكنه لم يلق أي اعتراف دولي حتى من أرمينيا وبات مجرد جمهورية حبيسة.
في العام 1993 كانت القوات الأرمينية قد سيطرت على الإقليم بشكل كامل إضافة إلى 7 مناطق حدودية آذرية تقدر بنحو 20% من الأراضي الأذربيجانية.
كما تسببت الحرب بتغيير ديموغرافي كبير هناك إذ قدرت أعداد المهجرين في الاتجاهين بنحو مليون شخص غالبيتهم من الآذريين وبفضلهم أصبح الإقليم ذا أغلبية ساحقة من الأرمن.
اتفاقية وقف إطلاق النار بين البلدين
في العام 1993 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 822 الذي طالب فيه القوات الأرمينية بالانسحاب من الأقاليم التي احتلتها من أذربيجان ولكنها لم تمتثل للقرار.
وفي العام 1994 انتهى القتال بين البلدين بتوقيع إتفاقية وقف إطلاق النار، ولكنهما استمرا في حالة الحرب كونهما لم يوقعا على أي معاهدة سلام فيما بينهما.
وهو الأمر الذي ترك الإقليم بؤرة نزاع بين الجانبين تتجدد من حين لآخر تخلق قتلى وجرحى بين الطرفين سيما في العام 2016 عندما أدت لمقتل ما يزيد عن 100 شخص.
إقليم ناغورني قره باغ حالياً
يقع إقليم ناغورني قره باغ داخل الأراضي الأذربيجانية وعاصمته خانكندي وكونه لم يلق أي اعتراف دولي باستقلاله فإنه حالياً يتبع لأذربيجان ويعيش فيه حوالي 150 ألف شخص نحو 95% منهم أرمن، والبقية من الآذريين.
ويعد الإقليم فقيراً بموارده كونه يعتمد فقط على الزراعة وتربية المواشي إضافة لتصنيع بعض المنتجات الغذائية.