يعتبر ضابط شرطة المرور السابق سيرجي توروب أحدث شخص يدَّعي أنه تجسيد للمسيح، فقد ألقت الشرطة الروسية القبض عليه بعد أن أسَّس ما يُسمى "كنيسة العهد الأخير"، وجمع حوله الكثير من الأتباع والمريدين.
لكن مما لا شك فيه أن توروب ليس أول المدَّعين، فالتاريخ يعجّ بقصص أولئك الذين وجدوا في أنفسهم تجسيداً للمسيح منذ العام 132 للميلاد وحتى يومنا هذا.. دعونا نعرّفكم على أكثر القصص إثارة للاهتمام:
إعادة تجسيد المسيح في الديانات الثلاث
ينتظر اليهود – وفقاً لمعتقداتهم – المسيح المخلص، والذي سيبشر الناس بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي من ويلاته، وتتشابه علامات ظهوره مع علامات قرب يوم القيامة في المعتقدات المسيحية والإسلامية.
وبما أن عدداً كبيراً من اليهود لم يؤمنوا بأن عيسى بن مريم هو المسيح الذي بشرت به التوراة، بقي اليهود مترقبين ظهور مسيحهم المخلص مما أفسح المجال لكثير من المدعين عبر التاريخ لتقمص هذه الشخصية.
أما في المعتقدات المسيحية فقد قام المسيح بعد صلبه ودفنه، وظهر للعديد من تلاميذه وأتباعه، ويؤمن البعض أنه قد يتجسد في صورة إنسان آخر.
فما يؤمن المسلمون بظهور ما يسمى بـ"المسيح الدجال" والذي يقترن ظهوره مع اقتراب علامات يوم القيامة، حيث يتبعه أناس كثر لكنه يقتل في النهاية على يد المسيح عيسى بن مريم.
شمعون بار كوخبا.. قائد الثورة اليهودية ضد الرومان
تم تسمية شمعون على أنه المسيح المنتظر من قبل الحاخام اليهودي أكيفا، وأعطاه لقب "بار كوخبا"، وتعني "ابن النجم" باللغة الآرامية، وقد زعم بار كوخبا أنه قد تم إرساله إلى اليهود من السماء.
كان اليهود قد ثاروا في العام 66 الميلادي للمرة الأولى على الإمبراطورية الرومانية بسبب زيادة التواجد العسكري الروماني في ولاية يهودا والتضييق على اليهود اقتصادياً من قبل الرومان، وبناء مدينة جديدة اسمها إيليا كابيتولينا على أنقاض أوشليم وتشييد معبد للإله جوبيتر هناك، إلا أن تلك الثورة باءت بالفشل.
ولم يقم اليهود بثورة ثانية حتى العام 132، حيث كانت الثورة هذه المرة بقيادة بار كوخبا، الذي كان يملك عقلية عسكرية فذة من جهة، ويملك سلطة دينية بعد تقديمه على أنه المسيح الحقيقي من جهة أخرى.
قاد بار كوخبا الثورة اليهودية الثانية بحزم شديد، إذ كان يقوم بمعاقبة أي يهودي يرفض الانضمام لصفوفه (بعض اليهود كانوا يؤمنون فعلاً أن عيسى بن مريم هو المسيح الحقيقي)، وقد أدت حربه مع الرومان إلى مقتل مئات الآلاف من اليهود، وأسر عدد كبير منهم، إلا أنه تمكّن في النهاية من إحراز النصر وتأسيس دولة يهودية مستقلة استمرت لمدة 3 سنوات.
لكن الرومان استمروا في محاولاتهم لاسترجاع ولاية يهودا الرومانية من أيدي بار كوخبا، وقد نجحوا أخيراً في القضاء عليه فيما يُعرف بالحرب اليهودية الرومانية الثالثة والأخيرة.
ووفقاً لما ورد في موقع New World Encyclopedia، يعتبر اليهود أن بار كوخبا هو أكثر مسيح محتمل في التاريخ، وذلك لأنه الوحيد الذي حاول تأسيس دولة يهودية مستقلة، ولو أن محاولاته باءت بالفشل في النهاية.
موسى الذي ألقى بأتباعه في عرض البحر
فشل ثورة بار كوخبا لم يُفقد اليهود أملهم في ظهور المسيح الحقيقي المنتظر، ووفقاً لتعليمات التلمود كان من المتوقع أن يظهر المسيح بين عامي 440 و471.
استغل أحد الأدعياء في العام 448 تلك النقطة، وأطلق على نفسه اسم موسى، وادعى أنه المسيح المنتظر، وذهب إلى أبعد من ذلك، مدعياً أنه سيقود أتباعه من اليهود عبر البحر إلى أرض الميعاد، (كما خلّص موسى عليه السلام أتباعه من العبودية، وقادهم إلى الخلاص عبر البحر).
كان موسى من سكان جزيرة كريت اليونانية، وقد أقنع أتباعه بترك أراضيهم وممتلكاتهم والسير وراءه لشق عباب البحر، وفعلاً تبعه الكثير من اليهود حتى وصلوا معاً إلى حافة جرف عال يطل على البحر.
حينها أمر موسى أتباعه بإلقاء أنفسهم في البحر، وبالتأكيد كان مصير الذين أطاعوه الموت غرقاً، أو عن طريق الاصطدام بالصخور القاسية، أما البقية فقد عادوا أدراجهم ليخبروا الناس أن موسى كاذب ودعيّ.
وعندما تجمّع اليهود الغاضبون لإلقاء القبض على موسى كان الأخير قد لاذ بالفرار، وفقاً لما ورد في موقع Oddly Historical، وتقول بعض الروايات إنه مات في البحر مع بقية أتباعه، وتدّعي روايات أخرى أنه كان شيطاناً تم إرساله لتضليل اليهود.
داود ابن الروحي.. الساحر الذي أراد قيادة اليهود من بغداد إلى القدس
درس مناحيم بن سليمان، الذي بات يعرف لاحقاً باسم داود ابن الروحي، التوراة والتلمود في بغداد، وكان ضليعاً أيضاً في الأدب الإسلامي، وعرف عنه مزاولة السحر.
كانت بغداد في أيام ابن الروحي الذي ولد عام 1160 تحت حكم السلاجقة، وكانت البلاد عموماً تشهد حالة من الفوضى بسبب الحروب الصليبية.
وقد استغل ابن الروحي هذه الفرصة ليقود ثورة ضد السلطان السلجوقي، مدعياً أنه المسيح الذي سيقود الجالية اليهودية في بغداد إلى فلسطين لتأسيس دولة لهم يكون هو ملكها.
وبدأ ابن الروحي بتبليغ رسالته "الإلهية"، وجمع أتباعه من اليهود ليس في بغداد فقط، بل في الموصل وجبال شفتان وغيرها، من الأماكن التي تواجد فيها اليهود، وقد نجح في إقناع الكثيرين بادعاءاته.
ويُروى أن ثورته انتهت سريعاً؛ إذ استطاع السلاجقة إخمادها وقتل ابن الروحي، لكن ذكراه بقيت بين أتباعه لفترة طويلة، وحيكت عنه العديد من الأساطير، إذ يقال إن السلطان السلجوقي أمر بسجنه، لكنه استطاع أن يهرب من السجن بفعل قواه السحرية، ثم يظهر بين يدي السلطان الذي غضب لرؤيته، لكنه لم يستطع الإمساك به، فقد تبدد ثانية وعاد بلمح البصر إلى بلدته "العمادية"، في رحلة كانت ستستغرق من وقت الشخص العادي 10 أيام.
وهناك قام عمال السلطان برشوة والد زوجة ابن الروحي، الذي عمد إلى اغتياله، ووفقاً للمؤرخ السماول المغربي بقيت العديد من جاليات اليهود في إيران، ولاسيما في تبريز وخوي، تعتبر ابن الروحي مسيحهم المنتظر حتى بعد وفاته.
"آن لي".. المرأة التي ادعت تجسيدها للمسيح
يعج التاريخ بأسماء الذكور الذين ادعوا أنهم المسيح، لكن لا يوجد سوى امرأة واحدة ادعت ذلك، وهي "آن لي" الملقبة أيضاً بالأم آن.
في البداية بدأت آن لي المولودة في إنجلترا عام 1736 كمبشرة دينية، لم تحظ لي بأي نوع من التعليم؛ كونها ولدت لأسرة فقيرة، لكنها كانت امرأة متدينة، وتبنت آراء راديكالية حول الزواج والعلاقات الجنسية، إذ كانت تنفر منها، وتدعي أن الوصول للكمال والقداسة يمر عبر التخلي عن الجنس.
تطورت الأمور شيئاً فشيئاً حتى راحت "آن" تدّعي أنها تتلقى رسائل من الله، وادعت كذلك أنها تستطيع أن تحقق المعجزات، وأن تهرب من الموت، وأنها قابلت 4 رجال دين من المؤسسين الأوائل للمسيحية وكلمتهم بـ72 لساناً.
سجنت "آن" عدة مرات في إنجلترا بتهمة الهرطقة، حتى قررت الفرار إلى الولايات المتحدة، حيث بدأت تدعي هناك أنها تجسيد للمسيح بصورة مؤنثة، مستغلة كسوفاً للشمس ساعدها للظهور بكونها تملك قدرات إعجازية، ما زاد من عدد أتباعها.
لكن دعوة لي ماتت بموتها في العام 1784 عن عمر يناهز 48 عاماً.
هونغ شيوكوان الذي زار الجنة
لم يدّعِ هونغ شيوكوان أنه المسيح بذاته، لكنه ادَّعى أنه الأخ الأصغر للمسيح، أسَّس شيوكوان الذي ولد في العام 1814 مملكة تايبينغ السماوية جنوب الصين، وادَّعى أنه الأخ الأصغر ليسوع.
كان هونغ ابناً لأسرة مكافحة، حاولت أن تدفع تكاليف تعليمه الباهظة، وقد كان يحلم بتجاوز امتحانات هامة تسمى "الامتحانات الإمبراطورية"، والتي لا يجتازها سوى 1% من الطلاب، وقد فشل ثلاث مرات على التوالي، الأمر الذي أصابه بانهيار عصبي.
وأثناء فترة نقاهته من مرضه حلم هونغ أنه زار الجنة، حيث يوجد لديه هناك عائلة مختلفة عن عائلته في الأرض، وكان المسيح أخاه الأكبر.
أما أبوه السماوي فكان يرتدي رداء تنين أسود وقبعة عالية الحوافّ بلحية ذهبية طويلة، وقد كلف هونغ بمهمة هداية البشر إلى عبادته، وقدم له سيفاً وخاتماً ذهبياً لقتل الشياطين الذين يغزون السماء بمساعدة أخيه الأكبر يسوع.
وعندما استيقظ هونغ من أحلامه بدأ بإحراق جميع التماثيل والكتب الكونفوشيوسية والبوذية في منزله، وتبنى الدين المسيحي، وقد استطاع الرجل أن يجمع أتباعاً حوله وأسس ما سماه مملكة تايبينغ السماوية جنوب الصين.
كبرت طموحات هونغ بعد أن تجاوز أتباعه 30 ألفاً، وبدأ بالتمرد على السلطات الصينية، وحقق مع أتباعه تقدماً ملحوظاً حتى كادوا يصلون إلى شنغهاي، إلا أن السلطات استطاعت دفعهم ومحاصرتهم في مملكتهم جنوباً، ولما ضاق الحال بالمدعي الشاب قام بالانتحار عن طريق السم.
دفن أتباع هونغ جثته بعد لفّها بالحرير الأصفر، لكن السلطات الصينية عادت وانتشلتها وقطعت رأسه للتحقق من وفاته، ثم أحرقت جسده وفجرت رماده، كي لا يجد رفاته الراحة أبداً، وذلك كعقاب أبدي على الانتفاضة التي قادها.
مناحيم مندل شنيرسون
يعتبر الحاخام الأمريكي المولود في الإمبراطورية الروسية مناحيم مندل شنيرسون واحداً من أكثر القادة اليهود تأثيراً في القرن العشرين، إذ تم نشر تعاليمه بقرابة 300 مجلد، كما طلب الكونغرس الأمريكي من الرئيس جيمي كارتر في العام 1978 تعيين عيد ميلاده كيوم للتعليم في الولايات المتحدة.
كانت تشاباد-لوبافيتش (وهي مجموعة صوفية يهودية أرثوذكسية) تكاد تصل إلى نهايتها بعد الهولوكوست، إذ باتت حركة معزولة عالمياً، إلى أن تزعمها مناحيم وحولها إلى واحدة من أكثر الحركات نفوذاً في العالم الديني اليهودي.
فبعد تزعمه لتلك الحركة باتت تمتلك شبكة دولية قوية، تضم أكثر من 3 آلاف مركز تعليمي واجتماعي حول العالم، بما في ذلك رياض الأطفال والمدارس ومراكز إعادة التأهيل من المخدرات ودور رعاية المعوقين والمعابد اليهودية.
وقد روى العديد من متبعي تلك الحركة معجزات قام بها شنيرسون أمام أعينهم، حتى أعلنوا أنه المسيح المنتظر، ورفضوا تصديق حقيقة موته عام 1994. أما عن تأييده هو شخصياً لهذا الادعاء فلا يزال موضع نقاش بين الباحثين وبين أتباعه أنفسهم.