قبل نحو 40 عاماً وتحديداً في 22 سبتمبر/أيلول 1980، اندلعت أطول حرب شهدها العالم في القرن الـ 20 بين العراق وجارتها إيران فيما عُرف باسم حرب الخليج الأولى، في الوقت الذي أطلق عليها العراقيون اسم حرب "قادسيّة صدام" بينما أسماها الإيرانيون حرب "الدفاع المقدس".
فيما يلي، نستعرض أبرز ما شهدته الحرب العراقية – الإيرانية من أحداث، إضافة إلى الأسباب التي منعت كل دولة من الانتصار على الأخرى.
حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران
اندلعت الحرب بين العراق وإيران في ثمانينيات القرن الماضي نظراً لقناعة بغداد بأحقيتها في السيطرة على منطقة خوزستان (الأهواز) الواقعة على الحدود بين البلدين، سيما أن الكثير من سكانها من ذوي الأصول العربية ممن تمتد قبائلهم إلى العراق.
كما كان الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين راغباً في إعادة السيطرة على ضفة نهر شط العرب الشرقية الذي تنازلت عنه العراق في العام 1975 بموجب اتفاقية الجزائر مع إيران.
ويتشكل نهر شط العرب من التقاء نهري دجلة والفرات في أقصى جنوب العراق، وكانت سيادته تتبع بشكل كامل للعراقيين حتى تم توقيع اتفاقية الجزائر بين شاه إيران محمد رضا بهلوي والرئيس العراقي صدام حسين الذي تنازل بموجبها عن الشط الشرقي لأهداف كانت تتعلق بإخماد العمليات العسكرية الكردية بقيادة مصطفى البرزاني الذي كان مدعوماً من الإيرانيين.
إضافة إلى هذين السببين كان هناك سبب ثالث لا يقل أهمية عنهما، وهو نجاح الثورة الخمينية في إيران 1979، والتي حولت الحكم الملكي إلى جمهورية إسلامية بدعم من الغرب.
ومع صعود نجم روح الله الخميني، تولد الخوف لدى الحكومة العراقية من أن تلهم هذه الثورة شيعة العراق من أجل القيام بثورة مماثلة في البلاد، وبما أنّ السلطة الجديدة في إيران حلت الأجهزة الأمنية خلال فترة حكم الشاه، شجع هذا الأمر العراقيين على شنّ حرب مباغتة.
القوات العراقية تجتاح إيران دون سابق إنذار
بدأت الحرب العراقية – الإيرانية بمناوشات صغيرة على الحدود بين البلدين، ولكن في 4 سبتمبر/أيلول اتهمت الحكومة العراقية إيران بقصف بلدات حدودية عراقية، تبعها في 17 من الشهر ذاته إعلان صدام حسين إلغاء اتفاقية الجزائر من طرف واحد، واعتبار كامل مياه شط العرب تابعاً للمياه الإقليمية العراقية.
لم تمض أيام قليلة حتى بدأت الحرب رسمياً عندما اقتحم الجيش العراقي في 22 سبتمبر/أيلول 1980، فجأة الحدود الإيرانيّة على طول حدود ولاية خوزستان – عربستان سابقاً -.
وفي غضون أيام سيطر العراقيون على مدينة خرمشهر الموازية للحدود العراقية والتي بقيت تحت قبضتهم حتى أبريل/نيسان 1982 عندما أعاد الإيرانيون السيطرة عليها وأسموها خونينشهر بما معناه "مدينة الدم" لما تعرضت له من دمار واسع.
ورغم سيطرة العراقيين على خرمشهر وتقدمهم حتى قبالة مدينتي ديزفول والأهواز، فإنهم فشلوا في هدفهم الأساسي وهو السيطرة على مصفاة تكرير النفط المهمة في عبادان والتي كانت في ذلك الوقت أكبر مصفاة نفط في العالم، إذ كانت تكرر نحو 630 ألف برميل يومياً ما معدله 65% من إجمالي إنتاج إيران من النفط.
وبحلول العام 1980، كان العراقيون مسيطرين على شريط حدودي قدّر طوله بنحو 800 كم ممتد من قضاء قصر شيرين شمال غرب إيران حتى خرمشهر في الجنوب وبعمق وصل إلى نحو 70 كم.
انقلاب الكفة بعد انسحاب العراق من الأراضي الإيرانية
رغم أنّ الحكومة الإيرانية لم تكن في البداية جاهزة لهذه الحرب، فهي بالكاد كانت تسيطر على البلاد بعد الثورة الخمينية التي أطاحت بالشاه، فإنها تمكنت بعد أول عامين من امتصاص قوة هجوم العراقيين، وأصرت على مواصلة الحرب حتى إسقاط حكم صدام الحسين.
في السنوات التالية الممتدة من 1981 وحتى 1985 تواصلت عمليات الكر والفر بين الجيشين العراقي والإيراني، تخللها انسحاب العراقيين من كامل الأراضي التي سيطروا عليها في 20 يونيو/حزيران 1982، تبعها مطالبة الإيرانيين بتعويض مالي ضخم ومحاكمة صدام حسين أمام المحكمة الدولية كونه المتسبب الأساسي بهذه الحرب.
وبعد رفض الحكومة العراقية هذه المطالب، استمرت المعارك بين الطرفين بانضمام عدّة جماعات أخرى لساحة المعركة، كحركة "مجاهدي خلق" التي انضمت إلى جانب الجيش العراقي، في حين شاركت الميليشيات الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى جانب إيران.
وخلال السنوات الـ 6 التالية، تحولت الكفة لصالح الإيرانيين الذين أصبحوا الطرف المهاجم عن طريق ميليشيات الحرس الثوري التي حاولت الدخول إلى مدينة البصرة، لكن معظم محاولاتها باءت بالفشل لاعتمادها على جنود غير مدربين، لكن إيران سيطرت على ميناء الفاو الذي يعد الشريان الرئيسي للعراقيين من أجل تصدير النفط.
كما انخرطت الدولتان في هجمات صاروخية وجوية ضد مدن بعضهما البعض، إضافة إلى تبادل قصف المنشآت العسكرية والنفطية وناقلات النفط في الخليج العربي.
وتسببت الهجمات على ناقلات النفط باستهداف إيران لناقلات النفط الخليجية بشكل عام بدعوى أن جميع دول الخليج داعمة للعراق، فكان النصيب الأكبر من الخسائر لناقلات النفط الكويتية.
تحول ناقلات النفط إلى إحدى ساحات الحرب بين البلدين الجارين، دفع الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إلى نشر سفن حربية في الخليج العربي لضمان تدفق النفط إلى باقي أجزاء العالم.
هجمات بالسلاح الكيميائي
لا شكّ أنّ أسوأ ما حصل في حرب البلدين هو الهجمات الكيميائية التي شنها الطرفان على بعضهما، فبحسب وكالة المخابرات الأمريكية CIA فإن العراق أطلق نحو 100 ألف قذيفة تحمل موادَّ كيميائية على القوات الإيرانية وبعض المناطق الكرديّة في العراق بدعوى أنها تقف إلى جانب الإيرانيين.
كما زعمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، نّ العراق هو أول دولة تستخدم غاز الأعصاب في ساحة المعركة وذلك في العام 1984.
وساعد استخدام الأسلحة الكيميائية العراقيين على صد هجمات الإيرانيين عندما فشلت جميع الأساليب الأخرى، ما وفر الوقت للقوات العراقية لإعادة تجميع صفوفها وتجديدها.
على الجانب الآخر، تشير تقارير الأمم المتحدة والحكومة الأمريكية إلى أن إيران استخدمت الأسلحة الكيميائية، إذ لاحظت الفرق الطبية التابعة للأمم المتحدة في أبريل/نيسان 1988 أعراضاً لدى الجنود العراقيين تشير إلى احتمال تعرضهم لمواد كيميائية مثبطة للأستيل كولين استريز بتركيزات صغيرة، ما قد يشير إلى استخدام غاز أعصاب.
كما اكتشفت القوات الأمريكية خلال غزو العراق عام 2003، تقارير استخباراتية عراقية تشير إلى أن إيران استخدمت أسلحة كيميائية خلال الحرب الإيرانية – العراقية.
ركود اقتصادي دفع الجارين لإعادة النظر بالحرب
بالنسبة للعراقيين، فإن تمويل الحرب كان يأتيهم علناً من قبل السعودية والكويت وبعض الدول العربية الأخرى وسط تأييد كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، أمّا الإيرانيون كان لديهم دعم جزئي قادم من سوريا.
ورغم ذلك فإن الهجمات الصاروخية والجوية التي خفضت قدرة تصدير النفط لكلا البلدين عبر إغلاق الكثير من خطوط أنابيب النفط وانخفاض عائدات العملات الأجنبية، أدخلت البلدين في حالة ركود اقتصادي.
وفي نهاية الأمر رغم التقدم الملحوظ للإيرانيين في السنوات الأخيرة من الحرب، أجبر تدهور الاقتصاد طهران على قبول اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة الذي كانوا يقاومونه في السابق.
وبالفعل، انتهت الحرب رسمياً في 20 أغسطس/آب 1988 بقبول الطرفين العراقي والإيراني لقرار مجلس الأمن رقم 598 القاضي بوقف إطلاق النار ومبادلة الأسرى، كما طلب القرار إلى الأمين العام للأمم المتحدة أن يوفد فريقاً من المراقبين لرصد وقف إطلاق النار بينما يتم التوصل إلى تسوية دائمة لإنهاء الصراع.
وعلى الرغم من انسحاب قوات الطرفين وعودتها إلى مواقعها التي كانت تتمركز فيها قبل الحرب، فإن الطرفين لم يوقعا على اتفاق رسمي في هذا الشأن إلا في 16 أغسطس/آب 1990.
ولا يعرف بدقة إجمالي عدد ضحايا الحرب، لكنَّ كلا البلدين كانا في حالة التعبئة وكان معظم الرجال في سن التجنيد تحت السلاح وعدد الضحايا هائلاً، وتتراوح تقديرات إجمالي عدد ضحايا الحرب ما بين مليون إلى مليوني شخص.
وتشير بعض التقديرات غير الرسمية إلى أنّ العراق تكبد خسائر بشرية قدرت بنحو 340 ألف قتيل و700 ألف جريح ونحو 70 ألف أسير، في حين تكبدت إيران نحو 730 ألف قتيل ومليون و200 ألف جريح و45 ألف أسير.
وبذلك انتهت أطول حرب شهدها القرن الـ 20 متجاوزةً طول الحربين العالمية الأولى والثانية، وبنتائج لم تكن مرضية للطرفين إذ لم ينتصر أي طرف على آخر بل على العكس أنهيا الحرب من نقطة الصفر وتكبدا خسائر بشرية ومالية هائلة أثرت على اقتصادهما لسنوات.