قبل نحو 75 عاماً، ومع فشل عصبة الأمم المتحدة بحل النزاعات القائمة في أوروبا والتي أدت لاندلاع الحرب العالمية الثانية، قامت قوات الحلفاء التي خرجت منتصرة من الحرب بإنشاء ما يسمى حالياً الأمم المتحدة بهدف جعل عمل المنظمة أكثر فاعلية من سلفتها.
فلماذا فشلت عصبة الأمم المتحدة في الحفاظ على نفسها رغم أن هدف تأسيسها عقب الحرب العالمية الأولى هو منع حصول أي صراع مماثل؟ وكيف تحوّلت الأمم المتحدة من تمثيل دول الحلفاء فقط إلى منظمة عالمية تجمع كل دول العالم المستقلة؟
عصبة الأمم المتحدة وهدف تأسيسها!
في العام 1919، ولدت عصبة الأمم المتحدة من خلال مؤتمر باريس للسلام، وأعلن من خلالها إنهاء الحرب العالمية الأولى بتوقيع معاهدة فرساي بين الحلفاء المنتصرين (فرنسا – بريطانيا – إيطاليا -روسيا – الولايات المتحدة – اليابان)، وبين دول المركز (ألمانيا – وإمبراطورية النمسا والمجر – الدولة العثمانية – بلغاريا).
وخلال سنوات نشاطها الممتدة بين 1919 حتى 1945، وصل عدد أعضاء العصبة إلى نحو 58 دولة في أقصاه.
ويرجع الهدف الرئيسي من تأسيس عصبة الأمم للحفاظ على السلام العالمي من خلال منع قيام أي حرب كالذي حصل في الحرب العالمية الأولى عن طريق ضمان الأمن المشترك بين الدول والحد من انتشار الأسلحة وتسوية النزاعات الدولية عبر مفاوضات وتحكيم دولي.
كما كان من بين أهداف عصبة الأمم الأخرى تحسين أوضاع العمل للعمال ومعاملة سكان الدولة المستعمرة والمتعرضة للانتدابات بالمساواة مع السكان والموظفين التابعين للدولة التي تقوم بالانتداب، وأيضاً إيقاف الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة وحماية الأقليات العرقية في أوروبا.
أعضاء عصبة الأمم المتحدة ونظام عملها
بعد تأسيسها بأشهر في العام 1920 كان لعصبة الأمم 4 أعضاء دائمين فقط هم بريطانيا، واليابان، وفرنسا، وإيطاليا، وهي الدول نفسها التي تدير الجمعية العامة.
وكان قانون العصبة يسمح بضم 5 دول غير دائمة العضوية يتم انتخابها مدة 3 سنوات فقط، فكانت إسبانيا واليونان وبلجيكا والبرازيل أول الأعضاء غير الدائمة في المجلس، في حين كان من المفترض أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الخامسة إلا أنه تمّ منعها بسبب عدم تصديق مجلس الشيوخ على اتفاقية فرساي، فيما تم في السنوات التالية رفع عدد الدول غير الدائمة تدريجياً إلى 11.
ومع بداية العام 1926، أصبحت ألمانيا خامس الدول دائمة العضوية قبل أن تنسحب رفقة اليابان في نهاية العام ذاته.
منظمة شكليّة لم تقدّم المطلوب منها
بما أنّ الدول الأعضاء الدائمة كانت جميعها من الدول العظمى في العالم، فقد كانت غالباً ما ترفض التصديق أو التجاوب مع ما تقرره العصبة إذا ما كان ذلك القرار يتعارض مع مصالحها.
وبما أنه ليس لها قوة مسلحة خاصة لتطبيق مقرراتها، فكانت دائماً ما تستعين بجيوش الدول العظمى لفرض العقوبات على الدول الأخرى وهو سبب آخر جعل العصبة تتحاشى فرض عقوبات على تلك الدول القوية.
وأكبر ما أثبت عدم فائدة عمل عصبة الأمم هو عجزها عن حل المشكلات الدولية التي بدأت باندلاع الحرب العالمية الثانية في العام 1939 عندما غزت ألمانيا النازية بولندا، وتوسعت الحرب بانضمام الأطراف الأخرى حتى وصل أعداد القتلى إلى 61 مليوناً في أوروبا وشمال إفريقيا وآسيا.
كما كان عمل العصبة شبه معلق مدة 6 سنوات حتى نهاية الحرب في 1945، عندما تم حلها وإنشاء منظمة الأمم المتحدة التي ورثت عدة منظمات كانت تابعة لها سابقاً مثل منظمة الصحة العالمية ومحكمة العدل الدولية.
نشوء الأمم المتحدة وانضمام غالبية دول العالم إليها
في العام 1942، بدأت فكرة إنشاء منظمة الأمم المتحدة عن طريق دول الحلفاء الأساسيين (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، الصين، الاتحاد السوفييتي) الذين وقعوا وثيقة لدعمهم إنشاء الهيئة، إضافة إلى 21 دولة تساندهم في قتال دول المحور.
وفي العام التالي دعا الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى تسميتها بهذا الأسم خلال مؤتمر موسكو الذي أقيم في العام 1943، بهدف إعادة توحيد صفوف الحلفاء في مواجهة الزعيم الألماني أدولف هتلر وإنشاء هيئة دولية تقوم على مبدأ السيادة والمساواة بين جميع الأمم.
وأيضاً خلال مؤتمر طهران الذي أقيم في العام ذاته والذي تم خلاله تبني فكرة إقامة منظمة تحل مكان عصبة الأمم.
فباتت الدول الحلفاء تستخدم في السنوات الأخيرة من عمر الحرب العالمية الثانية مصطلح "الأمم المتحدة" في إشارة إلى تحالفها فقط.
لكن مع نهاية الحرب اجتمع ممثلو حكومات الدول العظمى المنتصرة في الحرب (الولايات المتحدة الأمريكيّة، وفرنسا، والصين، وبريطانيا، والاتحاد السوفييتي)، في واشنطن بمؤتمر دومبارتون أوكس، وذلك من أجل وضع اقتراحات لتنظيم عمل المنظمة وتحويلها من منظمة للحلفاء إلى هيئة تضم جميع دول العالم.
وبناء على ذلك المؤتمر اجتمعت تلك الدول مجدداً في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1945 في سان فرانسيسكو واعلنت رسمياً تأسيس هيئة الأمم المتحدة برئاسة النرويجي تريغف لي، الذي أصبح أول أمين عام للهيئة، ومقرها الرئيسي في الولاية الأمريكية نيويورك..
فيما كانت عدد الأعضاء حين تأسيسها 50 دولة، أمّا في الوقت الحالي فقد وصل عدد أعضائها إلى 193 دولة مستقلة.
كما تم إنشاء 6 أجهزة رئيسية تابعة للهيئة – منها ما كان سابقاً تابع للعصبة وتم نقل ملكيته للهيئة -، وهذه الأجهزة هي: الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة، ومحكمة العدل الدولية.
ميثاق الأمم المتحدة
تضمن ميثاق الأمم المتحدة الذي تم وضعه حين التأسيس 19 فصلاً بها تعليمات واضحة لضمان حفظ السلام في العالم، عن طريق حل النزاعات سلمياً وما الذي يجب فعله في حالات تهديد السلم ونظم الوصاية الدولية وتدابير حفظ الأمن في الدول المنكوبة والتي تعاني من صراعات أهلية.
كما جاء في مقدمة الميثاق تعهد الدول المشاركة في الهيئة إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب الذي ذاقها العالم خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحفاظ على الحقوق الأساسية للإنسان وتحقيق العدالة والتسامح والعيش في سلام.
إنجازات الأمم المتحدة وفشلها
رغم أنّ الأمم المتحدة تمكنت خلال 75 عاماً من تأسيسها على تحقيق العديد من الإنجازات المهمة فإنها أيضاً فشلت في العديد من الملفات المهمّة.
ففي العام 1960 جنّبت الأمم المتحدة الكونغو من دخول حرب أهلية عقب انسحاب القوات البلجيكية منها وذلك عندما حشدت خلال 48 ساعة نحو 20 ألف فرد من قوات حفظ السلام التابعين لها فتوجهوا نحو في الكونغو مانعين تفكك أجهزة الدولة واندلاع حرب أهلية بسبب ما كانت تشهده البلاد من فوضى.
وفي العام 1964 أرسلت الأمم المتحدة قواتها أيضاً إلى قبرص مانعة أيضاً من نشوب حرب بين اليونانيين والأتراك الذين يتقاسمون الجزيرة، في حين كانت أيضاً وراء توقيع اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية التي وقعت في العام 1968 رغم الشك في جدواها.
كما قامت في العام 1975 بإعلان قرار يعلن أنّ الصهيونية هي احد أشكال العنصرية، كما فازت بجائزتي نوبل للسلام في العام 1964 لمساعدة الأطفال عقب الحرب العالمية الثانية و 1981 لمساعدة اللاجئين الآسيويين.
رغم هذه النجاحات إلا أنها فشلت في العديد من الملفات المهمة الحديثة سيما الملف السوري إذ طرحت العديد من المبادرات للوصول إلى حل سلمي ينهي الحرب الدائرة في البلاد منذ اندلاع الثورة في 2011، لكنها بائت جميعها بالفشل بسبب عرقلتها من قبل الصين وروسيا باستخدام حق النقض "الفيتو" كونهما دولتين دائمة العضوية.