حين لبّى السلطان سليمان نجدة الملك فرانسيس وأنقذ العثمانيون فرنسا من الغزو الإسباني

رغم هبوب الرياح الباردة بين باريس وأنقرة على خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المهاجمة لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان بسبب ملفات مختلفة أبرزها الملف الليبي ودعم فرنسا لحفتر مقابل دعم تركيا لحكومة الوفاق، وملف شرق البحر المتوسط الذي تدعم فيه فرنسا اليونان ضد تركيا، لكن تاريخياً كانت فرنسا وتركيا تربطهما علاقات ودية قبل عدة قرون، فقد ساعد العثمانيون فرنسا على البقاء واستمرار إمبراطوريتهم قبل 500 عام.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/09/08 الساعة 10:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/08 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية تظهر السلطان العثماني سليمان القانوني والعاهل الفرنسي فرانسيس الأول

رغم هبوب الرياح الباردة بين باريس وأنقرة على خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المهاجمة لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان بسبب ملفات مختلفة أبرزها الملف الليبي ودعم فرنسا لحفتر مقابل دعم تركيا لحكومة الوفاق، وملف شرق البحر المتوسط الذي تدعم فيه فرنسا اليونان ضد تركيا، لكن تاريخياً كانت فرنسا وتركيا تربطهما علاقات ودية قبل عدة قرون، فقد ساعد العثمانيون فرنسا على البقاء واستمرار إمبراطوريتهم قبل 500 عام.  

تحالف تاريخي بين فرنسا وتركيا: كيف ساعد العثمانيون فرنسا على البقاء قبل 500 عام؟

قبل 500 عام، وتحديداً في القرن السادس عشر، نشأ تحالف تاريخي بين سلف تركيا الإمبراطورية العثمانية والنظام الملكي الفرنسي، عندما دخل السلطان العثماني سليمان القانوني في حرب موهاج عام 1526، وهزم الإمبراطورية المجرية، التي كانت أقوى حلفاء ملكية هابسبورغ النمساوية، وفق تقرير شبكة TRT World التركية. 

قرار السلطان سليمان بمحاربة الإمبراطورية المجرية ساعد الملكية الفرنسية في ذلك الوقت، كيف ذلك؟

يقول المؤرخون إنه قبل عام من الحرب، كتبت لويز سافوي، والدة العاهل الفرنسي فرانسيس الأول، رسالة إلى السلطان تطلب مساعدته في إخراج ابنها من سجن هابسبورغ.

بصفتها الحليف الأول لهابسبورغ، واجهت الإمبراطورية المجرية هزيمة مروعة على يد العثمانيين، آذنت بنهاية سلالة جاجيلونيان. شعر شارلكان (تشارلز الخامس)، ملك آل هابسبورغ، بالضغط ليجلس على طاولة المفاوضات ويفرج عن فرانسيس الأول.

هذا الحدث أرسى أساساً قوياً للتحالف الفرنسي العثماني الذي استمر عدة قرون. ورغم أن تشكيل تحالف مع إمبراطور مسلم كان خطوة مثيرة للجدل بالنسبة لملك مسيحي، لكنها ساعدت فرانسيس الأول على إطالة عمر إمبراطوريته.

إذ يقول البروفيسور فريدون مصطفى إميسين، وهو مؤرخ للإمبراطورية العثمانية بجامعة 29 Mayis في إسطنبول: "طلبت فرنسا المساعدة من الإمبراطورية العثمانية في كل موقف ضد آل هابسبورغ. كما استفادت فرنسا من الدعم العثماني خلال صراعها ضد الهيمنة الإسبانية. وهكذا كان لدى العثمانيين فرصة للتدخل في السياسة الأوروبية وقد فعلوا ذلك".

فيما أضاف إميسين في حديثه لشبكة TRT World التركية، أن "آل هابسبورغ حاصروا الإمبراطورية الفرنسية وكانوا على وشك أن يصبحوا تهديداً كبيراً للهوية الفرنسية، ولو لم يدخل العثمانيون وسط أوروبا خلال حرب موهاج، لكانت فرنسا قد خضعت لهيمنة آل هابسبورغ".

فرانسيس الأول طلب مساعدة سليمان القانوني مرتين

في مقال نشرته صحيفة Sabah، قال البروفيسور إرهان أفيونكو، المؤرخ التركي ورئيس جامعة National Defence، إنه بعد أول دعوة للمساعدة من الإمبراطورية الفرنسية إيذاناَ ببداية العلاقات الفرنسية العثمانية، عاد فرانسيس الأول مرة أخرى إلى سليمان القانوني طالباَ المساعدة عام 1528. كان شارلكان لا يزال يضايق الملك الفرنسي، الذي شعر بالضعف أمام خصمه النمساوي في غياب الدعم العثماني.

من منظور تاريخي، فإن التحالفات الحاسمة بين الملوك الفرنسيين وتركيا العثمانية في أوقات مختلفة من التاريخ، وصولاً إلى التحالف بين باريس وأنقرة خلال الحرب الباردة، كانت دائماً حجر الزاوية في العلاقات التركية الفرنسية، رغم وجود تقلبات في بعض مراحل التاريخ.

ويبقى الإجماع التاريخي الواسع على أنه لولا الدعم العثماني لما بقي النظام الملكي الفرنسي في القرن السادس عشر، ولكان قد انهار تحت وطأة حكم آل هابسبورغ، الذي استمر حتى عام 1918.

نقطة التحول بعد وفاة فرانسيس الأول

خلال فترة حكمه، أبقى سليمان القانوني آل هابسبورغ في مأزق. ففي معركة بودا، الجزء الغربي من العاصمة المجرية الحديثة بودابست، واجه النمساويون هزيمة كبرى على يد العثمانيين، مما سمح للحاكم المسلم بالتغلغل في عمق أوروبا الوسطى. وبعد هزيمة الإمبراطورية النمساوية، كان هدف سليمان التالي هو فيينا. وفي عام 1529، فرض السلطان العثماني حصاراً شهيراً على فيينا.

بعد أكثر من عقد من الزمان، عاد العثمانيون مرة أخرى لإنقاذ فرانسيس الأول عام 1543، عندما أرسل سليمان سفنه البحرية تحت قيادة البحار الأسطوري بربروس خير الدين باشا. يقول بعض المؤرخين إن بربروس خير الدين باشا كان يحظى باحترام كبير بين منافسيه، لدرجة أن شارلكان عرض عليه تولي البحرية بصفته الأدميرال العام، وهو عرض رفضه باقتضاب. حاول شارلكان إغراء أميرال البحر العثماني بملكية الأراضي الإسبانية في شمال إفريقيا، لكنه فشل في مساعيه لجعل الباشا يغير انتماءه.

وعندما توفي الباشا العثماني عام 1546، ومع وفاة فرانسيس الأول بعدها بعام، شعرت الإمبراطورية الفرنسية مرة أخرى بالتوتر، وسط التهديد الذي يلوح في الأفق من آل هابسبورغ، لكن سليمان استمر في دعم خليفة فرانسيس الأول هنري الثاني وغيره من الملوك الذين تولوا حكم الإمبراطورية في  العقود التالية.

وأوضح إميسين لـ TRT World: "بعد وفاة فرانسيس الأول، في خمسينيات القرن الخامس عشر، شنت الإمبراطورية العثمانية وفرنسا حملة عسكرية مشتركة ضد إسبانيا، حتى أن فرنسا تركت فيها أحد موانئها للبحرية العثمانية، لتستفيد فرنسا من قوة البحرية العثمانية ضد إسبانيا".

وخلال القرن السادس عشر، لم تساعد الإمبراطورية العثمانية فرنسا في السيطرة فحسب، بل استمرت في إرسال جيشها وقواتها البحرية لمساعدة الفرنسيين على صد هجمات إمبراطورية هابسبورغ. ووفقاً للمؤرخ أفيونكو، أرسل سليمان القانوني عام 1533، 100,000 قطعة نقدية ذهبية إلى فرانسيس الأول، وبهذه الأموال أقام الملك الفرنسي تحالفات استراتيجية مع أمراء إنجليز وألمان.

أعرب الملك الفرنسي هنري الثاني عن تقديره دائماً للدعم العثماني، وأثنى على سليمان القانوني باحترام عميق. واصفاً السلطان بأنه "الصديق الموقر، والملك العظيم للمسلمين، والإمبراطور الذي لم يهزم".

أول تحالف بين دولتين مسيحية وإسلامية

كان هذا التحالف استثنائياً، وهو أول تحالف غير أيديولوجي بين دولتين مسيحية وإسلامية، وقد استمر بشكل متقطع لأكثر من قرنين ونصف القرن، حتى حملة نابليون ضد مصر العثمانية في 1798-1801. وقد أوضح أفيونكو أن "التحالف الفرنسي العثماني كان رمزاً للرحمة العثمانية لملك فرنسي مضطرب للغاية".

لكن بالطبع الأمور لا تبقى على عهدها دائماً، إذ تجر فرنسا نفسها في الوقت الحالي إلى النزاع البحري الثنائي بين تركيا واليونان في شرق البحر المتوسط عبر دعم أثينا.

لكن الحاضر مختلف عن الماضي

 إذ قال المؤرخ السياسي مسعود حقي كاسين، وهو أستاذ في جامعة Yeditepe بإسطنبول، في حديث مع TRT World، إن التهديد العسكري الذي يمثله موقف ماكرون المعادي ضد تركيا، حليفتها في الناتو، قد يكون كارثياً على التحالف، مضيفاً أن "الولايات المتحدة وألمانيا على دراية بالمسألة، ويجب ألا تسمحا لفرنسا بتدمير الناتو".

وربط كاسين الماضي بالحاضر قائلاً إن "الشعبين التركي والفرنسي صديقان قديمان"، وإن خطاب ماكرون المعادي لتركيا يفتقد للمعرفة التاريخية بكيفية رؤية البلدين لكل منهما الآخر.

تحميل المزيد